الكرة في ملعب الطائفة
إلى أي مدى ستتخلى الطائفة عن النظام اليوم لتنجو بنفسها وأبنائها؟
ولماذا توقف القتال على أطراف مدينة حماة؟
هذه الأسئلة تحتاج إلى الكثير من السرد في سياق الحكاية السورية. ومنذ استلاب السلطة من قبل الجنرال الديكتاتور حافظ الأسد، مروراً بأحداث حماة المفصلية، ثم انطلاقة الثورة، وصولاً لما يحدث الآن من تقدم شامل لقوات المعارضة المهاجمة في المدن الواقعة تحت سلطة ميليشيات الأسد تحديداً، والهزيمة النكراء لقوات النظام التي فضّلت الهرب على القتال.
في الساعات والأيام القادمة، ربما ستقع المواجهة مع المدن والقرى العلوية في أرياف حماة وحمص فهل تعلّمت هذه الحاضنة الدرس؟
وهل تعي أن الظرف المحلي والإقليمي والدولي قد تغيّر عن السنوات السابقة، وأن هذا النظام يتهاوى ولامجال لإنقاذه اليوم؟.
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في شكل التطمينات التي ستصل لحاضنة النظام من قبل الفصائل العسكرية المقاتلة، هذه التطمينات لم تصل بعد، لا عن طريق الإعلام المعارض ولا عن طريق البيانات الصادرة عن الفصائل العسكرية.
ربما لأن هذه المواجهة لم تحصل بعد، لكنها قاب قوسين أو أدنى حول مدينة حماة التي توقّف القتال على تخومها.
بالعودة بالذاكرة لسنوات خلت، حصراً في الثمانينات، شهدت مدينة حماة أحداثاً دامية ومجزرة كبيرة ارتكبتها قوات النظام، وعلى رأسها سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد، الأرقام تتحدث عن 40 ألف شهيد قضوا في هذه المجزرة الرهيبة.
طبعاً، كانت (انتفاضة حموية) بالمعنى الثوري والعقائدي يقودها (الإخوان المسلمون)، وهذا ما ركّز عليه إعلام السلطة آنذاك!!
لكنها في حقيقة الأمر (وأنا ممن واكب أحداثها) كانت ثورة شعبية بحق، لكنها سبقت أوانها ولم تقرأ الظرف والتوقيت الذي تمر به سورية، والدعم الدولي لنظام الأسد بعد أن قدم تعهداً كاملاً بحماية إسرائيل، ومنع أي هجمات محتملة، ترافق ذلك بتصفية الفصائل الفلسطينية في لبنان!
كما أن الحمويين عوّلوا حينها على انتفاضة المدن الأخرى، لكنها جاءت خجولة وضعيفة وتم الاستفراد بها وقمعها.
الواقع الجديد الذي فرضته هذه الأحداث آنذاك، جعلت النظام يتبع أسلوباً مغايراً تماماً.
لأول مرة شعر الأسد أن سلطته مهددة بشكل فعلي، وان مدينة واحدة هزّت كيانه، فكيف إذا انتفضت مدن أخرى وساندت الحمويين!!
فلجأ الى سياسة جديدة تحت عنوان (علونة المدن القريبة والتي تعتبر بوابة الساحل الحيوية للداخل السوري)، وأقصد حماة وحمص، وكذلك التركيز الكلّي على إطباق الطائفة على المدن الثلاث وتم ذلك على محورين:
الأول: استحداث مئات الجمعيات السكنية بمحيط دمشق وحمص وحماه، واستقدام العوائل من قرى الساحل والتي كانت تعاني من الفقر وسوء التنمية (الممنهج)، وهذا نتاج سياسة اتبعها النظام منذ تأسيسه، لجرّ الطائفة إلى الجيش والأمن.
الثاني: الإطباق الكامل على هذه المحافظات الثلاث اقتصادياً وأمنياً، واحتلال المؤسسات والدوائر الحكومية من قبل الطائفة بشكلٍ فجٍ ووقحٍ. وتفاقم أكثر بعد خطف السلطة من قبل بشار الأسد، خلافاً لأبيه والذي كان حريصاً على خلق بعض التوازنات وإعطاء حصص للمحافظات والطوائف والمكونات المختلفة، متحصّناً بحالة الرعب الذي خلفته المجزرة المروعة التي ارتكبتها قواته في حماة وبعض المدن السورية.
ومنذ انطلاقة الثورة السورية، زجّ النظام أبناء الطائفة في حربه ضد السوريين، مسخّراً ماكينته الإعلامية لإقناعهم بقتال الإرهاب، وأنهم يدافعون عن أنفسهم قبل الفتك بهم من قبل هذه الفصائل، وربما ساهمنا بشكلٍ جزئي وغبي بتكريس هذه الدعاية!!
الطائفة بالمقابل دفعت أثماناً باهظة من خيرة أبنائها!!
عام 2020 قالت لي صديقة من قرية الشراشير (ريف جبلة) إن الأعداد تجاوزت ربع مليون شاب، وربما اليوم تجاوز العدد ثلاثمائة!
إذاً، لهذه الأسباب باعتقادي، توقفت الأعمال القتالية على أطراف مدينة حماة، والنظام يحشد أبناء الطائفة وبقايا كتائبه التي هربت من القطعات العسكرية بحلب، بعد نقل العتاد والذخيرة منها ومن معامل الدفاع التي تعتبر (خزاناً استراتيجياً للذخيرة داعماً للنظام) على مدى سنوات الثورة.
وأفترض أنه سيتكرر المشهد في مدن حمص ودمشق!!
من يرسل التطمينات للحاضنة الشعبية للنظام لطمئنتها ولتحييدها؟ وكيف؟
هذا السؤال مفصلي في هذه اللحظات الفارقة من عمر الثورة والانتصارات المضمخة بدم الشهداء وعزيمة الأحرار.
أرى أن يأخذ هذا الأمر مكانته وأهميته في عقل وقلب كل سوري يحلم بسورية جديدة ولكل أبنائها، وأن نعتمد خطاباً سورياً وطنياً يوصل رسائل الطمأنينة لكل الأطياف السورية على تراب هذا الوطن.