fbpx

المطرقَةُ والسندان

0 709

لو كنتُ راعياً

لقتلتُ القطيعَ عن  بكرةِ أبيه

وَاتّهمتُ الذئَابْ.

جراحُنا

جراحُنا التي تسوَّقْناها

من شوارع دمشقَ وأَزِقَّتِها

هذه الجراحُ الوطنيَّةُ

ما تزالُ غَيْرَ قابلةٍ سوى للنزف.

قُلنا:

لنذهب إلى الإسكافي

فليدرز لنا الجرحَ بخيطٍ متين

ثمّ يختمْهُ على سندانِهِ بالمساميرِ.

هنا أَيُّها الإسكافيُّ

لا تنسَ خواصِرَنا

فهي مفتوحةٌ للريحِ والمغص

درزةٌ، درزتان

ذهاباً وإياباً «أوتوستراد»

مَتِّنْ لنا منتصفَ القامةِ

ورقعةً على أسفلِ الظَّهرِ

لقد أخبرونا

بأَنَّ هنالكَ عاصفةً قادمةً

حائزةً على الميداليةِ الذهبيةِ

بمسابقةِ قصِّ الظَّهرِ،

وفتحِ الخواصرِ بضربةٍ واحدة.

جراحُنا التي تسوَّقناها مِنْ تُجَّارِ الوطنِ

هي جراحُنا ولاشيءَ آخر.

قديماً قيلَ:

لا تشترِ الجرحَ إلاّ والخيطَ مَعَهُ.

هنالكَ خبرٌ جديدٌ،

مرحلةٌ جديدةٌ

لنهيىءْ أنفسَنا لتشكيلةٍ واسعةٍ

منَ العظامِ المكسورةِ

والجماجمِ المفتوحةِ

والكتفِ المخلوعِ

بالإضافةِ،

إلى موديلاتٍ جديدةٍ، من الجراحِ

وبمختلفِ القياساتِ:

كريستال عشرونَ بوصة

بلازما ستونَ بوصة.

من الآنَ فصاعداً

سنزورُ عيادَتَكَ كثيراً

أيُّها الإسكافيُّ

خلِّ المطرقَةَ والسندان

على أُهبَةِ الاستعداد

لقد أصبحتْ أشياؤُنا كثيرةٌ

أعلنْ حالةَ الطوارىء في البلادِ:

على كلِّ الحذَّائينَ أنْ يضعوا أيديهم

على زنادِ المقبض.

سنُمَوِّهُ لكَ المسألةَ بكثيرٍ

من مسيراتِ التأييدِ، والتأكيدِ، والهتافاتِ،

والأناشيدِ، والخطاباتِ، النعليَّةِ.

وسنطلقُ «هاونَ» الإعلامِ في البلادِ

ونأتيكَ طوعاً لا كُرهاً

وسنشكرُكَ على حُسنِ استقبالِكَ لنا

وتفتيشِ ضمائرِنا

ثم درزِها مَعَ الأمعاءِ الغليظةِ

ففي الالتحامِ قُوَّةٌ.

سنحشُدُ طوابير من النِّعالِ المهترئَةِ

ادْرُزْ ما شِئتَ وَمَسمِرْ ما تريد.

يا سيِّدي الإسكافي!

مقامُكَ عالٍ ورفيعٌ

إلى درجةِ أنّهُ يدخلُ مع المساميرِ

من كلِّ حدبٍ وصوب

ويتركُ أثرَهُ الطَّيِّبَ فينا

من أعلى نعلِنا إلى أسفلِهِ.

يا سيِّدي الإسكافي!

نحنُ مُعجَبونَ بحكمةِ مساميرِكَ

ومشيئةِ الخيطِ.

أخبارُكَ الطَّـيِّبةُ طافَتْ بيوتَنا

موزَّعةً على الكراسي «والصوفايات»

مطويَّةً في الخزائنِ مع ثيابِ أولادِنا

وبلعبِهِمْ التي نَعِدُهُمْ بها حتّى الآن.

أخبارُكَ الطَّيِّبَةُ وصلتْنا

طفحَ كيلُنا بها

وفاضَ على حوافِّهِ كرغوةِ البيره.

يا صاحبَ المساميرِ

يا صاحبَ المطرقةِ والسَّندانِ!

أخبارُكَ الطَّيِّـبَةُ وصلَتْنا بشفافيَّةٍ

تناهى إلى سمعِنا

أنَّكَ خبيرٌ بعلومِ الزَّمهريرِ

وقراءةِ المستقبلِ

فلمجرَّدِ الوقوفِ خَلْفَ النَّافذةِ

تستطيعُ أَنْ تُنبِئَنا

بأَنَّ أمريكا ليستْ قادمةْ

«وإسرائيلَ» لَنْ تدومَ

وبأَنَّ حكامَنا باقون

يلاحقونَ المستقبلَ كطريدةٍ   

ليصطادوهُ لنا على طبقٍ من ذهب.

يا سيِّدي

يا صاحبَ الخيطِ المتين!

أَخبرونا بأَنَّكَ عالمٌ بصيرٌ

من شاطىء المتوسطِ  

ومِنْ خلفِ النَّافذةِ ذاتها

تستطيعُ أَنْ ترى سورَ الصينِ

بَشِّرْنا يا سيِّدي

يا مُتقنَ العصرِ والزَّمان

يا صاحبَ المطرقةِ والصولجانِ

أنبئْنَا عن موتِنا

متى،

وبأَيَّةِ طريقةٍ يكون؟

دَهساً

جوعاً

أَمْ خنقاً؟

هل موتُنا على يدِ علبةِ مرتديلا وطنيَّة

أَمْ بحجَّةٍ حزبيةٍ

أو رُبمَّا بفراريجِ أصحابِ الحظوةِ

وَرُبمَّا ببطيخةٍ مصادفه.

أَنبئْنا يا سيِّدي

ما مصيرُ العاطلينَ عن العملِ

وما مصيرُ سارقي الوطنْ

هل لنا على مدِّ بصرِكَ أملٌ

في إعادة جدولةِ

امتهانِ الكرامةِ؟

لقد ارتختِ المفاصلُ تحتَ ثِقَلِها

انحنت ظهورُنا من شِدَّةِ الحكمةِ

أَوْسَعَتْنا انحناءً

صرنا ننحني لكلِّ من هبَّ ومن لمْ يهبَّ

ننحني للأبوابِ العريضةِ

والأسوارِ العاليةِ

ننحني للساحاتِ العامةِ

والقصورِ الفخمةِ

ننحني لمزرعةِ الرفيقِ، وامرأةِ الوزيرِ

وجارِ جارِ امرأةِ الوزيرِ

وأعمدةِ الكهرباء

وواجهاتِ البنوكِ  

وساحةِ المرجةِ، وقاسيونَ

والجمارِكِ وأَمنِ الدولةِ

وسياراتِ الإطفاءِ والإسعافِ

وساعةِ مبنى التلفزيون

التي لا نشكُّ بها

ومكاتبِ الاستعلاماتِ

وحرَّاسِ «الكولباتِ»

والستائرِ المخمليةِ

ونُمَرِ السياراتِ

وشارةِ المرور

وبائعي اليانصيب

وأصحابِ البسطاتِ،

الذين اجتاحهم الزهدُ

نبذتهُمُ الحياةُ على الأرصفةِ

فاكتفوا ببطاريةٍ،

أو «كستكِ» ساعةٍ

ومنهم من تدروشَ، بتجارةِ المسواكِ.

هذَّبتنا الحكمةُ يا سيِّدي

أصبَحنا نرسمُ الطلقةَ على الورقِ

ثُمَّ نسقطُ ــ وفاءً منَّا ــ

مضرَّجين بدمائِنا.

نرسمُ كفَّاً بخمسةِ أصابعَ

فنسمعُ رنينَ الصفعةِ على وُجوهِنا

وبعدَها،

تدمعُ العينُ.

يا سيِّدي

يا صاحبَ آنَ الآوانُ

يا كاشِفَ كلِّ خيطٍ رفيعٍ

يا عالماً بكلِّ مسمارٍ أينَ يضيعُ

أنبئنا يا سيِّدي

عَنْ حظِّنا في فنجانِ القهوةِ

وماذا تعني هذه الفسحةُ من البياضِ

الرابضةُ أمامَنا ككلبٍ متحفزٍ؟!

سنلحسُ الإبهامَ

ونبصمُ في أسفلِ الكَعبِ

ولكنْ يا سيِّدي

قَبْلَ أَنْ تَكشِفَ عن رغباتِنا

وتقرأ لنا نوايانا  

إنَّنا،

نطلبُ مِنكَ الأمان.

***

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني