fbpx

المحاكم الميدانية

0 341

نشأت المحاكم الميدانية في الحروب، ويفهم القصد والغاية من اسمها (ميدان) أي أنها تختص بساحة المعركة، فتشمل الجرائم المرتكبة من قبل العسكريين أثناء الحرب.

تتصف بالتوقيت بطبيعتها بنشأتها وإجراءات التقاضي المتبعة فيها.

ولكون المحاكم الميدانية حالة استثنائية خارجة عن المألوف في المحاكم، غير متوافقة مع ما تقتضيه العدالة، تعتبر من أخطر الاجراءات في التعدي على حقوق الإنسان، ومخالفتها لمبدأ التقاضي العادل الذي يضمن حقوق المتهمين.

تلجأ الأنظمة المستبدة والدكتاتورية للمحاكم الميدانية كوسيلة لقمع المعارضين لها، حيث تتخذ منها قاعدة أساسية في الضغط على الشعب، لكبح جماح أي تحرك ضدها، بمجرد ذكر اسمها ترتعد الأنفس وتكفهر الوجوه، لشدة وقسوة ما يعاني من يقع عليه الاختيار في المحاكمة أمامها.

بالأساس إن المحاكم الميدانية محاكم عسكرية استثنائية لاعتبارات ذكرناها سابقاً من حيث الزمان والمكان والموضوع لاختصاصاتها، لكن هذا التصنيف يبدو ضبابياً وعشوائياً، غير مفهوم لدى أصحاب القرار فأبدعوا، وتفننوا في اصطياد طرائدهم من الشعب السوري، المغلوب على أمره فلم يقفوا عند أي تصنيف، أو اختصاص حتى شملوا بالإحالة للمحكمة الميدانية كل من صبوا عليه جام غضبهم وحقدهم، فلم تكن النيابة العامة العسكرية سوى مقصلة لقطع دابر أي صوت معارض للنظام.

عملت النيابة العامة العسكرية على الفتوى والتشريع، متخطية كل الأعراف القانونية والمبادئ الحقوقية العالمية لحقوق الانسان. لم تكتف بإحالة العسكريين فقط بل المدنيين أيضاً، حيث أحالت النيابة العامة العسكرية الآلاف من السوريين للمحكمة الميدانية، عسكريين، ومدنيين وبتهم مفبركة دون أي دليل ودون اتباع أي إجراء قانوني سليم، تقتضيه العدالة والمنطق الإنساني. لا يسمح للمتهم بتوكيل محام، وينظر إلى إضبارته الواردة من الأفرع الأمنية والحكم وفق الضبط الأمني مع العلم اليقين بعدم صحته وقانونيته كون الاعترافات المدونة فيه انتزعت بالإكراه تحت التعذيب والضرب والعنف بكل أشكاله المادي والمعنوي، فعلى سبيل المثال (حكمت فتاة من الرستن بالاعتقال مدة سبعة عشر عاماً لتهمة التظاهر ضد النظام).

أي محاكم تلك تعمل على الحالة النفسية لأفرادها، وأية حالة تلك، مرض، ووباء قاتل يفتك بالإنسانية يجرد فاعله من الصفة البشرية، ليكون حيواناً يفترس كل من لا تعجبه ملامحه أو صوته أو فكره. أي عقم وتحجر هذا، لا يفصح عن مخلوق بشري، فتلك الممارسات والنهج المتبع بالمحكمة الميدانية بعيدة عن النهج الإنساني والأخلاقي، فإذا كان سبب إنشاء المحكمة الميدانية هي الحالة الاستثنائية زمن الحرب وللعسكريين فقط، فلماذا حكمت على الآلاف من المدنيين السوريين بوقت السلم، لم يكن هنالك حالة حرب فأي مبرر ومسوغ لتلك الإجراءات الظالمة.

كل الإجراءات التي تمت أمام المحكمة الميدانية مخالفة لأبسط القواعد الحقوقية والقانونية، يتحمل مرتكبوها المسؤولية الجنائية عن تلك الأفعال كونها جرائم ضد الإنسانية.

الجرائم ضد الإنسانية 

يعرف القانون الدولي الإنساني الجرائم ضد الإنسانية (الجرائم التي تمارس بحق الإنسان في المعتقلات والسجون بالإضافة لقتل المدنيين عمداً أو إبادتهم أو تهجيرهم أو النقل القسري أو الإبعاد وكل أفعال الاضطهاد والاغتصاب والعبودية الجنسية سواء ارتكبت هذه الأفعال أثناء الحرب أو قبلها). وفق هذا التعريف توصف أفعال وإجراءات المحكمة الميدانية، جرائم ضد الإنسانية لمخالفتها القواعد القانونية، وعدم اعتمادها في عملها على نص قانوني بل تخضع للحالة النفسية للقاضي الذي يختار من ذوي الشخصيات السادية التي تتلذذ بتعذيب الآخرين فيطلق أحكامه بشكل عشوائي وكيفي حيث ألغيت كل الأصول الإجرائية المتبعة أمام المحاكم العسكرية.

المحاكم الميدانية جرائم بحد ذاتها وأبعد ما تكون عن المحاكم ولو شكلياً وكل القائمين عليها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية ومن الجيد أن تلك الجرائم لا تسقط بمرور الزمن ولا يسري عليها التقادم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني