fbpx

المادة 508 الخاصة بزواج ضحايا العنف.. هل هي منصفة للمرأة؟

0 442

تنصّ المادة 508 من قانون العقوبات السوري على: “إذا عُقد زواجٌ صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل بين المُعتدى عليها لأوقفت الملاحقة، وإذا كان صدر حكمٌ في القضية عُلق تنفيذ العقاب الذي فُرض عليه”.

الجرائم التي تشملها هذه المادة هي جرائم الاغتصاب وإغواء القاصر المنصوص عليها في المواد من 489 إلى المادة 507.

إن تعرّض المرأة السورية لاعتداء يشمل الإغواء والاغتصاب الجنسي، لا ينبغي أن يتحول هذا الانتهاك الصريح بحق المرأة السورية إلى مكافأة المعتدي وإيقاف كل ملاحقة أو محاكمة بحقه، إذا تزوّج من ضحيته زواجاً صحيحاً.

وبدلاً من أن يقوم القانون السوري بدوره في حماية النساء والفتيات من الاعتداءات الجنسية، وملاحقة المعتدين، وتحقيق العدالة. نجد أن العديد من القوانين السارية المفعول، شكّلت سبباً للجريمة بدلاً من أن تضع حداً لها، هذا الفعل الشنيع منحه قانون العقوبات السوري فسحة الهروب من جريمته، فأخذت الجريمة هنا تبريراً قانونياً، أغفل أركان الجريمة، وانتقل إلى منع المحاكمة فيها باعتبارها انتهت بعقد الزواج.

المرأة أو الفتاة الضحيّة تجد نفسها أمام التعنيف، والنظر إليها على أنها سمحت بهتك شرفها، أما الحقيقة فهي ضحية عنف ذكوري، نال من مكانتها وكرامتها، ولهذا لا يجب مكافأة الجاني، بل معاقبته بما ينصّ عليه القانون.

في التشريع الجزائي السوري نجد نصوص قوانين لا مثيل لها في التشريع الفرنسي، علماً أنه المصدر، والسبب في ذلك أنهم أجروا عليه تعديلات عديدة، في حين بقي تشريعنا الجزائي على حاله.

في ذات الوقت، هذه النصوص تتعارض مع الدين، والأخلاق، ومنطق الأمور، والقانون ذاته.

لكنّ القانون السوري قال إن مرتكب الاغتصاب يُعاد إلى الملاحقة أو إلى تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة، وانقضاء خمس سنوات على الجناية، إذا انتهى الزواج إما بطلاق المرأة دون سبب مشروع، أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها.

وهنا ربما مّشرعنا أراد بهذا النص تشجيع الجاني والمجني عليها على ستر الجريمة وطيها، وذلك بالزواج وخلق أسرة منسجمة، أو الغاية كانت هي الحفاظ على الأخلاق والآداب المتعارف عليها في مجتمعنا الشرقي. المّشرع هنا قصر حكم النص على الجرائم المنصوص عليها في الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات، وهي جرائم الاغتصاب، والفحشاء، والخطف، والإغواء، والتهتك، وخرق حرمة الأماكن الخاصة بالنساء.

وحكم النص هنا يقتصر على الفاعل الأصلي، ولا يشمل المتدخل والشريك، فأمر وقف الملاحقة شخصي. وأيضاً نصّ المشرّع على أنه: “حتى يتم وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة، يجب أن يتمّ عقد زواج صحيح بين الطرفين، وأن يستمر لمدة خمس سنوات على الأقل، وذلك من تاريخ العقد، رغبةً من المشرّع في الحفاظ على المقصد من هذا النص.

ولا يمكن أن نقول بعودة الملاحقة أو تنفيذ العقوبة حتى وإن انتهى الزواج قبل انتهاء المدة التي نصّ عليها المشرّع، إذا تمّ التفريق بطلب من الزوجة، أو تم الاتفاق على المخالعة الرضائية بين الطرفين.

ونتساءل هنا، ماذا كان مقصد المشرّع السوري عندما نصّ على المادة 508؟..

من حيث المبدأ، من الممكن أن تكون اعتبارات المشرّع نبيلةً، لا يمكن الاعتراض عليها وهي سترُ الفضيحة وطي الواقعة.

لكننا نعود للتساؤل مرةً أخرى، فنقول ما فائدة هذا النص عندما يراعي هكذا اعتبارات في جريمة كجريمة الاغتصاب؟ فهل الزواج في مثل هذه الحالة يعتبر حلاً لدرء كلام الناس؟.

فالاعتداء قد تمّ، وعادات المجتمع ستبقى رافضةً له، وبالرغم من الزواج ستبقى هناك آثار لهذا الاعتداء، وسيبقى لها صدى يشار إليه بكل صراحة ووضوح، والزواج في هذه الحالة لا ينشئ أسرة سليمة، فالمعتدى عليها وأهلها أجبروا على الزواج والتضحية لستر الفضيحة، والمعتدي لم يتزوج المعتدى عليها إلّا للتخلص من المسؤولية الجزائية وليس حباً بها.

فكيف لزواج عقد بهذه الطريقة وبهذا الغرض أن يكون زواجاً سليما مطمئناً ومستقراً، والنتيجة حياة لا تُطاق، وآخرها الطلاق، ورأيي هذا ليس من باب المبالغة، فهناك حالات كثيرة بين زوجين في الحالات العادية، قد تصل الخلافات بينهم إلى حد الطلاق، فكيف لنا أن ننشئ أسرة سليمة بمثل هكذا زواج ليس له صفة الاستمرارية.

فالجاني وبعد أن ارتكب جريمته، يجد في نصوص القانون ما يزيل عنه المسؤولية بشكل نهائي، فبدلاً من أن ينال عقوبته بشكل كامل، يفضّل الزواج بمن اعتدى عليها لفترة قصيرة، يذيقها فيها أبشع أنواع العنف، وبالتالي فمثل هكذا نص يشكل ذريعة لمرتكب جريمة الاغتصاب، بدلاً من أن يكون رادعاً لمثل هكذا مجرمين، ويكون حلاً لهم للتخلص من المسؤولية والعقاب

وإن ما بُني على باطل فهو باطل، فكيف لنا أن نبرم عقد زواج يمهّد بدوره لبناء أسرةٍ يكون أساسها فعل الاغتصاب.

إن نصّ المادة 508 يعتبر كارثة من الناحية الحقوقية والقانونية، فلكل جريمة عقاب، أما في جريمة الاغتصاب لا بدّ من الاعتراف بانتصارٍ للعادات والتقاليد على حساب الدين والحق والعدل.

وبعد كل ما سبق، فإننا نطالب بضرورة الاستفادة من شرائع أكثر عدلاً، وأن يتم تعديل نص المادة رقم 508 لينال الجاني جزاء جريمته، حتى يكون رادعاً له ولغيره.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني