fbpx

الكبتاغون مقابل السلام

0 196

يقول المثل العربيّ “أن تأتي متأخراً خير من ألّا تأتي” ويُضرب هذا المثل على من يأتي متأخراً وينجح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبمنطق المخالفة يمكن القول “ألّا تأتي خيرٌ من أن تأتي” عندما لا يُقدّم حضورك شيئاً ولا يؤخِّر، و”الخيرُ كلّهُ في ألّا تأتي أبداً” عندما يأتي الشرّ معك.

لقد تقدّم العرب بثلاث مبادرات للحلّ في سورية ما بين عامي 2011 و2012 التي انتهت بالمبادرة العربية الثالثة التي أعلنها المجلس الوزاري العربي يوم الأحد 22 كانون الثاني 2012، في اختتام اجتماعاته بالقاهرة، لتعبر عن الموقف العربي الرسمي من الثورة السورية، حيث دعت إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين، تشارك فيها الحكومة الحالية وقوى المعارضة السورية، وتترأسها شخصية متفق عليها. ونصت المبادرة على أن تكون مهمة هذه الحكومة تطبيق بنود خطة الجامعة العربية السابقة، والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون وبإشراف عربي ودولي، كما طالبت بأن يفوض بشار الأسد، نائبه الأول فاروق الشرع، بصلاحيات كاملة للتعاون التام مع حكومة الوفاق الوطني وتمكينها من أداء واجباتها، في إشارة إلى وجوب تخلّيه عن مسؤولياته التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية، وأكدت المبادرة على أن تقوم الحكومة السورية بالإفراج عن المعتقلين وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات الجامعة ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في سورية. والاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور من أحداث.

وكان رد فعل نظام أسد الطائفيّ عليها برفضه القرارات الصادرة عن مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، خارج إطار خطة العمل العربية والبروتوكول الموقَّع مع الجامعة العربية، واعتبرها انتهاكاً لسيادته الوطنية، وتدخلاً سافراً في شؤونه الداخلية، وخرقاً فاضحاً للأهداف التي أُنشئت الجامعة العربية من أجلها وللمادة الثامنة من ميثاقها”. ولم يكتفِ بذلك بل اتّهم الجامعة العربيّة وقرارتها بأنّها شريكة في الخطة التآمرية الموجهة ضد سورية، ومن ثم إعلان براءته من العرب والعروبة، وكرد فعلٍ على هذه المبادرة والتدخّل العربي استقدم الحرس الثوري الإيران والميليشيات التابعة له، كما قام بتجنيد المرتزقة الطائفيّين وتشكيل ميليشيات طائفيّة للقتال ضد الشعب العربي السوري، ومن ثم استقدام الروس ومرتزقتهم، ليتوارى العرب عن المشهد السوريّ لأكثر من عشرِ سنوات حتى الأسابيع الماضيّة، ليعاودوا الظهور في المشهد السوريّ في صفقة تسويات بينهم وبين النظام الإيراني ليطلقوا مبادرتهم للتطبيع من نظام أسد الطائفي ذراع النظام الإيراني القذر في إطار تلك الصفقة، بعد أن فقد السوريون أكثر من مليون شهيد من العرب السنّة واعتقال وإخفاء أكثر من نصف مليون وتهجير وتشريد 12 مليون وتدمير المدن والقرى والحواضر السنيّة واحتلال ايران لأكثر من ثلث سورية احتلالا فعلياً وبمقتضى اتفاقيّات ثنائية مع بشار أسد الذي مكّن للنظام الإيراني استكمال مشروع ” الهلال الشيعي ” الممتدّ من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط.

عاد العرب وجلّ همّهم تلافي خطر انتشار المخدرات التي أغرق نظام أسد أسواقهم الكبتاغون وفتح باب المساومات والابتزاز فيما بينهم ليكون أساس المبادرة العربيّة الجديدة للسلام في سورية “الكبتاغون مقابل السلام” هذا السلام الذي يتطلب الشراكة العربيّة مع نظام أسد المنتج والمُصدِّر الحصري للكبتاغون ومع سيده القابع في طهران، والتحالف فيما بينهم للقضاء على الإرهاب ووقف دعم المعارضة وتعويض النظام عن خسائره بفعل التآمر العربي، ودفع نفقات مشاريع إعادة الإعمار والتعافي المبكِّر، وعدم التدخّل في شؤونه الداخليّ، إنّ مدخِل هذه المبادرة يُعتبر عدواناً على الشعب السوريّ ونقضاً للمواقف الرسميّة العربيّة السابقة، وافتِئاتاً على حق الشعوب العربيّة في دعم قضاياها الأساسيّة، كونها ربطت قضيّة الشعب السوري بجريمة “مُنظّمة” يرتكبها نظام أسد وساومت هذا النظام على دعمه في القضاء على الثورة السوريّة مقابل وقف نشاطه الإجرامي في تصدير الكبتاغون لبلادهم، أي أنّها ربطت قضايا “جنائيّة” بقضايا سياسيّة ليس لها الحقّ في التدخّل بها أو المساومة عليها، فالقضاء على المخدرات تحكمه عدّة اتفاقيات وبروتوكولات دوليّة، ومكافحة الجريمة المنظّمة تحكمها اتفاقيات وتفاهمات دوليّة وإقليمية، وكان آخرها قانون ” الكبتاغون” الأمريكي وهي قضايا تأتي في سياق التعاون الدولي لمكافحة المخدرات والجريمة المُنظّمة وليست أوراقاً للابتزاز السياسي.

 المبادرات العربية مع نظام أسد الطائفي تذكِّرنا بالمبادرة العربيّة للسلام مع إسرائيل والتي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام، والتي رفضتها إسرائيل وما زالت، ورغم ذلك يتم إعادة التأكيد عليها من قِبلهم في كل قِمةٍ عربيةٍ، ويتجدّد الرفض الإسرائيلي إلى أن أجبرت الدول العربيّة على التطبيع مع الكيان الصهيونيّ بلا مقابل، فلاهم حصّلوا الأرض ولاهم حصّلوا السلام، والتي لن يحصلوا منها لا على وقف تصدير الكبتاغون ولا تحقيق السلام في سورية والمنطقة، بل سيقوم نظام أسد بابتزازهم على الدوام لضمان هزيمتهم أمام مشروع نظام الملالي في إيران.

النظام السوريّ يتعامل مع العرب والعروبة كأعداء حقيقيّين له، وهو الذي حسم أمره من العرب والعروبة منذ بداية الحرب العراقيّة الإيرانيّة الأولى التي كان طرفاً أساسيّاً فيها مع العدوّ الإيراني ضد العراق والعرب الذين كانوا في الطرف الآخر منها وأعاد تأكيده على لسان بشار أسد باستمرار منذ بداية الثورة حتى الأمس أثناء استقباله سيدّ الإيراني في دمشق.

العرب في مبادرتهم الأخيرة أعلنوا استسلامهم للمشروع الفارسي الصفويّ التوسعيّ وأعلنوا رضوخهم لأوامر الملالي بوجوب نسيان سوريّة والشعب السوري وشطبهما من لائحة العروبة، ووجوب اعلان تنازلهم عنهما لصالح المشروع الإيراني والاعتراف باستكمال مشروع “الهلال الشيعي”.

العرب للأسف اختصروا القضيّة السوريّة بالكبتاغون وسبل وقف خطره على مجتمعاتهم، وتناسوا أن القضيّة السوريّة قضيّة وجود للعرب السنّة، وعروبة سوريّة، والأمن القومي العربيّ، وتجاهلوا انتقال دمشق من قلب العروبة النابض إلى قلب الفرس النابض، واستكمال هلالهم الشيعي على حساب البدر السنيّ، وفرّطوا بدماء وأعراض وأموال العرب السنّة في سورية.

النظام العربيّ الرسمي تحوّل إلى عبءٍ إضافي على العرب السنّة في سوريّة فلم يتوقّف الأمر عند تخاذله وحسب، وإنما تجاوز إلى إعادة شرعنة نظام الإبادة الأسدي الإيراني، وإعادة إنتاجه وتأهيله رغم تحذيرات الدول الغربيّة والتي لا يقل خطر تواطؤها معه ومع النظام الإيراني علينا، فقضيتنا لم تعد قضية خلاف سياسي أو خلاف على السلطة، إنما هي قضيّة وجود، فالتطبيع العربي معه قبل انسحاب الحرس الثوري الإيراني المحتّل والميليشيات التابعة له، وانسحاب القوات الروسية المحتلة والمرتزقة التابعة لها، وحلّ الميليشيات الطائفيّة، وحلّ قوات قسد الانفصالية، وانسحاب القوات الأمريكيّة الداعمة لمشروع قسد الانفصالي يؤكّد نورّط العرب في مشروع القضاء على الثورة السوريّة، وتفريطهم بوحدة الشعب والأراضي السوريّة.

إنّ إعادة نظام أسد الطائفي إلى الجامعة العربيّة ممثلاً للدولة السوريّة يعتبر انتهاكاً صارخاً لحق الشعب السوريّ في تقرير مصيره، كما أنه يتناقض مع قرارات الجامعة العربيّة السابقة ذات الصِلة بتمثيل الدولة السوريّة في الجامعة.

يروى أنّ سيدنا زين العابدين علي بن الحسين “رضي الله تعالى عنهما” أوصى ابنه أبو جعفر محمد بن علي الباقر بخمسٍ فقال: لا تصحبنّ خمسة، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق.

قال: لا تصحبن فاسقاً، فإنه بايُعك بأكلة فما دونها، قلت: يا أبه وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها.

وقال: لا تصحبن البخيل، فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه.

وقال: لا تصحبن كذاباً فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد.

وقال: لا تصحبن أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.

وقال: لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله تعالى في ثلاثة مواضع”.

وأنّي أراها مجتمعةً في النظام العربيّ الرسميّ فهو نظامٌ “فاسقٌ بخيلٌ كذّابٌ أحمقٌ قاطعُ رحم”، فاسق بأنّه باع العرب والعروبة باع فلسطين لإسرائيل وباع العراق واليمن ولبنان وسوريّة للنظام الإيراني، وهو نظامٌ بخيل ينهب ثروات العرب ويضعها في بنوك الغرب والشرق وحرمان الشعوب منها وينفق منها على الحروب التي تستهدف كيان العروبة والإسلام في كل مكان، وهو نظامٌ كذّاب مُتذِبذبٌ لا يستقر على موقف وهو أقرب لأعداء العرب والعروبة، وهو نظامٌ أحمق لا يؤخذ منه رأي لأنه نظامٌ تبعي وظيفيّ، وهو قاطعٌ لروابط العروبة بين الشعب العربيّ الواحد بمنعه سبل التعاطف والتعاضد بين أبناء الأمة.

خلاصة القول: لا يجد المرء صعوبة في استخلاص نتائج المواقف العربيّة المُتخاذلة والانهزامية، إذ يكفينا استعراض المبادرات العربيّة الخاصّة بسورية ما بين عاميّ 2011 و2012 وما تحقّق منها ومقارنتها بالمبادرة الأخيرة وما نتج عنها من تطبيع مجّاني مع نظام أسد وتسليمه مقعد الدولة السوريّة في الجامعة العربيّة، والفرق الشاسع بين مضمون كُلاً منهما، والتفريط بحقوق الشعب السوريّ، الأمر الذي يمكّننا من القول: بأنّ بئس العودة عودة العرب للتدخّل في الشأن السوري فبدل أن يكون تدخلّهم لإنقاذ ما يًمكن إنقاذه من العرب السّنة، جاء لتحقيق أهداف مصلحيّة، يمكن تحقيقها بزوال نظام أسد من سورية الذي اقترب من نهايته والذي بزواله تنتهي كل الشرور والمخاطر التي تُهدد العرب والعروبة وتحصين الأمن القومي العربي، وقاموا بدلاً من ذلك بإنقاذ “وقواق قُمّ” الذي لن تستقر بوجوده لا سوريّة ولا الأمّة العربيّة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني