fbpx

المرأة بين البيت والخيمة

0 833

هناك تجربة لعالم أجراها على سمكة، فوضعها في حوض كبير، ولم يضع فيه أي حدود أو أحجار أو تربة، أو أعشاب.

وبقيت السمكة بلا حراك، ولكن حين وضع في الحوض حجارة.. وخصص لها أماكن.. وصنف كل ركن بدأت السمكة تتحرك.

هذا يعني أن أي كائن في الكون يجب أن يكون له حدود ملكية خاصة فيه ويعيش فيها حريته ويعيش خصوصيته ويمارس طقوسه.

فهل هناك مقارنة بين البيت المسقوف المسمى باسم صاحبه ويحتوي كياننا وذكرياتنا وبين الخيمة؟ التي يمكن أن تتحول في كل لحظة هباءً منثوراً، سواء بقرار.. سواء برياح سواء بخطأ. أو بأي فعل آخر.

يا ترى، ما هو مدى الطمأنينة والقلق والراحة النفسية والسلوك النفسي عندما نعيش في بيت قابل في أي لحظة للإزالة، يعني أن يصبح انتماؤنا مهدد وعلى شفى حفرة.

أساساً، كان التطور البشري من الترحال إلى الاستقرار، وقد يكون لكل منهما سلبية وإيجابية، لكن الاستقرار هو أعلى إيجابية لما فيه من تفرغ للفكر.. تفرغ للإبداع.. للعمل.

بالاستقرار تبنى الحضارات والمدن، والمثال واضح في كل الحضارات السابقة كانوا يشيدون المدن من السومرية للبابلية للفرعونية الخ.

كلما زادت المخيمات زادت المصائب، كلما زاد الترحال قل الاستقرار وقل الإبداع

لو غيرنا كل يوم للزرع مكانه فلا نأمل منه حصاداً.

وهكذا المرأة الهاربة بمعاناتها من بلدها حاملة معها الندبات والكدمات الجسدية والنفسية لتستقبلها معاناة الخيمة التي تضاف إلى الخبرة السلبية الموجودة مسبقاً، فقد اجتثت من جذورها وتحولت لشخص مكسور الخاطر.

فكلمة البيت مقترنة بالمرأة، حتى لو ملكه الزوج مادياً فهي تمتلكه معنوياً وهو جل اهتمامها مهما كان لديها اهتمامات خارجية، هو مملكتها وهي الملكة التي تمارس فيه طقوسها وخصوصيتها.

البيت هو الأساس.. هو مصدر المكانة والقيمة هو مصدر الأمان النفسي فهل هناك أصعب من انتزاع هذا الأمان والاستقرار النفسي والروحي والفكري؟

فكيف تشعر هذه المرأة خارجه؟ وخاصة في حالة الخروج القسري كم هو الألم والشعور بالإهانة والعجز والحاجة.

نحن النساء لا نشعر بالأمان في مكان غريب فالبيت مصدر الأمان والهدوء النفسي.

نحن النساء لا نعطي الحب ولا التقبل ولا السكينة ولا المودة عندما نشعر بالتهديد والأجواء المشحونة وحالات الخصام والخوف.

الخيمة هي دعوة لاكتشاف عالم المرأة الخاص عالم الآلام والأمنيات البسيطة.

عالم فقدان الخصوصية والشوق الكبير والشديد للعيش في منزل له جدران حيث يمكن للمرأة أن تكون ملكة منزلها.

الخيمة هي الدعوة للتعرف إلى أشواقهن.. تفاصيلهن التي لم يعد بإمكانهن فعلها.

هي سجون كبيرة يحلمن بمغادرتها علماً أن كرههن للمخيم وصل حد الندم بسبب خروجهن من الوطن.

والدعوة إلى الخيمة هي دعوة لتراقب كيف تقوم المرأة بتنظيف الخيمة وترتيبها والاهتمام بالأطفال ووضع لمساتها الخاصة، فقد تجدها تضع وروداً وزهوراً اصطناعية أو أحواضاً معدنية زرعتها النساء بالنعناع والبقدونس والبقلة.

الخيمة هي دعوة لتشاهد المعاناة الحقيقية في أدنى معايير الحقوق الإنسانية في الذهاب إلى الحمام مثلاً لقضاء الحاجة، أما الاستحمام فهو تحد حقيقي مع الأخذ الاحتياطات كافةً ناهيك عن الحرج والظلمة وانقطاع الكهرباء وخاصة في الشتاء القارس بكل أبعاده.

ناهيك عن التواصل القسري مع العوائل الأخرى ونشوب مشاكل ومشاجرات وتنمر وتحرش.

الخيمة هي دعوة لتشاهد كيف أن الغسيل والتنظيف.. والطبخ الذي هو من أمتع ممارسات المرأة التي تضع فيه من نفسها وخبرتها ومهارتها وتقدمه لأولادها وزوجها بحب وشغف يصبح أمراً مزعجاً ومتعباً بسبب البرد القارس أو الحر الشديد فتصبح الأعمال المنزلية معاناة في ظل الظروف السيئة.

الخيمة هي الروتين القاتل، هي الافتقار للتجديد هي الملازمة القسرية هي العزلة والانسحاب الاجتماعي فكيف ستصل هذه المرأة الى مرحلة التعافي والشفاء؟

كيف ستتعافى في ظل الخيمة الملتصقة بباقي الخيم والصغيرة المساحة التي تفتقر للخصوصية في بيتها ومع محيطها، كيف ستتعافى في ظل الضغوط الاجتماعية والنفسية والصحية؟ في ظل المشاكل الأسرية وانعدام السرّية في الحياة اليومية وتراجع الخدمات التعليمية وفرص العمل والحصول على دخل يساعدها. فاللجوء في حد ذاته هو صراع يومي للبقاء ولن يزول إلا بزوال السبب.

المرأة تعاني أكثر من غيرها من الآلام النفسية للنزوح والتهجير بحكم عوامل عديدة تنعكس على المرأة ككوابيس ليلية وبكاء هستيري والاستيقاظ بفزع من النوم.

ظهرت نظرية ماسلو بترتيب الاحتياجات الإنسانية كواحدة من أهم النظريات حتى يومنا هذا في صراع فلسفي عميق حول حاجات الانسان وتأثيرها على سلوكه، فلو أسقطنا فكرة العالم النفسي الأمريكي على حياتنا العملية لفهم طبيعة الدوافع الإنسانية وتراتبية الأوليّات لوجدناها كالتالي:

أولاً: الحاجات الفسيولوجية

ثانياً: حاجات الأمان

ثالثاً: حاجات الحب والانتماء

رابعاً: احتياجات التقدير والاحترام (تقدير الذات والاحترام من الآخرين)

خامساً: حاجات تحقيق الذات، حاجات الذروة

فلكي نرتقي وننمو يجب علينا الوصول لفهم جيد للذات الإنسانية وحاجاتها فالانتقال من حاجة الى أخرى أو من مستوى إلى آخر يحتاج إشباع المستوى الأدنى سعياً إلى الارتقاء.

وهنا يبدأ الطلاق الروحي بين الزوجين بعد أن كانا يعيشان الاستقرار الأسري في منزلهما فغالباً ما تشعر المرأة بالغضب عندما لا تكون قادرة على تطوير العلاقة بينها وبين الرجل بجعلها رومانسية ودافئة ما يؤدي إلى إحساسها بالإحباط واليأس.

وكيف لها ذلك وهي لديها الكثير من الاحتياجات الرئيسية (حسب ماسلو) غير مؤمّنة وأولها الأمان النفسي والجسدي والمادي.

ثانيها التفهم والإصغاء والإنصات والعاطفة فهي بحاجة إلى الـ (فضفضة) في الوقت الذي يصعب على الرجل تلبية هذه الاحتياجات. فهو بدوره لديه احتياجات رئيسة عير مؤمنة في هذه البيئة.

فالاستقرار الأسري هو مفتاح التوازن العقلي لدى أفراد الأسرة كي تحيا الأسرة حياة مستقرة ومتوازنة وتتوفر بيئة نمو صحية وآمنة من الجانب الجسماني والجانب النفسي والجانب العقلي.

في البيت كانت تعيش المرأة هذا الاعتناء بالنفس وشريك الحياة وتعيش التوازن بين العمل والحياة اليومية وتنعم بالهدوء النفسي وبممارسة الاهتمامات واتخاذ القرارات وتخصيص وقت لشريك الحياة وعبارات الحب والمودة والعناق والمفاجآت والصور التذكارية والنزهات فالبيت هو الوطن.

وللمفارقة الطريفة هنا والحنين المعكوس وعن علاقة البدو بحياة الصحراء بشكل عام والخيمة بشكل خاص دعونا نقرأ ما كتبته ميسون الكلبية (شاعرة من قبيلة بن كلب) التي تزوجت من معاوية بن أبي سفيان الذي نقلها من الصحراء إلى دمشق وسكنت في أحد قصور الخليفة لكنها كانت كثيرة الشوق والحنين لحياتها السابقة ومسقط رأسها في الصحراء.

وفي أحد الأيام سمعها معاوية وهي تنشد قصيدة تعبر فيها عن شوقها لحياة البادية وتقول:

ولبس عباءة وتقر عيني أحب إليّ من لبس الشغوف

وبيت تخفق الأرواح فيه أحب إليّ من قصر منيف

وأكل كسيرة من كسر بيتي أحب إلي من أكل الرغيف

عندما سمع معاوية هذه القصيدة طلّقها ومكنها من العودة والانضمام إلى أهلها وقبيلتها.

فكيف يمكن أن نقيم أو نحدد مدى أهمية البيت والوطن بالنسبة لشاعرتنا؟

فهل هو الحنين… الشوق… الانتماء.. نعم هو الوطن؟؟

ليلى عروس من كم شهر:

شعوري ههههههه غير شكل وحل وطين، يلزم أوصفلك أكثر؟ وتمشي وتتركني

أم علي نازحة من كفرعويد:

شو شعوري (تصفن) زفت.. شوفي كيف قاعدين نطبخ ونتحمم وننشر غسيلنا وننام أنا وجوزي وأولادي بنفس الخيمة.. لا ما في استقرار.. أنا كل يوم أنام وأدعي إنو الله يفرجها وبكرا أنام ببيتي، الفرق.. يكفي إنها خيمة.

والله يا أختي أني نازحة من التح سمعانة بالتح من كم شهر، بس من كم يوم نزحت من خيمتي على خيمة أختي من قبلي المخيم على شماله لأن خيمتي غرقت.. ما أعرف إش أقلك.. لا مافي استقرار بعد بيتي مافي.. كلو مثل بعضو.. تخيلي كل ما بدك تفوتين عالتواليت بدك تلبسين العباية وتطلعين قدام كل المخيم. وكل ما تريدين تطلعين بالليل تفيقين جوزك تا يستناكي.. هذا شعوري.

طالبة جامعة سنة ثالثة متزوجة من ختيار بعمر جدها ع الضيعة بس كرمال تهرب من خيمة أهلها اللي قاعدين فيها تقول:

كان كل همي أخلص من الخيمة وأقعد تحت سقف.. ذل وقهر وبرد ووحل وشوف وبق وحشرات.. أما رأيي الشخصي أنا ما رأيي الشخصي أنا ست غيثاء أنا كرقية، فعلاً أتمنى أموت قبل أعيش هيك عيشة، خصوصاً المخيمات العشوائية واللي صارت على عجل.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني