fbpx

العقل المثقف هو القادر على التعامل مع أفكار لا يقبلها

0 50

وهذا يقودنا للبحث عن الحقيقة، والحقيقة لا توجد عند شخص دون آخر، أو لدى مجموعة دون أخرى، إذ تتغير كثير من الحقائق تبعاً للزمان والمكان والظروف المحيطة، كما إن المتغيرات في الزمن الحالي أصبحت أكثر وأسرع مما مضى، حتى أصبح للثانية حسابها، فقُسّمت إلى أشطار أرباع وأخماس وأسداس وأعشار، ولكلٍ منه حسابه في سبق الفوز.

وعلى هذا، نرى أن الكثير من الأشخاص والجماعات تغيّر رؤيتها وفقاً لتغيّر طرق فهمها للحقائق، وعليه نرى أنه لا يوجد تطابقٌ سواءً بين الأشخاص أو الجماعات، بل هناك التوافق والتآلف والتعاون، (والاختلاف بينهم هو حالة، بل ضرورة صحّية لتكون هي أداة للتغيير نحو الأفضل).

وحتى نصل للحقيقة الأكثر توافقاً لا بدّ من مواجهة الذات أولاً، ثم مواجهة الآخرين.

لقد سعى السوريون عبر عقود مضت إلى محاولات كثيرة للتغيير، ولكنها لم تنجح لأسبابٍ موضوعية تارةً، ولأسبابٍ ذاتية تارة أخرى، حتى كان عام 2011 الذي تفجّرت فيه الثورة السورية السلمية على امتداد الوطن، ثم أُجبرت على التحول إلى مواجهة عسكرية، والكلُّ يعلم ما حصل من تآمر عليها، لتصل إلى مرحلة صعبة جداً، وخاضعة لأجندات إقليمية ودولية، وضغوط سياسية وعسكرية كبيرة جداً.

ولكن النخب السورية التي آمنت بحتميّة التغيير، وأن تضحيات الشعب السوري تستحق منّا أن نبذل الجهود ونستمر في إيجاد فرص جديدة لتحقيق أهدافه، وعليه، لمّا بلغ الائتلاف ذروة الفشل، واستنفذ كل الفرص، وسقطت شرعيته عند كل مكونات الشعب السوري، ولم يعد قادراً حتى على تمثيل نفسه من خلال خضوعه وارتهانه لأجندات شخصية ودولية، وأصبح حقيقة عبئاً على الحراك الثوري، ومعطّلاً لاستمرار ثورة الشعب السوري، تداعت النخب السورية إلى تشكيل الكثير من الأجسام السياسية التي تسعى لإسقاط النظام وتحقيق أهداف الثورة السورية.

كان التجمع الوطني الديمقراطي هو أحد هذه المكونات التي آمنت بقضيتها وبحتمية انتصارها، ووضع الأسس المنطقية المناسبة لبناء الدولة السورية الديمقراطية، وفتح الأبواب أمام كل مكونات الشعب السوري والحوار معه، ولتوحيد هذه الجهود المتعددة سيجتمع السوريون على فكرة مؤتمر إنقاذ سوريا، وبالتالي نحن نرحب بكل المكوّنات التي آمنت بالتغيير، وبناء سوريا دولة مدنية ديمقراطية، والحفاظ على وحدة أراضيها وتماسك مكونات المجتمع السوري، بعيداً عن الأجندات أو المؤثرات الخارجية.

وبالطبع نحن نحتاج للعلاقات الدولية المتوازنة التي تحقق مصالح مشتركة، ويوجد الكثير من الشخصيات السورية السياسية والدبلوماسية التي تستطيع أن ترسم مسار ومحددات هذه العلاقات، بما يحقق أهداف الشعب السوري وعلاقات حسن الجوار مع دول الإقليم وعلاقات صحيحة مع المجتمع الدولي.

والآن، لا بدّ للقوى الفاعلة على الجغرافيا السورية والحراك السياسي الخارجي أن تلتقي ضمن مؤتمر واحد لإنقاذ سوريا، وتواكب المتغيرات الإقليمية، والاستفادة منها، وكسب الوقت لتكون سوريا الجديدة دولة مدنية ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية لكل مكونات الشعب السوري، بعيداً عن القوى المتطرفة بكل أشكالها الدينية أو العنصرية أو ذات النظرة الشمولية، التي لا مكان لها الآن في النظام العالمي الجديد، والذي تلوح في الافق متغيراتٌ سترفضهم حتماً.

إن الوضع الحالي الذي وصلت إليه سوريا يفرض علينا النظر إلى الواقع بموضوعية وملاحظة التداخلات الدولية. فإيران وروسيا تسيطران وتفرضان أجندتهما على المناطق الخاضعة للنظام، وأمريكا ودول التحالف التي تسيطر على “شرق الفرات” من خلال “قسد ومسد”، والشمال السوري تحت الأجندة التركية، ولكن يجب ألا يغيب عنّا أنّ في كلٍ من هذه المناطق يعيش ملايين السوريين، وعليه لا بدّ من الجلوس إلى طاولة الحوار، وبالتزامن بناء العلاقات الإقليمية والدولية، والتي ستكون ميسّراً لتقدم مسار وحدة الشعب السوري في بناء دولته الجديدة.

وعليه، أرى أنه لا مانع من الحوار مع القوى المسيطرة شرق الفرات وغربه وجنوبه وشماله، وأعتقد أن مؤتمراً للإنقاذ يضمّ كلّ السوريين كفيلٌ بمخرجات تناسب الجميع ضمن المتغيرات الحالية.

وأخيراً، يمكن أن نقول إن مآلات القضاء على أذرع إيران في المنطقة وتوغلها عسكرياً واجتماعياً في المنطقة، والتأثير الديموغرافي الذي تحاول أن تفرضه باء بالفشل، ونهايتها قد اقتربت، وهذه فرصة تاريخية للشعب السوري أن يعيد جمع شتاته ومكوناته ضمن مسار واحد يخدم الشعب، ويبني دولته الجديدة قولاً وفعلاً.

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن القول مؤثرٌ ومطلوبٌ كما الفعل تماماً، لأنه قولٌ بلا فعلٍ لا يُقبل، وفعلٌ بلا قولٍ لا يفهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني