fbpx

العوامل التي أجلت موت نظام الأسد

0 1٬880

(عسكرة الثورة السلمية السورية) ثم مجيء العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم الدولة في عدد من دول أوروبا والعالم، هي من أهم عوامل منع التغيير السريع في سوريا، وإذا كان ثابتاً بما ليس فيه شك وجود تنظيم القاعدة في إيران، وهو الأب الأول لتنظيم الدولة، فقد تثبت الأيام القادمة أن إيران هي وراء أعمال تنظيم داعش الإرهابي في أوروبا بغية دفع الدول الغربية للتريث، من أجل إطالة زمن الحرب، لكي تتمكن إيران من احتلال كامل سوريا على شاكلة العراق.

فمسألة استمرار نظام الأسد قليلاً أكثر من عمره الافتراضي، ليس بقرار أمريكي أو دولي أو إسرائيلي بقدر ما هي عوامل.

اختصر الرئيس ترامب المسألة، عندما أعلن منذ أيام أنه كان سيقتل بشار الأسد عام 2017 لكن وزير دفاعه آنذاك عارض الفكرة، ما يعني أن قرار التغيير بالقوة كان وارداً، لكن هناك ما حال دونه.

فما بين ليلة وضحاها بات بعضهم ينظر إلى اللاجئ السوري الهارب من الموت، الباحث عن الحياة نظرة المتهم، ما يمكننا أن نصف أزمة اللجوء السورية أنها الأقسى منذ الحرب الكونية، لأن النظام والإيرانيين، وحلفائهم، جندوا كامل قواهم لنزع الصفة الإنسانية عن اللاجئ السوري، وهذا لم يحدث لشعب عبر التاريخ.

عوامل سابقة:

لم يكن هناك من يسجل أرقام الضحايا في سوريا منذ ولادة حزب البعث، عام 1963، فالشعارات الكبيرة والبراقة ستظل تخفي واقعاً دموياً وضع البلاد أمام خيارات الصمت أو الهروب، ما جعل شعب سوريا من أكثر شعوب العالم التي تعيش في بلاد الاغتراب، وهذا بالطبع ما قبل الثورة السورية السلمية، إذ تجاوز عدد المغتربين السوريين عتبة الـــ 20 مليون، في أرقام تقريبية اعترف بها النظام السوري سابقاً، يضاف إليهم ملايين اللاجئين السوريين الذين مزقتهم الحرب السورية.

بالتالي، فالعوامل البنيوية التي أتاحت بقاء نظام كوريا الشمالية هي ذاتها التي أبقت نظام البعث طوال هذه الحقبة الزمنية، فالموت والقتل الصامت للمعارضين السوريين ليس وليد حقبة جديدة، إنما هو امتداد لمراحل تاريخية مضت. 

فإذا كان عنوان الاضطهاد في كوريا الشمالية هو مواجهة الإمبريالية الأمريكية، ففي سوريا كان العنوان ذاته مضافاً إليه جملة وهي (مواجهة الصهيونية العالمية) وهي الشعارات التي تلزم قطاعاً كبيراً من الناس على الصمت أمام ما يفعله النظام في الداخل، لأن فكرة مواجهة العدو الخارجي هي الفكرة الوحيدة التي ظلت تلزم المواطنين بالتزام الصمت طوال الوقت، وأما النخب التي تعترض على ما يقوم به النظام فمحكوم عليها بالموت، أو السجن لسنوات طويلة بتهمة الخيانة، من سجن المزة، إلى سجن تدمر، إلى غيرها من السجون التي لا تزال مجهولة.

عوامل حالية:

الأزمة البنيوية الموجودة في الشارع السوري موجودة في كامل النظم المستبدة، فالسجناء السياسيون الذين امتلأت بهم سجون نظام البعث خلال عشرات السنين، لم تجد تفاعلاً داخلياً من قبل النخب الثقافية، والتي ذهب قطاع واسع منها لتمجيد هذا النظام، تحت ذرائع لا تنتمي للمنطق مطلقاً، حيث تجلى ظهور ثقافة مواجهة القوى الغربية، ليطغى بدوره على صوت صرخات المساجين وآلامهم، ولتصبح مسألة الحديث عن الحرية هي من المحرمات التي لا يمكن تداولها بين الناس، أمام ثقافة شعبوية فوضوية، عملت على تأليه السلطة السياسية، بحيث تجاوز امتداد تأييدها بين المثقفين خارج نطاق الكيانية المحلية، خصوصاً وأن نظام الأسد، بات خليفة جمال عبد الناصر في مواجهة الاستعمار، وبهذه اللغة العبثية، كانت البلاد بأكملها تدخل في قبضة طغاة مستبدين، لم يكتفوا فقط بذبح معارضيهم، وإنما أنتجوا ثقافة دموية، انتهت بالحالة السورية الى ما هي عليه.

على من يقع اللوم:

مؤكد أن نظام الأسد راحل، لأنه ينتمي لحقبة لم يعد وجودها ممكناً في هذا الزمن، وإذا كان ثمة لوم على التدخلات الدولية أنها لم تأت في وقت سابق، فثمة لوم كبير على النخب السورية المحلية، التي منحت نظام الأسد مشروعية الانتقام من شعبه، وهذا ينطبق على عموم النخب الفكرية والثقافية والدينية، بمقابل ذلك، كان لظهور السلاح في المشهد السوري، ثم دخول الفكر الجهادي الذي لعب النظام دوراً بالغاً في صناعته.

كل هذه المسائل جعلت من فصائل المعارضة السورية في نظر الغرب مجرد مليشيا لا تستطيع أن تتسلم إدارة الدولة، وهو ما ترك عوامل الانتظار تفعل دورها، ما يجعلنا نقول: إن المأساة السورية كانت ولا تزال خارج مسار العقل الإنساني كله.

عمل إرهابي واحد يكلف الدول كثيراً فما بالنا بنظام مجرم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني