العمال الكردستاني ومظلوم عبدي.. من يحاصر الآخر!!
أكثر من مرة وأكثر من صحيفة ومصدر أشاروا إلى “نية مظلوم كوباني قائد قوات سوريا الديمقراطية وعزمه ترك “قسد” والالتحاق بالعمل السياسي”، نظراً لتصريحاته أنه “بدأ عمله بالسياسة ويرغب أن يُنهيه بالسياسية”. لكن المعروف أن تركيبة العمال الكردستاني قائمة على “التنسيق” أو التصفية السياسية لأيَّة شخصية تبرز على الواجهة الإعلامية، وهو ما حصل مع العديد من الأسماء والشخصيات التي برزت إعلامياً وذاع صيتها؛ بهدف عدم إنتاج شخصية تلتف حولها الجماهير وبروزها. لكن المرويات ضمن صفوف تشكيلات الاتحاد الديمقراطي تقول إن ” مظلوم عبدي يحاول من ورائه تصريحاته التمويه على الضغوط التي يتعرض إليها من قنديل، ويحاول إظهار نفسه بمظهر من يرغب ترك الميدان العسكري والتوجه صوب العمل السياسي”. لكن في الحقيقة أن مظلوم يعيش حالاً صعبة، ليس أقلها أنه لا يملك تياراً واضحاً يُمكنه من مقاومة تيار العمال الكردستاني وجميل باييق المرتبط مباشرة مع النظامين الإيراني والسوري والذي يقوم بخدمة أجندات تلك الدول ولو على حساب القضية الكردية، الذي أصبح عبئاً يثقل كاهل الكرد في سوريا والعراق وإيران وتركيا، وفق ما يؤكده العديد من الكتّاب والصحفيين الكرد في مقالاتهم أو مداخلاتهم، وهو ما ذهب إليه هوشنك أوسي القيادي والإعلامي السابق في العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي “العمال الكردستاني جعل من كورد سوريا ليس فقط حقل تجارب وحطباً لمصالحه مع نظام الأسد الأب والابن، بل مع الأمريكان والغرب وحتى أثناء التفاوض مع تركيا.”
الانتقال إلى الميدان السياسي إشارة أم نقلة نوعية
يعتبر العمال الكردستاني السياسية والأحزاب السياسية ليست سوى واجهات لتنفيذ المقررات العسكرية فحسب. لذا فإن أي انتقال من الميدان العسكري إلى السياسي يعتبر تجميداً للشخصية المنتقلة، حيث أفاد مصدر خاص اشترط عدم الإفصاح عن اسمه، “إن الموجودون في الواجهة السياسية لسياسات العمال الكردستاني في سوريا ليسوا سوى دمى تحركهم البندقية كيفا ما شاءت”. لذا فإن تتالي التصريحات حول نقل مظلوم عبدي إلى المجال السياسي، وفقاً للمصدر “في البداية كانت عبارة عن تسريبات إعلامية وأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن دون أي تأكيد أو نفي من قبل قسد وقيادته ولا حتى مجلس سوريا الديمقراطية”، ما عنى لدى بعضهم أن الخبر مزيف. لكن تصريح “عبدي” نفسه حول نيته ترك السلاح والتوجه صوب السياسة يشرح عمق الشرخ الحاصل ضمن العمال الكردستاني. فمظلوم عبدي ووفقاً لبعض التسريبات الخاصة “تحول إلى المستشار السياسي لمجلس سوريا الديمقراطية، ولم يترك قيادة “قسد” بعد، وهو ما توضح عبر ترأسه الاجتماع الأول لأعضاء اللجنة المنبثقة من المؤتمر الذي أقامه “مسد” بعد ثلاث عشرة ندوة أغلبها في مناطق دير الزور والرقة والطبقة”. تلته تصريحات مظلوم عبدي على فضائية روناهي التابعة للاتحاد الديمقراطي بأنهم ساعون وماضون في تعديل الإدارة الذاتية بدءاً من “الهيكلية ومحاربة الفساد والعمل على الاكتفاء الذاتي اقتصادياً”، وأكد على استمرار “الحوار مع المجلس الوطني الكردي”. وفقاً لذلك فإن ثلاث نقاط مهمة توضح طبيعة المرحلة المقبلة بالنسبة لمظلوم عبدي ورفاقه:
1- سبق وأن صرحت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطي، عن “نيتهم واستعدادهم للحوار غير مشروط مع تركيا والمعارضة السورية”. وهي بذلك نقلة نوعية في خطاب ممثلي العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما يتعارض كلياً مع فلسفات ومواقف قيادات قنديل الرافضة لأي تسوية مع تركيا عبر كرد سوريا، أو ما لم تكن لحسابات قنديل الخاصة.
2- في مقابلته مع روناهي، يقول مظلوم كوباني إن “العمال الكردستاني دفع قرابة أربعة آلاف شهيد في المنطقة، وإنهم يسعون لإتمام الحوار الكردي/الكردي وفق اتفاقية دهوك 2014 التي نصت على شكر إقليم كردستان والعمال الكردستاني”، وهو ما يعني أن مظلوم لم يتمكن بعد من مسك زمام الأمور، ويسعى لمسك العصا من المنتصف، وهو المدرك تماماً لحجم التغلغل العميق للعمال الكردستاني في مفاصل الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
3- المساعي القنديلية لإنهاء الحوار لازالت مستمرة، خاصة وأن من النتائج المرجوة لمخرجات الحوار هو الخروج بموقف كردي موحد منخرط مع المعارضة السورية ضد النظام السوري.
وأن مساعي قنديل تصطدم بعناد والانشقاق غير المعلن من قبل مظلوم ورفاقه، ما يعني أيضاً أن خطة مظلوم عبدي تقتضي “السيطرة المطلقة على مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، وحينها تكون الإدارة الذاتية تحصيل حاصل بالنسبة لهم”. لكن هذا الأمر يصطدم بالمرشح الأكثر حظوظاً لتولي قيادة قسد، وفقاً للمصدر.
مابين تغيير مظلوم وتضخم حجمه
إلى اللحظة لا تزال الصورة قاتمة وغير واضحة فيما لو صحت الأخبار عن تغيير مظلوم عبدي فإن ذلك يعني أن جميل باييك نجح في إركاع عبدي وفريقه التفاوضي، ولكن الثابت أن مقابلة جميل باييك مع إحدى المحطات التابعة للعمال الكردستاني لا تزال تأخذ صداها، فهو الذي “طلب من الشبيبة الثورية والنساء ضمن الاتحاد الديمقراطي بعدم القبول بهذه الحوارات”، ومحاولات كسر قرارات الإدارة الذاتية خاصة فيما يتعلق بالحظر، والدعوة إلى التظاهرات والاعتصامات، والاستمرار في رفع صور وأعلام أوجلان والعمال الكردستاني. كل ذلك كان رداً على مسعى مظلوم كوباني المضي في المشروع الأمريكي لتقريب الصف الكردي. خاصة وأن “مظلوم عبدي” سبق وأن أكد في حوارات متلفزة ولقاءات مع عدد من المواقع الإلكترونية، “إنهم ككرد سوريا لا علاقة لهم بما يجري في دول الجوار ولن ينخرطوا في أي خلاف سياسي أو عسكري، وسيبقى موقفهم حيادياً ولن يناصروا أي طرف”. هذه التصريحات كانت بمثابة تحريك استشعار قنديل لخطر هذا الموقف، حيث أكد المصدر أن “قيادة العمال الكردستاني تسعى إلى الزج بكرد سوريا في صراعها مع حكومة إقليم كردستان حول قضية شنكال، وهو ما رفضه مظلوم كوباني”.
يبدو أن قنديل تتفوق على مظلوم ورفاقه، والحلقة الأكثر غموضاً، سكوت الجانب الأمريكي عن القضية، وكأن ثمة اتفاقاً أمريكياً/إيرانياً حول تسويات سياسية. خاصة وأن المنطقة الكردية في سوريا هي التي أحيت العمال الكردستاني سواء في تقديم الآلاف من الشباب في محارق ومعارك عبثية، أو عبر نقل مليارات الدولارات من الموارد الاقتصادية الموجودة إلى جبال قنديل، ومساعدة النظامين السوري والإيراني.
النقطة الفصل تكمن في البديل المطروح لاستلام قيادة قوات سوريا الديمقراطية، عوضاً عن مظلوم كوباني. وهو على عكس مظلوم عبدي، يرفض خروج كوادر العمال الكردستاني من سوريا، لأن مناطق نفوذهم في سوريا تعتبر شريان الحياة بالنسبة للحزب منذ مطلع الثمانينيات. ويعتبر الحزب الخروج من سوريا مسألة حياة أو موت على الصعيد الحزبي. لكنه يغلف وجوده بشعارات قومية، ويتحجج بممارسات تركيا القمعية ضد كوردها. وهذا كلام حق، يراد به باطل.
من هو بديل مظلوم عبدي
المدعو “محمود برخدان، محمود رش” القيادي المقرب لدرجة العبودية لجميل باييك، والرجل الأمين لتنفيذ مخططات قنديل دون نقاش. وهو كردي سوري من مدينة كوباني قرية كورعلي. يعتبر القائد العسكري الفعلي للمجموعات المقاتلة ضمن وحدات حماية الشعب، انضم إلى حزب العمال الكردستاني عام 1986 وعاد إلى سوريا بعد عام 2002 ليشارك مع ثلة من أعضاء وقيادات حزب العمال الكردستاني في تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال). أقام في حلب فترة قصيرة، قبل أن يسافر إلى كردستان العراق ويستقر فيها إلى حين العودة الأخيرة. ثم عاد مع بدايات الثورة السورية، ليشارك في تأسيس قوات الحماية الشعبية، ثم عصابة الشبيبة الثورية. يمتاز محمود برخدان عن مظلوم عبدي بأنه شديد الولاء لجميل باييك، ولاء مطلق جعله إلى حد بعيد رجل راديكالي، يكره العرب غير المنتمين إلى منظومتهم السياسية، ويحقد على كل كردي له علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع إقليم كردستان العراق. وفقاً لذلك فإن التغيير المعلن عنه يذهب في اتجاه استبدال من صار مشكوكاً بولائه برجل آخر أكثر ولاءً وانتماءً إلى قنديل أكثر من الكرد وقضيتهم.
إلى أين تتجه رسائل مظلوم وإلهام
تؤكد إلهام أحمد على “ضرورة الحوار مع تركيا، وأن النظام السوري أغلق باب الحوار، وفشلت روسيا في تأمين مناخ جيد للحوار” كما يذهب مظلوم عبدي إلى “تفعيل الحوار الكردي/الكردي، وتطوير الإدارة الذاتية والقضاء على الفساد” والمعلوم أن كل قضية فساد يقف بعض كوادر العمال الكردستاني خلفها. حيث يفهم من سياقات الحوارات والتصريحات التي يدلي بها كل من مظلوم وإلهام أنهما يخاطبان جميل باييك والعمال الكردستاني في جبال قنديل. في هذا الصدد يقول المصدر أنه “ثمة معركة خفية من وراء الكواليس تجري بين القيادات الكردية للعمال الكردستاني في شمال شرقي سوريا، يقودها مظلوم عبدي وبعض من كوادر الكرد السوريين الذين يسعون للخلاص من ظلم وقباحة أعمال باقي الكوادر، يقابله جميل باييك ومجموعته الذين يمسكون بملفات هامة”
يقول بعض المثقفين الكرد “أوصلتنا هذه الحركات الصبيانية إلى أفق مسدود، وجعلت منا حقل تجارب، وعلى الرغم من الخزان الاقتصادي الممتلئ إلا أننا نعيش تحت خط الفقر، المهم هو خروج تلك العناصر، وسنتمكن من التفاهم مع العرب في المنطقة، إذ لا مشكلة بيننا، ولكل منا رؤيته السياسية السليمة”
ويكمل المصدر حديثه “حالياً يعيش مظلوم كوباني تحت حماية أمريكية شديدة، وهو أدرك أن مفتاح بقائه كقيادي بارز إنما يكمن في إخراج كوادر العمال الكردستاني، ويبدو أن تحالفاً متيناً بين قسد/مسد وقيادات كردية سورية ضمن الإدارة الذاتية وبعض أحزاب الوحدة الوطنية الكردية قد نسجت على أساس إخراج تلك العناصر من المنطقة” لكن الأيام المقبلة ستوضح من سينجح في إنهاء الآخر.