fbpx

القرار 2254.. طريق في انتظار إرادة دولية

0 271

حين أجمع مجلس الأمن الدولي في جلسته، بتاريخ الثامن عشر من كانون أول/ديسمبر عام 2015 على القرار 2254، كان يريد نقل التفاهمات الأمريكية – الروسية التي حدثت منذ مؤتمر جنيف1 وبيانه الصادر في العام 2012 إضافة الى بياني مؤتمري فيينا الأول والثاني في أواخر العام 2015 من حيّز التفاهم إلى حيّز التطبيق العملي.

القرار الدولي المذكور دعى الأمم المتحدة لتيسير عملية سياسية تفاوضية في جنيف بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة ودعاهما إلى الوصول لحل عبر مفاوضات رسمية بشأن عملية الانتقال السياسي، عبر الإقرار بدور الفريق الدولي باعتباره الدور الرئيسي لتيسير الجهود، معرباً عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة.

لكن المبعوث الدولي دي مستورا الذي ارتأى تقسيم القرار إلى سلال أربع، والتركيز على السلة الدستورية، باعتبارها مفتاح العملية السياسية لتنفيذ كأمل القرار 2254، لم يُشر إلى أهمية وضرورة تزامن التفاوض حول كل السلال، في خطوة جعلت من السلة الدستورية ذات اهتمام دولي واقليمي عالٍ، باعتبار أن أي حكم سياسي، لا بدّ أن يبرر حكمه عبر نص دستوري، وهذا الدستور يؤدي الى انتخابات جديدة في بيئة آمنة ومحايدة وتحت اشراف الأمم المتحدة والانتقال السياسي الى نظام حكم جديد، هذا التفاهم الأمريكي الروسي تم التوصل اليه على هامش حضور الرئيسين ترامب وبوتين لقمة “آبيك” في مدينة دا نانغ في فيتنام بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، حيث إصدارا بياناً خاصاً بسوريا عند انتهائها.

ربما الأمر يتعلق باعتقاد أن الاهتمام بالسلة الدستورية اولاً سيسهل فتح باب الحل السياسي، لهذا تم الاتفاق لاحقاً على تأسيس لجنة دستورية سورية بين حكومة النظام السوري وهيئة المفاوضات السورية المعارضة، على حزمة اتفاق بشأن الاختصاصات وقواعد الإجراءات السياسية، التي أعلن عنها أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول عام 2019، حيث قال الأمين العام في حينها:

“أعتقد اعتقاداً راسخاً، أن إطلاق اللجنة الدستورية بقيادة وملكية سورية، يمكن ويجب أن يكون بداية المسار السياسي، للخروج من الأزمة، نحو حلٍ يتماشى مع القرار 2254، الذي يلبي المتطلبات المشروعة لجميع السوريين، ويستند إلى التزام قوي بسيادة البلد واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه”.

لكن النظام السوري، ومن خلفه حليفيه الروسي والإيراني لم يتمكنوا من أن تشكل اللجنة وفق ما يتمنونه، بالتالي كانوا يعملون على تعطيل مفاوضات جنيف برمتها، وتحديداً السلة الدستورية، التي عقدت لجنتها المكونة من ثلاث أطراف سورية (المعارضة والنظام والمجتمع المدني) ستة اجتماعات ما بين تشرين أول عام 2019 وحتى تشرين أول 2021، دون أي تقدمٍ ملموس بموضوع صياغة المبادئ الأساسية للدستور الجديد.

وباعتبار أن اللجنة الدستورية السورية هي نافذة وحيدة في هذه المرحلة للتقدم نحو إيجاد حلٍ سياسي، كانت الفكرة لدى أطراف مهتمة بمسألة تحقيق اتفاق ينهي الصراع السوري، تتلخص بضرورة إحداث اختراق، يتمثل بقبول النظام السوري المشاركة بأعمال هذه اللجنة.

إن حضور النظام لجلسات اللجنة الدستورية ليس حضوراً كيفيّاً، فهو (أي النظام) وافق رسمياً عبر حكومته على وثيقة مع المعارضة لتشكيل اللجنة الدستورية تم التوصل اليها بتيسير من الأمم المتحدة، وبذلك، فموافقته الرسمية يعني قبوله بالتفاوض مع طرف ندٍ له هو قوى الثورة والمعارضة السورية، بقيادة هيئة التفاوض التي تمثل الطيف السياسي السوري المعارض.

وباعتبار أن من مهمة اللجنة الدستورية السورية هي صياغة الإصلاح الدستوري المتمثل بصياغة مسودة دستور سوري جديد، فهي إذاً ذات ولاية وتكليف رسمي من الأمم المتحدة باتفاق الأطراف السورية بموجب القرار 2254، تجاوزت به نصوص دستور 2012 للنظام الذي ينص على ان تعديل الدستور يتم بطلب من ثلث أعضاء مجلس الشعب.

إن ولاية اللجنة الدستورية تقوم في سياق مسار جنيف الميسر من قبل هيئة الأمم المتحدة، وينص على إعداد وصياغة إصلاح دستوري يُطرح للموافقة العامة، وهذا يساهم في العملية السياسية وفي تطبيق القرار 2254.

يقول الدكتور يحي العريضي: “إن ولاية اللجنة الدستورية هي ما نصّت عليه القواعد الإجرائية الناظمة لعمل اللجنة، حيث نصت مادتها السابعة “تقوم اللجنة الدستورية، في سياق مسار جنيف الميسر من طرف الأمم المتحدة، بإعداد وصياغة إصلاح دســتوري يطرح للموافقة العمومية، كإســهام في التســوية السياسية في ســوريا وفي تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 (2015). ويقوم الاصلاح الدســــتوري من بين أمور أخرى بتجســــيد المبادئ الاثني عشرة الحية السورية – السورية الأساسية نصاً وروحاً في الدستور السوري والممارسات الدستورية السورية. وفي مادتها الثامنة ضمن ولاية اللجنة

 نصت بشكل واضح أن للجنة الحق في صياغة دستور جديد لسوريا ومراجعة التجارب الدستورية السورية كافة والاستفادة منها”.

ويضيف العريضي: “إن اللجنة الدستورية وقواعدها الإجرائية تعتبر أول اتفاق سياسي بين المعارضة السورية ممثلة بهيئة التفاوض السورية لقوى الثورة والمعارضة من جهة، ونظام الأسد ممثلاً بوزارة الخارجية من جهة ثانية، عبر المبعوث الدولي الخاص بسوريا”.

باعتبار أن الأمم المتحدة أصدرت من مجلس أمنها القرار 2254، المتضمن صياغة دستور جديد، ووافقت الاطراف السورية على آليات صياغته ووضعته بولاية اللجنة الدستورية باتفاق رسمي اودع لدى مجلس الأمن كوثيقة من وثائقه، فهذا يعني أن حكومة النظام (الشاغل حالياً لكرسي الدولة السورية في الأمم المتحدة) وافقت على تشكيل ما يمكن اعتباره لجنة او جمعية تأسيسية تيسر اعمالها الامم المتحدة، رشحت حكومة النظام ثلث أعضاءها فقط ، ورشحت هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة ثلثهم الاخر وتم اختيار الثلث الثالث من منظمات المجتمع المدني، كل ما يلزم هذه اللجنة لإنجاز مهمتها هو توصل المجتمع الدولي بأطرافه المتعددة إلى توافقات لإنفاذ الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 وهو أمر يُحدث رعباً عميقاً لدى النظام الأسدي.

يقول الناشط الحقوقي المعارض إبراهيم ملكي في أمر الولاية الدستورية: “من أين تستمد شرعيتها وسلطتها وصلاحياتها (ولاية السلطة التشريعية هي صياغة وبناء دستور جديد).

ويعتقد ملكي: أن الهدف الأبرز هو ولاية اللجنة على الإدارة العامة في الدولة، وإقصاء الأجهزة الأمنية والجيش، وذلك بإبعادهم عن التدخل في الشؤون العامة وفي السياسة وفي عمل السلطات الثلاث.

ولكن ملكي ينتقل إلى فكرة أخرى حول كتابة دستور جديد، فبرأيه أن كتابة دستور جديد لأي دولة يقتضي تشكيل هيئة تأسيسية منبثقة عن الشعب، وتستمد شرعيتها منه.

لكن بالواقع وكون هذه اللجنة هي لجنة غير منتخبة من الشعب وتستمد شرعيتها من قرار مجلس الأمن 2254 ومن اتفاق الاطراف السورية على تشكيلها بتيسير من الامم المتحدة، يتوجب عرض مشروع الدستور الجديد على الشعب عبر استفتاء عمومي ويعتبر ذلك الاستفتاء تأسيسي وهو الذي يمنح الدستور شرعيته. هذا ويعتبر اسلوب الاستفتاء التأسيسي من الاساليب الديمقراطية في نشأة الدساتير نظراً لمباشرة الشعب سيادته الدستورية بشكل مباشر. حيث ان موافقة الشعب على مشروع الدستور تضفي خصوصية معينة حول هذا الدستور لكونها تجعله القانون الذي تتمثل فيه الارادة الشعبية فبهذا الاسلوب تتاح الفرصة للشعب ليعبر عن قبوله أو رفضه لمشروع الدستور.

ولقد صدرت عدة دساتير عن طريق الاستفتاء التأسيسي ومن تلك الدساتير دستور 1851 الفرنسي حيث وضع مبادئه الاساسية لويس نابليون. كما ان دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الصادر عام 1958 النافذ حاليا هو آخر الدساتير الفرنسية التي صدرت بأسلوب الاستفتاء الدستوري بعد ان قامت لجان حكومية غير منتخبة بوضع مشروعه.

أما محمد زكي الهويدي، وهو نائب الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سوريا فيقول: ولاية اللجنة الدستورية هي للأمم المتحدة، والنظام والمعارضة وافقا على القرار 2254، وبالتالي على حيثيات اللجنة الدستورية، وانخراط النظام السوري بمفاوضاتها يعني قبوله بولايتها.

لكن هناك من يرى الأمور من زاوية أخرى، فالدكتور محمود حمزة وهو قيادي في حزب الشعب الديمقراطي (القيادة المؤقتة) فيقول: السلة الدستورية هي إحدى السلال الأربع في القرار 2254، وهي إحدى المستحقات بهذا القرار، ولكن كما يقول الحمزة لا يمكن البدء باللجنة الدستورية والسلة الدستورية لأن المشكلة سياسية وليست دستورية، الدستور ليس مشكلة وإنما من يشرف على تنفيذه.

ويضيف الحمزة: من جانب آخر، روسيا التفّت في مؤتمر سوتشي على قرارات مجلس الأمن، واخترعت مسألة اللجنة الدستورية.

ويرى الحمزة أن البدء باللجنة الدستورية هو التفاف على الجانب السياسي المتمثل بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية.

إن مناقشة هذه الطروحات هي مناقشة مفيدة، ولكن الواقع هو ان تشكيل اللجنة الدستورية جاء من توافق امريكي/ روسي، تبعته توافقات دولية إقليمية.

ولكن لنفكّر قليلاً ونسأل أنفسنا السؤال التالي: لماذا يلتف الروس على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254؟ هذا القرار إحدى سلاله الأربع هي السلة الدستورية.

كذلك لماذا يتهرّب النظام من التفاوض حول المبادئ الأساسية في مفاوضاته بجنيف؟ أليس الأمر متعلقاً بيقين لدى النظام بأن موافقته على التفاوض في جنيف حول السلة الدستورية أو باقي السلال الأخرى وأهمها السلة السياسية المتمثلة بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية من كل الأطراف، يعني هدم ركائز حكمه؟

إن الواقع الدولي الحالي لا يسمح فعلياً في هذه المرحلة بأكثر من التفاوض حول نص دستور جديد لسوريا، وعلى المعارضة أن تتشبث بهذا المسار وتعمل على المطالبة بتزامن المسارات التفاوضية الأخرى مع مسار اللجنة الدستورية.

هذا التزامن ضرورة للانتقال السياسي بأقرب زمن ممكن، وهناك ضرورة كبرى أن يتم تحديد سقف زمني للتفاوض بالنسبة للجنة الدستورية كما لباقي السلال في القرار 2254.

ففي حديث لـ “هادي البحرة” رئيس وفد المعارضة في اللجنة الدستورية لوكالة سنا، يقول: “بالتأكيد اللجنة الدستورية جزء من القرار 2254، وهناك سلال أخرى يجب ان تفعل، وإن شخصيات لدى النظام صرحت بإنهم استخدموا اللجنة الدستورية لإعاقة العملية السياسية، كما فعلوا سابقاً في المفاوضات خلال الفترة من 2014 إلى 2019 واستخدامها بشكل تكتيكي وليس للوصول إلى حل سياسي يؤدي إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، غير آبهين بمعاناة الشعب السوري، هذا اعتراف واضح من النظام بما يقوم به اتجاه القرارات الدولية.

ويضيف البحرة: نحن لا نسمح بإضاعة الوقت، والعمل دون وضع محتوى ومحددات تؤكد الوصول إلى نتائج، ولذلك نرى بين الحين والآخر بعض الانقطاع في عمل اللجنة الدستورية بسبب إصرارنا على وجود منهجية متكاملة واضحة تحدد بشكل قطعي من يعيق اللجنة في تنفيذ مهاما، فيتوجب ان تكون عواقب افشال عمل اللجنة من قبل النظام هو بوابة الولوج نحو إيجاد سبل لانفاذ القرار 2254 وهذا يقتضي التوصل الى تفاهمات مع الدول ذات العلاقة بالأوضاع في سوريا، وعمل مكثف من قبل هيئة التفاوض السورية ومؤسسات قوى الثورة والمعارضة كافة لإنجاز هذه التوافقات بما يتوافق مع مصالح الشعب السوري الوطنية، هذه أيضاً مهمة كل الأحزاب والتيارات السياسية كما القوى المجتمعية لنبذ التشرذم والتفرقة وتوحيد الصفوف.

نريد منهجية تلزم جميع الأطراف تؤدي الى إنجاز ما هو مطلوب من هذه اللجنة وإلا استمر النظام بسياسة التعطيل. يقول البحرة: نحن ندرك نوايا النظام بعدم الوصول إلى حلٍ سياسي، لذلك فإن مؤسسات وقوى الثورة والمعارضة تعمل على سبل وأدوات أخرى سواء على المسار الدبلوماسي والاقتصادي والقانوني تؤدي للدفع بالعملية السياسية.

إن فتح ثغرة باتجاه الحل السياسي، يتطلب الضغط الشعبي الواسع ومن كافة أطياف ومكونات الشعب السوري على داعمي النظام على ضرورة أن تقوم اللجنة الدستورية بإنجاز مهمتها، دون محاولات النظام بتسييس عملها وحرفها عن مسارها.

إن تمسك وفد قوى الثورة والمعارضة بتنفيذ القرار 2254 كاملاً وإبقاء العملية السياسية حية، وعدم الموافقة بأي صورة لتفريغ هذا القرار من مضمونه من قبل النظام وحلفه، يضع المجتمع الدولي أمام استحقاقات هذا القرار.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني