fbpx

العدالة الانتقالية بوابة السلم الأهلي في سوريا

0 645

مع اقتراب إمكانية حل سياسي للصراع في سوريا، ينبغي أن تكون هناك عدالة انتقالية يُحاسب من خلالها كل من ارتكب جرائم ضد الانسانية أو جرائم حرب، سواء النظام وهو الفاعل الأكبر، أو لدى فصائل عسكرية محسوبة على المعارضة، حيث تكون هذه العدالة بوابة للسلم الأهلي في سوريا.

العدالة الانتقالية لا تشبه العدالة التقليدية

نادر الجبلي
كاتب وحقوقي سوري

نادر الجبلي كاتب وحقوقي سوري، باحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة عرف العدالة الانتقالية، أنها نوع خاص من العدالة، يطبق – كما يدل اسمها – في المراحل الانتقالية التي تمر بها بعض الدول. وهي المراحل التي تفصل بين حقبة قاسية بائسة من تاريخها، يتعرض فيها الاجتماع الوطني، والعلاقة بين المكونات إلى رضوض شديدة، وجروح غائرة، كحقبة الحروب والنزاعات الأهلية، أو حقبة حكم شمولي مستبد، أو حقبة احتلال أجنبي.. وبين حقبة التعافي والاستقرار والسلم الأهلي وبناء الهوية الوطنية.. 

وأضاف الحقوقي السوري أنه حتى يحصل هذا الانتقال بين الحقبتين، ويتمكن النظام الجديد من قيادة البلاد، لابد من معالجة آثار الحقبة السابقة المليئة بالجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق فئات واسعة من المجتمع، حتى تعود الطمأنينة والثقة إلى النفوس، وتنخفض حمولات الغضب والحقد والشعور بالظلم الكامنة في الصدور. وهذه المعالجة تقوم على مجموعة من الإجراءات والممارسات، اصطلح على تسميتها بـ “العدالة الانتقالية”.

كما ميز الباحث السوري بين العدالة الانتقالية والعدالة التقليدية المعروفة التي تقتصر على إجراءات التقاضي التي يحددها القانون، وسبب الاختلاف يعود بالدرجة الأولى إلى الأهداف المتوخاة من كلا العدالتين، لذا فإن العدالة الانتقالية تشمل، إضافة إلى الملاحقة القضائية ومحاسبة مرتكبي الجرائم، مروحة واسعة من الإجراءات الأخرى المتكاملة، كالاعتراف بالانتهاكات، وكشف الحقائق، وجبر الضرر، وتخليد الذكرى، وإصلاح المؤسسات المسؤولة عن الانتهاكات، كالجيش والأمن، وإصلاح الجهاز القضائي، وأكد الجبلي أن الهدف من كل ذلك هو المصالحة الوطنية، وتجاوز المحنة وعودة الطمأنينة والشعور بالأمان والانتماء والعدالة والكرامة، وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وإعادة الاعتبار للقانون، وقطع الطريق على عودة تلك الانتهاكات، وكل ذلك يتم ضمن سياقات ومسارات تفرضها الظروف الموضوعية وتعقيدات المشهد وموازين القوى، وليس ثمة نموذج واحد أو وصفة جاهزة لهذه العدالة يمكن تطبيقها في غير مكان…

كما تحدث الكاتب عن الوضع في سورية، حيث وصل حجم الجرائم والانتهاكات التي حصلت في السنوات التسع المنصرمة، إلى مستويات قياسية، وكذلك حجم الخراب الذي أصاب العلاقة بين المكونات، بأمسّ الحاجة إلى العدالة الانتقالية، بل يمكن القول أنه لا أمل في تعافي البلاد بدون تلك العدالة، إذ كيف ستتم بلسمة الجراح، ورأب الصدوع بين المكونات، وعودة الطمأنينة إلى النفوس، وإقناع الناس بالمصالحة والتجاوز.. دون محاسبة المجرمين، كبارهم على الأقل، ودون تفكيك المؤسسات الأمنية، ودون جبر الأضرار وإنصاف الضحايا وذويهم، مادياً ومعنوياً..؟ وكيف سنقنع ذوي مليون قتيل، وملايين المهجرين والمكلومين ومجروحي الكرامة، بالمصالحة والتسامح وكبير المجرمين، بشار الأسد، يتمتع بحياة آمنة وعيش رغيد؟ 

ويرى الباحث السوري أن موازين القوى، لن تسمح بالعدالة الانتقالية المنشودة والضرورية في بلادنا، وأن التسوية السياسية التي ستُنهي هذا الصراع ستسمح بإفلات الأسد وكبار المجرمين من العقاب، وربما يتم الإبقاء على بعض المؤسسات المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة بحق السوريين، كالأجهزة الأمنية.. وكل ذلك سيُبقي الجراح مفتوحة، والثقة غائبة، والصدور عامرة بالأحقاد والرغبة بالثأر.. ما يعني أن تعافي البلاد وعودة السلم الأهلي إلى ربوعها سيكون أمراً بعيد المنال، أما بالنسبة للمحاكم، فيما لو تقرر السير في طريق العدالة الانتقالية، فلابد من الاعتماد على المحاكم الدولية والمختلطة، بسبب ضخامة حجم الانتهاكات التي تحتاج إلى معالجة أولاً، وبسبب ضعف الجهاز القضائي السوري ثانياً، وولاء معظم قضاته إلى نظام الأسد ثالثاً.

مفهوم العدالة الانتقالية تعرض للتشويه

خالد الحلو
ورئيس المكتب التنفيذي لمجموعة تنسيق العدالة الانتقالية

القاضي
ورئيس المكتب التنفيذي لمجموعة تنسيق العدالة الانتقالية خالد الحلو حدد مفهوم
العدالة الانتقالية كما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم إلى مجلس
الأمن الدولي في 26 كانون الثاني لعام 2004 حول (سيادة القانون والعدالة
الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع) بأنه يشمل كامل نطاق
العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات
الماضي واسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدل وتحقيق المصالحة، وتشمل هذه
الآليات القضائية وغير القضائية على حد سواء، مع تفاوت مستويات المشاركة الدولية (أو
عدم وجودها مطلقاً) ومحاكمات الأفراد، والتعويض، وتقصي الحقائق، والإصلاح الدستوري،
وفحص السجل الشخصي للكشف عن التجاوزات، والفصل أو اقترانهما معاً.

ويرى
القاضي أن مصطلح العدالة الانتقالية من أكثر المفاهيم التي تعرضت للتشويه، بحيث
بات يعطي الانطباع أنه بسبب الحجم الهائل للانتهاكات وكثرة الضحايا والمتضررين
والعدد الكبير للمتورطين بها هو الذي جعل تطبيق العدالة بمفهومها المعروف غير ممكن
وبالتالي يتم اللجوء إلى العدالة الانتقالية، والحقيقة إن الحاجة للعدالة الانتقالية
لا يكمن بأن العدالة بمفهومها العادي غير ممكنة وإنما لأنها غير كافية، ويعتقد أنه
من غير الكافي وإن كان ممكناً أن تتعاطى مؤسسات العدالة بآلياتها المعتادة مع كل
قضية انتهاك علي حدة وإن طبقت أعلى معايير العدالة، فلا يمكن معالجة إرث الماضي من
الانتهاكات دون تقصي للحقائق وتحديد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ووضعها ضمن
السياق الذي حدثت خلاله لتشكيل ذاكرة جماعية للسوريين عما حدث ومعرفة الأسباب
الحقيقية للنزاع وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات ومحاسبتهم والمؤسسات التي ساهمت
بذلك وتطهيرها وإصلاحها لمنع تكرار ما حدث وإنصاف الضحايا وتعويضهم ووضع البرامج
اللازمة للتعافي وإعادة التأهيل ليتجاوز المجتمع آثار الماضي وتتحقق المصالحة بين
أطيافه وتحقيق الانتقال من نظام شمولي إلى دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان.

‏وأكد القاضي أنه رغم الحاجة إلى محاكم ذات طبيعة دولية إلا أن هذه
المحاكم لن تستطيع محاكمة سوى عدد محدود وسيكون العبء الأكبر على مؤسسات العدالة
المحلية.

معالجة إرث الماضي

محمد أنور مجني
عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع

القاضي السابق و عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني محمد أنور مجني عرف العدالة الانتقالية أنها كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدل وتحقيق المصالحة، وتشمل الآليات القضائية وغير القضائية من أجل معالجة إرث الماضي وما تضمنه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وحدد القاضي أهم آليات العدالة الانتقالية إضافة للآليات القضائية، بأنها لجان الحقيقة والمصالحة وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات وإحياء الذكرى.

وتأتي أهمية تطبيق العدالة الانتقالية كما يرى عضو اللجنة الدستورية من أنها مجموعة آليات تضمن الاعتراف بإرث الماضي والانتصاف للضحايا، وضمان منع التكرار. لذلك يجب أن يكون تصميمها وتحديد آلياتها منسجماً مع السياق الوطني بعد ضمان مشاركة مجتمعية واسعة تبني السردية الوطنية، التي يتم على أساسها تصميم برنامج العدالة الانتقالية الخاص بكل بلد.

هل تطبيق العدالة الانتقالية يحتاج إلى محاكم محلية أو دولية أم مختلطة:

ويعتقد المجني أن الآليات القضائية لا تشكل بمفردها أداة كافية لضمان المساءلة وإقامة العدل وضمان عدم التكرار، لذلك لابد أن يكون مترافقاً مع مجموعة آليات تضمن تحقيق العدالة الانتقالية، وتقوم الآليات القضائية بشكل رئيسي على القضاء الوطني الذي ينبغي عليه تحمل العبء الأكبر، حتى لو ترافق مع وجود محكمة دولية أو خاصة أو مختلطة، ذلك أن الكم الكبير من الانتهاكات لابد من التصدي له من خلال القضاء الوطني، ما ينبغي معه التركيز على إصلاح المؤسسات وبشكل رئيسي إصلاح السلطة القضائية.

تدابير قضائية وغير قضائية

رديف مصطفى
نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد

نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد رديف مصطفى قال: إن العدالة الانتقالية وفقاً لتعريفها تشير إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، في ظل الانتهاكات الجسيمة الممنهجة والواسعة النطاق والوحشية التي ارتكبها النظام السوري بشكل خاص سواء قبل الثورة أو بعدها والتي تندرج وفقاً للقانون الدولي تحت بند الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب. 

ويضيف مصطفى: إن أهمية تطبيق العدالة الانتقالية تكمن أولا في استعادة كرامة وحرية وحقوق الضحايا وجعلهم أولوية ثانياً في تحقيق أهداف العدالة الانتقالية رغم اختلافها من سياق إلى آخر ومن دولة إلى أخرى من خلال الملاحقات القضائية، جبر الضرر، إصلاح المؤسسات وتخليد ذكرى الضحايا.

ويرى نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد أن العدالة الانتقالية ومحاكمة المجرمين هي ضرورة في سوريا نظراً لحجم وخطورة الجرائم التي ارتكبت، سواء من قبل نظام العصابة الأسدية أو من قبل داعش والنصرة وقسد أو حتى بعض الفصائل التي نسبت نفسها للثورة. والعدالة هي التي يمكن أن تكون البديل الوحيد للانتقام والوسيلة الوحيدة لاستعادة البلاد والسلم الاجتماعي فيه واستعادة حرية وكرامة وحقوق المواطنين والحقيقة، إن أي تسوية سياسية أو عملية سلام في سوريا لن تنجح بمعزل عن العدالة والمساءلة ومحاسبة المجرمين. 

العدالة الانتقالية قطع مع الماضي المؤلم

عبدالرزاق الحسين
القاضي السابق والباحث في القانون الدولي وحقوق الإنسان

القاضي السابق والباحث في القانون الدولي وحقوق الإنسان عبدالرزاق الحسين عرف العدالة الانتقالية أنها مجموعة الإجراءات والتدابير التي تحتاج دولة ما إلى تطبيقها لمعالجة الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، ومن أهم هذه التدابير الملاحقات القضائية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات وإصلاح المؤسسات ومنها المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية، إضافة إلى برامج جبر الضرر لضحايا الانتهاكات وكشف حقيقة ما جرى عبر لجان الحقيقة وتخليد ذكرى الانتهاكات والفظائع.

وأكد القاضي السابق أنّ أهميّة تطبيق آليات العدالة الانتقاليّة تكمن في الحاجة إلى القطع مع الماضي المؤلم الذي تعرض فيه الناس لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان نتيجة حكم استبدادي أو نزاع مسلح أو حرب أهلية أو حتى احتلال خارجي، وهي تهدف إلى محاسبة مرتكبي الجرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم الحرب وضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل.

ويرى الباحث في القانون الدولي أنّ المتوقع من برامج العدالة الانتقالية الناجحة بناء دولة القانون والمؤسسات التي تعزز الحياة الديمقراطية وتبني السلم الأهلي وتعالج المشاكل التي نتجت عن غياب احترام الحقوق الأساسية للمواطنين.

ويعتقد الحسين، بما أنّ المحاسبة ومحاكمة مرتكبي الجرائم أوّل ما يتطلّع إليه الناس من خلال العدالة الانتقالية في بلادنا، نظراً لأنّ النظام القضائي السوري متهالك ويعاني الفساد والعجز فإنّ وجود محاكم دولية تستطيع محاكمة كبار المجرمين ضرورة واقعية نظراً لحجم الجرائم وتعقيد الوضع السوري وكثرة المتدخلين فيه، كما أن وجود محاكم مختلطة يمكن أن يساهم في إعطاء ثقة للجمهور في محاسبة عادلة، أما القضاء المحلي فإنّه يحتاج إلى شموله ابتداءً بالإصلاح المؤسسي ليؤدّي مهمته بنجاح.

الضرورة الحتمية للعدالة الانتقالية بتحقيق شروطها وظروفها، يدفع لإنهاء الصراع المستقبلي في سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد بين الأطراف كافة خاصة وأن الانتهاكات ارتكبت من الجميع ولكن تبقى حصة الأسد.. لشبيحة الأسد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني