fbpx

الفنان علي فرزات بين العصف الذهني والعصف الجنسي

1 4٬050

الفنان المنتمي للشعب بكل شرائحه يمتلك حساسية فنية عالية قد تتعبه أحياناً بل كثيراً، وتحشد جماهير فوضى الوقت وعبث الحرب ضده لأنه يفهم كانتونات الارتزاق والتسوّل ولديه حاسة سابعة عن المكاتب المفروشة بجماهير ترتعد كجمهور هاملت وجماهير نصوص العقد الجنسية، ومعرفة الفنان المبدع بهم من المؤكد هي أكثر من معرفتهم لأنفسهم المرهقة من الكتمان في العتمة، لذلك مجرد إخراجهم للضوء سيكون عصفاً بالبواطن. فإذا كانت إحدى الطرق التربوية الحديثة هي العصف الذهني لنفض المخيخ الضامر فإنه على سبيل المجاز الحقيقي لنا أن نسمي بعض طرائق الإبداع التربوي عند علي فرزات بالعصف الجنسي.

مسؤولية الفنان كبيرة وصعبة كلما نقّب في سجلات تتسلق على رفوف الشعب كسجلات دوائر النفوس القديمة طويلة النجاد ورفيعة العماد والعفن المقدّد على جلودها بسماكة 3 سم، والفنان لا تحجبه سيوفها ولا حمّالة دروعها على أن يستخرج الاسماء المتوارية بين دفتين.

طبيعي أن يحشد جمهور هاملت الأصوات المتخندقة بأموال مشبوهة ضد مبدعي سورية في وقت نبحث فيه عن اسمائنا وسط ازدحام أبجديات الخبز الحرام الناتج عن جعجعة بغير طحين.

إن الغوص في العلاقة المتشابكة للحس الفني عند المبدعين لا يعيها الطارئون والمؤقتون، واللوحة نص يتخاطر مع الحاضر والماضي ويستشرف المستقبل، ولا يجوز تحميله مطاحنات انتمائية أو شخصية وتجييشه لأغراض مختلفة، والإبداع يجب أن يرتقي بالعقل المتلقي فهو ليس فقيهاً من طين يخاطب الرعية بما يعلمون  على قدر عقولهم فقط، نحن أمام فنان يعمل بكل حواسه الجمالية كأنه يزرع غرسة ويسقيها من حبه لفنه، فالعلاقة بين المبدع والأرض كعلاقة المزارع بالشجرة إذ يقيّم كل الحياة من خلال اخضرارها أو يباسها ويبحث عن أسباب ارتقائها فمن يكسر أو يلوي أغصانها فهذه  جناية الفاعل (الذي يؤوّل على مقاس أهدافه أو معاشه).

وليست جريمة من بناها بكل حساسيته الفنية، وهذا لا تدركه الكروش النهمة على مناسف مجللة ببهارات مختلطة من كل بقاع المعمورة، والتوضيح بالنسبة لهم من الصعوبة بمكان لأن الحاسة الفنية ضاربة في القدم عند المنتمين لأقدم عاصمة مأهولة في التاريخ زماناً ومكاناً، وهذا الإجحاف في التقييم ليس حكراً على مبدع دون آخر، فمبدعون وفنانون كثر تلوكهم ألسنة سوء الفهم لسوء القراءة.

هذه معضلة تختص بها نظرية التلقي وكي لا ندخل في تفاصيلها سنوجز إن الحشود ستستمر كل وقت، ويشيرون بأصابعهم لكل سوري لا يقبل بخبز حرام ولا ببهارات غامضة تمزق الكولون ولا بمكاتب مفروشة بسجلات البكاء والتسول والأخلاقيات المسيجة بستائر مخملية في زمن عار عن الصحة من كل جهاته.

لا أتحدث عن شخصيات يعنيها أو لا يعنيها الفنان برسوماته، فالناقد للنص يتحدث عن الرؤية الفنية بوصفها نصاً متعدد الاحتمالات، والتحدي الحقيقي هو الصدمة للنسق الثقافي المتوغل في دواخل شريحة عريضة من الشعوب، فالتابوهات حتى عندما يتم اقتحام قدسيتها عند الشعوب سيكون اقتحاماً غير عقلاني فليس من السهل استئصال الأنساق المضمرة في العقول، وسيتم التعامل معها على أساس عاطفي بعيداً عن الفهم الدقيق لها، لذلك قيل إن الفنان المبدع عليه القبول بأن يكون ضحية الجهل مناضلاً صابراً ليتحمل إيذاء الناس، ولن يستطيع التأثير بهم بهذه السهولة، فالراسخ الثقافي لديهم صار عقيدة وعقدة صعب التحرر منها سيما الراديكاليون حرّاس العتمة، والحديث هنا عن عقدة السجلات والقديد والتسيّد على الرفوف وعن الرؤيا ما بعد الرؤية التي يتحرك من خلالها الفنان والتي لا يدركها جماهير صغار الكسبة وزعانف جمعيات التسول والسيلفي الذي شقّقت روائحه وجوهنا كلما مسحناها ببردى الذي انحل فيه الطاعون الفتّاك من الداخل والخارج.

زمن السيلفي مع الأعلام والعبارات العريضة ولّى بعد 11 سنة من هذا الخراب المحيط بنا، والتفكّر بأسباب الهزائم هو طريق الخلاص ليكون الاحتفاء بالتغيير الحقيقي بذكرى انطلاق شرارته وليس الاحتفاء بالشرارة كي لا يتحول الأمر لفعل صبياني يلوّح في الظلام بعودٍ تعتليه جمرة فيرسم من تلويحاته أشكالاً تبهجه.

المشكلة أن الكل يبصر ويعرف المآزق والخلل، ووحده الوعي فقط هو الأعمى، فخذوا السيلفي مع هذا الأعمى ولوّحوا به وارفعوه مع علم الثورة ليبصر، واتركوا سوالف التخندق العاطفي لأن 80 بالمئة منه تغليف وتبرير وهروب من أسباب كل الانكسارات، وأصموا آذانكم عن ضجيج خطباء منابر سرقت أحذيتنا وتركتنا حفاة وهي تحاضر وتدافع عن عتبات بيوتنا.

تحية لفنان سوري مبدع اسمه علي فرزات وفي بعض لوحاته أسميه علي فرويدات لقدرته التحليلية على تقديم العصف الجنسي في لوحاته الإبداعية، والفن رسالة أعظم من أن يعيقها الرفاق الطليعيين والشبيبيين بتحليلاتهم التي فاضت بها دروس التعبير الإنشائي من الذين أدخلوا على أشجارنا من يبول عليها من خارج مضارب الثورة وخلقوا معاشات مشبوهة للطبل والمزمار  فضيعوا سورية العظيمة وثورتها وشوّهوا كل شيء، شوّهوا وجوهنا كلما توضأنا ببردى، وأعادوا سمفونية البعث ذاتها وخلقوا حالة من فوضى الدم والتاريخ والجغرافية يعبث بخرائطها ثلة من الحميماتية ولصوص مقابض الأبواب، وضيّعوا الهوية الحضارية للشعب السوري العظيم  وجيّشوا أقلاماً كالحة لا يعنيها من الدم المهراق غير استكتاب يعود بالفيء دونما جرأة بالإشارة للهزائم واللصوصية وقطاع الطرق والملثمين والميليشيات المجرمة باسم الثورة متعددة (العنفصة) والسلب والنهب والاغتصاب، وتقديس شخصيات كرتونية، جادوا علينا بمنصات ومفكرين وفلاسفة يغرفون من القواميس حتى استغاثت اللغة من اغتصابهم لها مقابل أجرة مقالة أو تعليق سخيف يشبه هذا الواقع الذي نعيشه تماماً.

والمضحك أننا يجب أن نضحك حتى تغوص الركب، فمنذ أيام معدودات تم وصف كثير منهم بالتجار والبيزنس والاختراق ولم نر حمرة الخجل على الوجوه أو أي تعليق يدفع الشبهة عن الراعي والصياد في معبد آمون الذي شفط البقر العجاف والسمان.

قاسيون يعرف أبناءه ممن يربتون على كتف دمشق صباح مساء، ويعرف جيداً الرقاب التي لم تترك عملية تجميل أو ماكياج لتطال قمته ولم تفلح.

المسألة ليست كما يدعون وأساساً كانتونات الراديكال الملتحف بوجه حداثي هم أعتى أعداء المرأة وهم من همّش المرأة السورية في ثورتها وصبرها وقد دفعت الثمن الباهظ هي والأطفال فيما لو أردنا تقييم خسائرنا الكبيرة، فالمرأة السورية العظيمة لم يسجل التاريخ مأساة تشبه عذاباتها آخر عشر سنوات، تلك التي يدافع عنها الفن المبدع عموماً وسيبقى من أنصار المرأة ويزيل القناع عن فحول المجتمع الأبوي الذي يعشق العتمة ويسلب المرأة قدسيتها.

تحية لكل امرأة سورية ولكل نساء الأرض فالولادة والحياة والثورة وسورية والأرض والشجرة…كلها أنثى، والفن المبدع لا يحتاج لبراءة ذمة ولا لترقيع سجلات ولا لإثبات أهم أركان الإنسان بأنوثة العنقاء وذكورة الرماد.

القبح يبحث عن براءة ذمة ويدافع عن نفسه كضربة استباقية لأنه يعلم أن داخله مهيّأ لكل الرذائل والظلام، وفي المقابل إن الوعي الجمالي سينتصر وإن الفن والحرية أهم جبهاته في عصر يستوي فيه الأعمى بالبصير.

فيا فناننا الجميل عندما قال العرّافون لملك طيبة أن يكتشف الخطيئة التي تغير وجه البلاد خجل على وجدانه عندما علم الحقيقة المفجعة وعاقب نفسه ففقأ عينيه وهام بالطرقات بعدما اكتشف أنه زنى بأمه، وأوديب (جمعاً) في هذا الزمن يزني بأمنا سورية جهاراً نهاراً دونما وجل بل يريد أن يفقأ عين العرّافين والمبدعين والفنّانين كي لا يبصر أحد جريمته.

تحيا سورية حرة بجهاتها الأربع وستزول عصابات طارئة وستتحول لذكرى بغيضة، عصابات تقضم أسماءنا متناسية أننا نقشناها على الكرز والزيتون، وأن لدينا هناك ذاكرة محفوظة جيداً في صناديق عرس أمهاتنا.

1 تعليق
  1. يوسف عبيد says

    بالفعل يا الهي يا الهي على هذا الرجل كيف لخص الحكاية بمقالة اكثر من رائعة اتى بكل هذه التمازجات مع الاساطير والفنون يعني اذهلني بحق سلمت الانامل وانامل العالمي علي فرزات

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني