fbpx

المسكونية وعين على المواطنة

0 290

الإنسان منهل كل الدراسات وقاعدة انطلاقها وهو محور وهدف أي نشاط فكري أو تجاري أو صناعي أو اجتماعي وهو الوسيلة أيضاً، من فكره بُنيت الحضارات وبفكره هدمت.

من قلب الدمار البشري والحروب العالمية ظهرت عصبة الأمم المتحدة /1920/ فكانت الحلقة الأولى التي تجسدت على أرض الواقع لفكرة السلام العالمي.

فشلت عصبة الأمم في تحقيق السلام العالمي ونشبت الحرب العالمية الثانية كارثة إنسانية كبرى نكبت البشرية بفقدان أكثر من خمسة وثلاثين مليون إنسان ما بين قتيل ومفقود، ارتكبت بها مجازر وإبادات جماعية وأعمال وجرائم وحشية ما أدى لنشوء هيئة الأمم المتحدة /1945/.

إذاً الجرائم ضد الإنسانية كانت الدافع لنشوء الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يشمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقيات الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري وأشكال التمييز والعنف ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل.

يدفعنا هذا لتعريف حقوق الإنسان: بأنها الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان بصفته إنسان. حقوق ملازمة له ليست بمنة من أحد دون أي تمييز لجنس أو لون أو لغة أو عرق أو دين أو معتقد أو وطن. وهي المبادئ الأخلاقية التي يجب ألا تخالف في تصرفات البشر بل يجب أن تكون منسجمة معها ومتطابقة، لذا كان من الواجب حمايتها بقوانين محلية ودولية، فقد تضمنت معظم التشريعات والقوانين الوطنية والدولية قواعد تكفل حماية حقوق الإنسان.

هل فعلاً عملت الأنظمة على حماية وإقرار حقوق مواطنيها؟

بعض هذه الأنظمة ظلت بعيدة عن تحقيق أي حماية، بل انتهكت وخالفت كل المعايير الدولية والعالمية لحقوق الإنسان، بينما الأخرى كانت أبعد نظراً، حيث تمكنت من تحقيق حياة كريمة لشعوبها من خلال تحقيق المواطنة وسيادة القانون ما أدى إلى تطورها وازدهارها وتفوقها بين دول العالم. فما تضمنته تشريعاتها الوطنية من مبادئ إنسانية تخطت حدودها الوطنية لتشمل كل العالم، هذا التطور بالفكر ومحاولة تعميمه على البشرية حتى يستفيد منه كل إنسان انتهكت حقوقه وكرامته حتى ضمن وطنه.

فنظرة تلك الدول أن واجب الانسان أن يقف مع أخيه الانسان أينما كان ضد الظلم والقهر، هذه النظرة الإنسانية التي ترى العالم كله أسرة واحدة يجب أن يتساوى أفرداها في الحقوق والواجبات، فمن واجب القوي أن يحمي الضعيف ويمنحه ما يستطيع من الحماية القانونية وغيرها التي تمكنه من العيش بكرامة.

 تضمنت القوانين الألمانية قواعد مكنت القضاء الألماني من قبول دعاوى من أي إنسان رغم اختلاف الجنسية، ضد أي إنسان آخر أو دولة انتهك/ت حقوقه لذلك نرى في هذه الأثناء بعض الدعاوى لأفراد سوريين مورست بحقهم جرائم ضد الإنسانية من قبل أشخاص آخرين من أبناء بلدهم.

تنامي الفكر الإنساني واتساع منابره وتبني المجتمعات المدنية لهذا الفكر دفع بها لتخطي الحدود الوطنية فكونت شبكات عبر العالم مستغلة التطور التكنولوجي لنشر هذا الفكر ودعمه على أرض الواقع بالعمل الإنساني الفعلي، وشكّلت نواة تستقطب أفراد ومجموعات فاعلة ومؤثرة في مجتمعاتها للعمل على انتزاع وامتصاص ما هو هدام ومخرب للفكر الإنساني .

هذا ما يطمح إليه العديد من المفكرين والأدباء والحقوقيين على مستوى العالم، أن تكون العولمة وسيلة لتحقيق أهداف إنسانية يستفيد منها العالم الإنساني لضمان استمراريته والحفاظ عليه من الخطر الذي تشكله الجرائم ضد الإنسانية عليه، تماماً كما تؤثر الانبعاثات الحرارية على وجود هذا العالم.

إن العالمية الإنسانية هي التي يجب أن تسود لتتخطى المواطنة وتنتقل إلى الإنسانية. ويجب العمل على إزالة الحواجز التي تعيق هذا الانتقال.

كثرت الدعوات الإنسانية (للمسكونية) هذا المصطلح تكلم عنه الكاتب الكبير أمين معلوف في كتابه (انحلال العالم): “هي تضامن من نوع جديد – مسكوني – متعدد الوجوه، رهيف، رزين، ناضج، مستقل عن الأديان دون أن يكون معادياً لها أو لا يتحسس حاجات الإنسان الماورائية، التي هي حاجات حقيقة كالحاجات الجسدية. تضامن يستطيع أن يسمو على الأمم، والطوائف، والإثنيات، دون الغاء غزارة الثقافات، يستطيع أن يجمع بين الناس بمواجهة الأخطار التي تهددهم، ودون أن ينعم بخطاب كوراثي. بكلام آخر هل سنشهد في هذا القرن صعود إنسانية جديدة معبئة لا تكون رهينة أي تقليد”. ص /209/.

كما يرى بأن الدول الكبرى أو سيدة العالم (الولايات المتحدة الامريكية) بعد الحرب الباردة يجب أن ترى العالم بعين إنسانية وتأثير قادتها على العالم (دون أن يكون رأي للعالم في اختيار قادتها)، فإما حروب كعهد بوش أو دعاة سلام كعهد أوباما على رأي الكاتب.

بغض النظر عن رأيه لهذه الناحية نقدر ونثمن دعواته للمسكونية لسكان الأرض كأسرة واحدة مصلحتها بالسلام عبر مكافحة الظلم والفقر والجهل وتحقيق العدالة والكرامة الإنسانية.

إذا كان المحور والهدف الأساسي لنشوء الامم المتحدة هو حماية حقوق الإنسان فهل استطاعت تحقيق هذا الهدف الأسمى؟

 وهل منعت نشوب الحروب والصراعات التي انتهكت كل المعايير الأخلاقية والإنسانية التي أقرتها الأمم المتحدة؟

لا يمكن نكران ما تقوم به الأمم المتحدة من أعمال إنسانية ومساعدات وآليات رقابة على الحكومات والجماعات التي تنتهك حقوق الإنسان وما أسهمت به في حل بعض النزاعات، إلا أنها فشلت في ميادين أخرى، فيعاب عليها ازدواجيتها في التعامل، وصعوبة ردع منتهكي مبادئها، فإخفاقها الذريع في حماية الشعب السوري من الأطراف المتصارعة على أرضه لم تستطع منع نشوب الحرب ضده وحمايته من أبشع وأقذر جرائم ضد الإنسانية بحقه من قتل وتشريد واختفاء قسري واعتقالات تعسفية ودمار اقتصاده وثروته وبنيته التحتية.

هذا لا يمنعنا من الاستمرار بالمطالبة بحقوقنا الإنسانية المسلوبة. ونشر الفكر الإنساني ونبذ خطاب الكراهية والدعوة للسلام والوئام بين الأمم وتكاتفها وتعاضدها لخير البشرية وترسيخ مبدأ العقاب ودعمه بآليات تنفيذية لتكون رادعاً لكل المخالفين ومنتهكي حقوق الإنسان دون ازدواجية، عبر تبني مفهوم المسكونية وتعميمه ونشره لتتبناه التشريعات والقوانين المحلية والعالمية.

نحن سكان الأرض نسعى لخير الأرض ومن عليها من كل الكائنات للحفاظ على كوكبنا من الدمار واستمراريته في الكون، لتكون الأرض كوكب السلام والنور الإنساني .

شعوب تخطت المواطنة وتعمل على المسكونية والإنسانية، وشعوب مازالت ترزح تحت الظلم والقهر وتحلم بأبسط حقوقها الإنسانية بالحرية والكرامة بالمواطنة وسيادة القانون كحل وحيد لها لحياة أكثر إنسانية.

 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني