fbpx

‎العالمان العربي والإسلامي.. مستنقع استبدادٍ وديكتاتوريات وديمقراطية مفقودة

0 491

‎لو استعرضنا خريطة الوطن العربي السياسية، وكذلك خريطة البلدان الإسلامية، لوجدنا بصورة شبه مطلقة، أن هذه البلدان تخضع لأنظمة ديكتاتورية واستبداد سياسي مريع، فسجون ومعتقلات هذه البدان تعجّ بالمعتقلين الذيم يختلفون بالرؤية السياسية والفكرية مع هذه الأنظمة.

‎قد يتساءل أحدٌ: هل قدر هذه الشعوب أن تبقى محكومة بطريقة قمع الحريات، وبهدر فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية؟.

‎الجواب على هذا السؤال الهام ينحصر بتحديد طبيعة الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية، فهذه الأنظمة جُلّها لم يصل الحكم عن طريق صندوق انتخابات حقيقي، وإنما عبر انتخابات صورية، تأتي بعد انقلابات عسكرية، تنفّذها الفئات العسكرية في هذه البلدان.

‎الانقلابات العسكرية هي فعلياً تعمل على قطع صيرورة التطور في هذا البلد أو ذاك، وباعتبار أن الفئة الحاكمة الجديدة لم تصل الحكم بمشروعية الانتخابات، فهي تستحدث أجهزتها القمعية لضبط أي حراك لا يتفق مع بقائها في السلطة، وهي في الآن ذاته، تعمل على جعل مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفكرية.. الخ خاضعة لإرادتها المتمثلة بالبقاء في السلطة، ولهذا فهي تضع الولاءات السياسية أو الشخصية للديكتاتور والحاكم المستبد بدلاً من الكفاءات العلمية والاختصاصات الإدارية الضرورية.

‎إن بنى المجتمعات العربية والإسلامية السياسية هي بنى تعتمد على نمط تفكير له علاقة بالغيبيات، التي يستغلها الاستبداد لتعميق تبعية العقل العربي والإسلامي له، انطلاقاً من مفاهيم لا علاقة لها بدرجة التطور، التي لحقت بهذه المجتمعات منذ الدعوة الإسلامية في صدر الإسلام، وهذا جعل مفاهيم خاطئة تستخدم في غير مفاهيم السياسة وإدارة المجتمعات، مثل أطيعوا أولي الأمر منكم، فهذا المفهوم الطاعة يستخدمه الديكتاتوريون والمستبدون بصورة مشوهة تتنافى مع جوهر الدين الإسلامي.

‎فالدين لا يقبل أن نطيع حاكماً ظالماً فاسداً، وهو أصلاً لم يكن ولي الأمر باختيارنا، إنما وصل للحكم بقوة العسكر وقوى الأمن. وهذا يعني ضرورة التحرر من المفاهيم الخاطئة والمضللة، التي يتقنّع بها هؤلاء الطغاة ومن يروّج لهم.

‎الديمقراطية لا تتنافى مع الدين إذاً، بل مع تحريف المفاهيم الدينية، ولهذا يقاوم المحرّفون إلى جانب الطغاة أي دعوة للحرية والديمقراطية لأنها تلغي أدوارهم وفسادهم واستئثارهم بالسلطة والثروات.

‎فالديمقراطية تسمح للناس بالتعبير عن خياراتهم السياسية التي ستحكمهم بإرادتهم، فصندوق الانتخابات يسمح بالتنافس الحر الشفّاف، ولا يسمح بالتزوير والتضليل وممارسة التخويف، وهذا يؤدي إلى إزاحة أنظمة الحكم الديكتاتورية والاستبدادية عن السلطة، ويفتح الباب أمام تنافس سياسي حقيقي أساسه برامج سياسية قابلة للتنفيذ، تختص بتطوير بنى المجتمعات على كل المستويات، مما يسمح بتنمية حقيقية في البلاد.

‎إن بقاء الاستبداد وأنظمة الحكم الديكتاتورية يعني منع أي تطور حقيقي في البلاد، فالمستبدون والديكتاتوريون يقاومون المبادرة الفردية في الاقتصاد والفكر والعلم وفي إدارة المجتمع، وهذا يسمح بعدم توفير فرص تطور ملموسة، مما يجعل المجتمعات تتخلّف أكثر فأكثر قياساً على المجتمعات الحرّة التي تتبنى الديمقراطية والحريات.

‎إن وجود قوى لها رؤى تختلف عن رؤى الحكومات في الأنظمة الديمقراطية، لا يجعل هذه القوى في حالة خوف من الاعتقال والتعذيب وتدمير النفس البشرية، في وقت تفعل ذلك أنظمة مستبدة جهراً، وهذا يرسّخ المفاهيم التبريرية في العقل المجتمعي، على مبدأ (اليد التي لا تستطيع كسرها قبّلها وفي سرك تمنى لها الكسر).

‎وفق ما تقدّم، نعتقد أن المجتمعات العربية والإسلامية لن تخرج من مأزق تخلفها والمرتكز على وعيها الغيبي إلا بتحرير عقلها من هذه المفاهيم، وفي الآن ذاته أن تكون مؤمنة بصورة عميقة بحرياتها السياسية والاقتصادية ومبادراتها الفردية في الخلق والإبداع.

‎إن ترجمة هذه الرؤية يعني الكفاح الفكري والسياسي للمفاهيم الاستبدادية، ويعني أيضاً العمل على الإطاحة بهذه الأنظمة المعوّقة للتطور الاجتماعي والإنساني.

‎كذلك، فإن تعرية أنظمة الطغيان المتسترة بمفاهيم دينية مزوّرة يعني فضح نهبها الاقتصادي للبلاد، ويعني فضح جرائمها أمام المجتمع الدولي، وتحديداً أمام قوى الديمقراطية، إن على بلدان المجتمع العربي والإسلامي التطلع قدماً لأفق التقدم والتطور الحضاري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي للعالم الحر لتلقف الجيد منها ولتبنيها.

هكذا برنامج بأنساقه الفكرية والإعلامية والسياسية، يحتاج بالضرورة إلى رافعة موضوعية له، هذه الرافعة هي سياسية بامتياز، أي من الضروري أن تحمل هذه الرؤى قوى ذات مصلحة حقيقية بالحريات والديمقراطية، هذه القوى تؤمن بحرية الإنسان وكرامته وبالديمقراطية، ويأتي في مقدمتها الليبراليات الوطنية، لأنها ترتبط جذرياً بحركة تطوير البنى الاجتماعية، وفي مقدمة هذه البنى، البنية السياسية تداولية السلطة عبر صندوق الانتخابات، والبنية الاقتصادية المرتبطة بحرية السوق وعدالة فرص العمل والإنتاج وشغل المناصب في الدولة والمجتمع على أساس الكفاءة وليس الولاء.

إن أساس التطور الحضاري لأمة ما هو التقدم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ولابد أن يرتكزا على أسس سياسية وقيادية سليمة وصحيحة ذات قيم وطنيه تقدمية رفيعة تؤمن بها الأمه وقادتها، ولكي يتحقق ذلك لابد من الارتكاز على التقدم الفكري والثقافي لهذه الأمه، فعملية بناء حضارة الأمه ترتكز على فكر مفكريها ومثقفيها وعقولهم الطامحة، وهذا بالتالي يستطيع أن يولد ويؤسس للتقدم السياسي والاجتماعي والذي يتبعه التقدم الاقتصادي وبناء حضارة هذه الأمة. فليس هناك تقدم حضاري، اقتصادي واجتماعي حقيقي ومستدام دون تحقيق التقدم السياسي الذي حتماً ينبع من التقدم الفكري والثقافي لأبناء هذه الأمة.

فهل هناك فرص للإطاحة بأنظمة الاستبداد والديكتاتوريات؟ وهل يمكن تغيير نمط التفكير الغيبي بنمط تفكير يعتمد على المحاكمة العقلية، ويعتمد على آخر تطورات العلوم بشتى مجالاتها؟.

‎الجواب هناك إمكانية لذلك، لأنها ضرورة تاريخية لهذه الشعوب والمجتمعات، هذه الضرورة، لن تحملها إلا قوىً تعتبرها وجوداً لها في هذا العالم المتبدل دائماً، ضرورة تاريخية لنهوض المجتمعات العربية والإسلامية، تستند على الخلاص من قوى الاستبداد وأنظمة الديكتاتوريات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني