المرأة في المناهج السّوريّة… تهميشٌ أم إنصافٌ
تُعدُّ العمليّة التّعليميّة انعكاساً للواقع الاجتماعيّ، وتختلف المناهج حسب فلسفة المجتمع وعاداته وتقاليده، أمّا في سوريّة فقد تباينتِ المناهج وفقاً لتغيّرٍ في الخريطة السّياسيّة.
فهلِ استطاعتْ تلك المناهج تقديم صورة حقيقيّة لدور المرأة في بناء المجتمع؟! أم أنّها جاءت تكريساً لنمط سائدٍ، لكنْ بأشكالٍ متعدّدةٍ.
للوقوف على صورة المرأة في المناهج السّوريّة يجب أنْ نعيَ أمرين اثنين أوّلهما: مشكلة المرأة السّوريّة هي مشكلة سوريّة ذاتها؛ إذ تتداخل معها بأدقّ تفاصيل الحياة اليوميّة من جهةٍ، كما تتداخل مع الحركة الجيوسياسيّة العالميّة من جهة أخرى.
ثانياً: تناولُ صورة المرأة في المناهج السّوريّة يكون بحسب المناطق التي فرضها الصّراع منذ تسع سنواتٍ.
المناهج التّعليميّة لدى النّظام السّوريّ:
حاول النّظام في سوريّة القيام بأدوار استعراضٍ، فأظهر نفسه كنظام علمانيّ داعمٍ لقضيّة المرأة، وهو استعراضٌ إعلاميٌّ لا أكثر؛ فمناهجه التّعليميّة في حقيقتها لا تجسّد إلّا صورة نمطيّةً للنّساء بعيدةً عن أيّ تمثيلٍ حقيقيّ لهنّ، متجاهلة دورهنّ في صنع السّلام.
صحيحٌ أنّه قام مؤخّراً بتحديث مناهجه، وإدخال أساليبَ تعليميّةٍ حديثةٍ عليها؛ إلّا أنّه أبقى دور النّساء في الحرب، أو في المجال الإنسانيّ غائباً ضمن تلك المناهج، ومازال يتعامل معهنّ بشكلٍ نمطيّ يكرّس الأدوار التقليديّة لهنّ.
إنّ النّصوص المقدّمة في القراءة والاجتماعيات، إضافة إلى الصّور المرفقة تبرز التمييز الواضح ضدّ النّساء والفتيات، فالنساء تنحصر أدوارهنّ في دور الأمّ المضحيّة، أو المعلّمة، أو السّكرتيرة، أمّا الشعر والاختراعات فهي أدوار تخصّ الرّجال فقط.
تقدّم مناهج النّظام مهنة التّمريض كمهنة مفضّلة عند النّساء – رغم امتلاء مشافيه بالممرضين الذّكور – ويعطي عبر نصوص شعريّة ونثريّة صفات تنفرد فيها، فهي رحيمة عطوفة ذات ابتسامة حلوة تشبه الحوريّة البيضاء بلباسها الملائكيّ.
لابدّ للمتتبّع لهذه المناهج من أن يلاحظ التّسييس في التّعليم الذي قام به النّظام لخدمة أجندته الخاصّة، والأمثلة الموجودة في مناهجه دليل على ذلك، فالفتاة التي تحلمُ بالإبداع العلميّ ترفع علم بلادها؛ وهذا يشير إلى ربط الإبداع بالعِلم (فكرة الولاء) ورفض ضمنيّ للعَلم الآخر…عَلم الاستقلال الذي اختارته المعارضة السّوريّة.
المناهج التّعليميّة في مناطق المعارضة:
قامتِ الحكومة السّوريّة المؤقتة ببعض التّعديلات على مناهج النّظام، فأزالتِ الرّموز التي تشير إلى النّظام السّوريّ، وإلى حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، وأضافتْ رموزاً تتعلّق بالثّورة السّوريّة.
إنّ ضعف الإمكانات الماديّة لدى مديريّة التّربية التّابعة للحكومة السّوريّة المؤقتة، جعلها غير قادرة على إعداد مناهج جديدة تطرح رؤية متطورة ومنصفة للنّساء؛ من شأنها النّهوض بدورهنّ.
بقيتِ المناهج في تلك المناطق تركّز على إعداد فتياتٍ قادراتٍ من خلال رفع المستوى المعرفيّ لديهنّ؛ الدّخولَ لسوق العمل كموظّفاتٍ فقط. وساعدتْ قيم المجتمع السّوريّ السّائدة في تلك المناطق – ولاسيّما الرّيفيّ منها – على تكريس الصّورة النّمطيّة للنّساء، فالمرأة مكانها المطبخ وتربية الأولاد وظيفتها، ولايشارك الرّجل في هذه النّشاطات التي تندرج تحت مسمّى (العَيب).
ساهمتِ الحرب المفتوحة في مناطق سيطرة المعارضة، بفقدان الحكومة المؤقتة السّيطرة التّامّة على العمليّة التّعليميّة، عندما قادتها فصائل متنوعة تابعة لأجندات سياسيّة متعدّدةٍ، وتتنازع فيما بينها، إضافة إلى حربها مع النّظام؛ الأمر الذي خلق بيئة تعليميّة متزعزعةٍ. فالتّعليم لم يكن ضمن أولويات تلك الفصائل، والشيء الوحيد الذي تدخلت فيه لباس الفتيات، كما منعت الاختلاط في المدارس بين الطّلاب والطّالبات.
لم تكنِ صورة الفتيات في مناهج المعارضة بأفضل حالٍ من صورتها في مناهج النّظام، حيث سعتْ إلى تكريس الأنماط التّقليديّة كرّبّة بيت مكانها الحقيقيّ بيت الزّوج، فأُدْخِلتْ إلى دروس التأهيل المنزليّ، متجاهلين القدرات الحقيقيّة لها، واُسْتغلّتْ من خلال عرض صورتها على أغلفة المناهج؛ فاليدان المرفوعتان بالدّعاء تعكسان الإصرار على أدلجةٍ ضمن إطارٍ دينيّ.
إذاً بقيت المناهج التّعليميّة في مناطق المعارضة تتأرجح بين الإنصاف، وقلّة الإمكانات.
المناهج التّعليميّة في مناطق الإدارة الذاتيّة:
لاتعكس مناهج التّعليم في مناطق الإدارة الذّاتيّة الصّورة الحقيقيّة للنّساء القائمة على التّشاركيّة في عمل الأرض؛ بل على العكس نجد أنّ النّصوص في كلا اللّغتين العربيّة والكرديّة تعمل على تهميش دور المرأة في هذا المجال، وتحصره في الرّجل وحده، فهو المالك للأرض، وعمل النّساء في الأرض يعود إلى المجتمعات البدائيّة (المجتمع الأموميّ)، ودورها ينحصر في تربية الأولاد وغسل الملابس وخياطتها، فهي المضحيّة التي تسخو بمشاعرها، أمّا الأب فيقوم بدور الواعظ لأبنائه في البيت، وفي الخارج هو مديرٌ أو مسؤولٌ، مكرّسين بذلك هرميّة السّلطة المُتّبَعَة في المجتمع السّوريّ.
صحيح أنّ المناهج الصّادرة باللّغة الكرديّة حاولت كسر تلك النّمطيّة؛ من خلال تقديم بعض النّصوص أبرزت فيها الدّور التّاريخيّ للنّساء في اختراع آلات الحصاد، وتربية الماشية، وأشادت بذلك الدّور الذي حرمها منه المجتمع عندما تحوّل إلى مجتمع ذكوريّ، وجعلها مهمّشة، إلّا أنّ ذلك لم يمنعها من تسييس مناهجها لخدمة أجنداتها الخاصّة؛ عندما تحدّثت عن المقاتلات في نصوص أوردتها في مناهجها. فجاءت تلك المناهج متوافقة مع الثقافة السّائدة حتماً.
إنّ المناهج السّابقة بتركيزها على صورة أحاديّة للمرأة، جعلها تعيش فصاماً واضحاً مع المجتمع؛ فالنّسبة العالية لعدد النّساء في مؤسسات التّعليم، وواقع المرأة في الكتب المدرسيّة التي تتجاهل قدرتها على الإنجاز، وتُصِرّ على إبقائها في حالة تبعيّة للرّجل، وتُغيّب دورها الحقيقيّ في تنشئة الأجيال، جعلنا نستشعرهذا الفصام بقوّةٍ.
يبقى تغيير النّظرة الهامشيّة تجاه المرأة مرهوناً بوضع مفاهيم جديدة للمناهج التّعليميّة، تكسر القالب السّطحيّ الذي مازال يحيط بها، ويعمل على توعيتها بحقوقها، ويشركها في رسم السّياسات التّعليميّة التي أُقصيتْ عنها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”