fbpx

الكاتب أحمد برقاوي يناقش “الأنا والذات” في “المقهى الثقافي”

0 69

حلّ الأكاديمي والكاتب أحمد برقاوي، الخميس 4/2/2021، ضيفاً على برنامج “المقهى الثقافي” التابع لمركز حرمون للدراسات المعاصرة والذي يُشرف عليه ويديره بدر الدين عرودكي.

ناقشت الحلقة التي حملت عنوان “من الأنا إلى الذات“، كتب المفكر الفلسطيني السوري أحمد برقاوي الفلسفية، مثل “الأنا” و“أنطولوجيا الذات”، و“كوميديا الوجود الإنساني”، وصولاً إلى كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان “أطياف فلسفية”، والتي تعالج مفاهيماً فلسفية محضة، إلا أنها وهي تطرحها بياناً وتبييناً في أصولها الفلسفية والمعرفية تعمل في الوقت نفسه على دراسة مختلف تجلياتها في فضاءات الواقع المادي، الثقافية والسياسية والاجتماعية.

بدأت الحلقة بالحديث عن “الأنا” التي استعرض الضيف أمثلة عن وجودها في التراث العربي، في مقدمة كتابه “الأنا”، وعن غياب تلك “الأنا” منذ قرون من مجتمعاتنا العربية. وفي معرض الحديث عن دوافعه لتأليف هذا الكتاب، تحدث برقاوي عن مروره بمرحلة فلسفية إيديولوجية، وعن الماركسية التي كانت تُفسد الوعي الفلسفي الصرف، وكيف أدى ذلك إلى اختلاط الوعي الفلسفي بالوعي الإيديولوجي لديه، مشيراً إلى أن الموضوعات التي كان يتناولها في كتبه ركزت على الهم العربي، مثل كتابه الأول “العرب وإيديولوجيا التاريخ” الذي تساءل فيه عن سبب انهزام الإيديولوجيا أمام التاريخ، وأعقبه بكتاب آخر حمل عنوان “دفاعاً عن الأمة والمستقبل”، وثالث بعنوان “أسرى الوهم” وهو حوار مع عدد من المفكرين العرب.

أما كتاب “العرب وعودة الفلسفة” فكان بمثابة محطة سمحت للكاتب بتشكيل الوعي الفلسفي الخاص به، إزاء المشكلة الأهم ذات الطابع الفلسفي الوجودي وهي أنه أمام مجتمع تغيب فيه “الأنا”. وذكر البرقاوي أن هذا الكتاب كان بداية القطيعة مع المرحلة الفلسفية الإيديولوجية التي عاشها، وبدأ بعد ذلك بالعمل على تأليف كتاب “الأنا” الذي استغرق تأليفه عامين، وقرر أن يكتبه انطلاقاً من وعيه الذاتي وخبرته الفلسفية. واعتبر برقاوي أن كتاب “الأنا” كان مفاجئة للوسط الثقافي والمثقفين العرب، لأنها المرة الأولى التي يصدر فيها كتاباً باللغة العربية، خارقاً الوعي العام المرذول بـ “الأنا”، لافتاً إلى أن تحديد “الأنا” كان مسألة صعبة بالنسبة له، وأنه أسس لهذا المفهوم بوصفه مفهوماً أنطولوجياً ولي سيكولوجياً، وبأنه أداة تميّز وحضور.

في السياق ذاته، طرحت الحلقة تساؤلات عدة منها: هل “الأنا” كائن موجود بحد ذاته؟ وهل يمكن لـ “الأنا” أن يوجد دون اعتراف الآخر به؟ وحول ذلك، ذكر برقاوي أن هناك “الأنا” الذي يعي ذاته بوصفه مشروع دائم يتحقق بالإرادة، وبالتالي هو مستقل، وهناك “الأنا” الذي ليس لديه وعي بذاته وليس لديه مشروع، فهو أشبه بالشيء. وأضاف: “لقد حطمتُ فكرة “الأنا” السوي المحمود، التي تعني الشخص العادي بالوعي المجتمعي، لكن “الأنا” اللاسوي هو الأنا المبدع الخالق لذاته والخارج عن القطيع، لأن الـ “نحن” هي من تلغي “الأنا” عندما تنظر له بوصفه خانة ضمن القطيع، وبالتالي كيف يمكن أن نبدع في الحياة إذا كان البشر قطيعاً؟”.

وأوضح برقاوي أن حضور “الأنا” يتحقق عندما يتم الاعتراف بـ “الأنا” من قبل “الآخر” واعتراف “الأنا” بـ “الآخر” بوصفه “أنا”، لأن عدم الاعتراف “الآخر” بـ “الأنا” يعني أنه عدوانياً اتجاه كل من يعلن “الأنا” كأداة للتميز والحضور، ووفقاً لذلك، رأى برقاوي أن السوي هو الشخص الذي أخذ اعترافاً بأنه جزء من القطيع بعاداته وتقاليده وقيمه.

كما تحدث برقاوي عن علاقة “الأنا” بالنظام المتعالي السلطوي القامع لـ “الأنا”، وأضح أن النظام المتعالي يتمثل بالدين الذي يفرض على “الأنا” أن تكون على النحو الذي يريده هو، وبالإيديولوجيا السارقة لـ “الأنا”، والسلطة السياسية الديكتاتورية القمعية، وبخطاب الجنس وخطاب المرأة، مؤكداً أنه إذا لم تدرك” الأنا” خطورة النظام المتعالي وسعت للتحرر من سلطته وبناء سلطة “الأنا”، فإنها لن تكون “أنا” حتى ولو بدت ذلك بشكل ظاهري. وأضاف أن خطورة النظام المتعالي تكمن في أنه يشطر “الأنا” إلى شطرين، شطر حقيقي خفي وشطر ظاهري كاذب، لذلك، فإن التمرد على النظام المتعالي يكون بخروج “الأنا” على حقيقتها والتحرر مما يسلبها حرية ظهورها.

وفي إجابة عن سؤال حول السبل التي تجعل النهوض بـ “الأنا” نهوضاً جماعياً، قال برقاوي إنه كلما طرحنا “الأنا” الحر في إطار التناقضات التي طرحتها في الكتاب، كلما خلقنا الوعي القادر على التحول إلى سلوك، لأن الوعي شرط أساسي في التحرر، وهذا الوعي قد يجد طريقه للحياة، فنحن لم يقدّر لنا بعد كما تقدّر لأوروبا وجود طبقة تكسر رأس التاريخ، لكن حجم الهدم الذي حدث يُنذر بالجديد، لافتاً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت “الأنا” على حقيقتها وكشفت المكبوت الإرادي.

ووصف برقاوي “الأنا” المتمرد بأنه “الأنا” الموجود حقيقة، لأنه لا يرضى عن عالمه وتحرر من أسر العالم، مبيّناً أن التمرد ضمن هذا السياق هو أن يكون الإنسان ابن المستقبل وليس ابن الحاضر والماضي. وأشار برقاوي إلى تأثره بمفهوم التمرد الميتافيزيقي للفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، واستخدمه للتعبير عن التمرد على الوضع العام وليس على حالة معينة، كالتمرد على البؤس العالمي والاستبداد والأفكار الصنمية. كما ربط برقاوي بين التمرد والنبل “الأنا النبيل،” وأكد على أن المتمرد لا يمكن أن يسلك طريق تمرده إلا إذا كان نبيلاً، وأن “الأنوات النبيلة” هي رموز تاريخية للوجود الحقيقي.

وعقب ذلك، ناقشت الحلقة كتاب “أنطولوجيا الذات” بوصفه استكمالاً لـ “الأنا” التي تنتقل إلى الفعل وتصبح ذاتاً تريد أن تظهر وتتعيّن، وذكر برقاوي أن “الأنوات” التي لديها شهوة الحضور في هذا العالم، ليست متساوية لا في شهوة الحضور ولا في إمكانيات الحضور وطبيعته، وأن أشكال شهوة الحضور مرتبطة بالوعي الذاتي لذاتها، وتكمن المشكلة التي نعاني منها في وجود شهوة الحضور لدى أشخاص ليس لديهم إمكانيات الحضور، وهذا يندرج ضمن “كوميديا الوجود الإنساني” على حد تعبيره.

وتناول الحوار العلاقة بين الذات والموضوع وفقاً لما جاء في مقدمة كتاب ” أنطولوجيا الذات”، الذي جاء فيها أن انتصار الذات يتحقق عندما تنفصل عن الموضوع، وأشار برقاوي إلى أن تحول الذات إلى موضوع يجعل منها أداة، ويجعل الآخر ينظر لها بوصفها موضوعاً، وبالتالي الذات بوصفها فعلاً حراً إرادياً، تحررت من كونها موضوعاً في أعين الآخر، وتحررت من أن تكون أسيرة للموضوع. وأضاف برقاوي أننا لم نحقق بعد مركزية الذات التي انتقل إليها الغرب، وأن الذات لم تولد بعد لكي تموت، وبالتالي الآخر الذي هو “الأنا” لم يعد موضوع.

واختتم النقاش باستعراض أشكال ظهور الذات كما أوردها برقاوي في فصول كتابه، مثل “الذات المترجِمة والذات المترجَمة”، وهي شبح الذات الحقيقية، وبالتالي هي لم تصنع ذاتَها بذاتِها، بل هي صناعة ذاتٍ أخرى، وأيضاً “جدل السيد والعبد داخل الذات” حيث رأى برقاوي أن داخل الذات الواحدة هناك جدل العبد والسيد، لأن العبد هو سيد بالنسبة لمن هم أدنى منه، وأن كل ذات لديها نزعة للخضوع، وبالتالي هي تمتلك شيئاً من العبودية، وبالمقابل لديها شهوة الحضور، وأخيراً “الذات والبيت” والعلاقة القديمة التي تربط “الذات” بالبيت منذ أن سكن الإنسان الكهوف، واعتبر برقاوي أن هذه العلاقة هي أحد أشكال تحرر الذات من النظام المتعالي.

أحمد برقاوي: فلسطيني – سوري، فيلسوف وأستاذ جامعي وكاتب وشاعر، ولد وعاش بدمشق ودرّس في جامعتها، وكان رئيساً لقسم الفلسفة فيها. كان في معظم ما كتبه ونشره في سورية ما قبل الثورة متجاوزاً الخطوط الحمر، ووقف نصيراً للثورة السورية التي انطلقت عام 2011، واضطر إلى مغادرة سورية إلى الإمارات العربية المتحدة حيث لا يزال يقيم فيها باحثاً وكاتباً، وتابع في المنفى البحث والكتابة والتأمّل والإبداع في مختلف قضايا الفلسفة والمجتمع والفكر السياسي ناشراً في مختلف المجلات الثقافية والصحف اليومية، فضلاً على الكتب العديدة التي صدرت له.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني