fbpx

الشاعر السوري إبراهيم اليوسف
في” أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت

0 264

صدرت للشاعر إبراهيم اليوسف، عن دار الدليل للطباعة والنشر- برلين/ألمانيا، مجموعته الشعرية” أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت” في حوالي 140 صفحة من القطع المتوسط. لوحة الغلاف للطفل شيا أيهم اليوسف، وتتضمن يوميات الشاعر وأسرته في ظل فترة الحجر الصحي العام، من خلال نصوص مكثفة، تتراوح بين بضع مفردات أو عشرات المفردات لاأكثر، أو نصوص مفتوحة، كتبها كلها إلا نصاً واحداً منها – كتبه في أصغر أفراد الأسرة – في وقت سابق لزمن كورونا، ويعد كامتداد لهذه النصوص ذاتها. استهل الشاعر مجموعته بإهداء مكثف إلى والديه: 

إلى والديّ، أيضاً:

عبدالوهاب الشيخ إبراهيم

أمينة شيخ حسن

ليس لأحد في هذا العالم أن يدرك قولي لكما:

لم تكونا مجرَّد أبوين استثنائيين!

ثم يورد مفتاحاً أول لمجموعته هو:

بريق ذلك المفتاح الذي منحته إياه

يتوزعُ بين أوراق روزنامة البيت..!

“مفتاح إلكتروني”

ليقدم بعد – هذا المفتاح الإلكتروني – لمجموعته بنفسه، وكأن حالة العزلة فرضت عليه الاكتفاء بإضاءاته الشخصية على نصوصه هذه، وقد جاءت مقدمته هذه بعنوان: لماذا الأسرة؟ لماذا البيت”. ومن عناوين نصوص المجموعة” -المخيلة: شيفرة – طائرُ يفكُّ الحجرَ الصحيَّ -2- الكيميائي الصغير- جرس الباب – عبدالوهاب – أمينة – مكرمة – الأحفاد – شَيَّا – سرود – تيلي – كاروج – شايان – روها – ياشا – يوسف – ساي – بريسكا – أيهم – نوشين-كرم-فائق-آراس-هلبست-هلز-أيان- ليلون-قف لاتصافح: نصوص ميكروسكوبية-أجراس-خلف الخط الحديدي: قطار الشرق السريع- مكالمة جماعية: سيرة الشجرة- احتضار تل-أطلال-أطلس الدار-في المعرض الأول لأيان-رسومات

استطاع الشاعرأن يخرج النصوص من دائرتها الخاصة، إلى فضائها العام، رغم أن أغلب النصوص قد عنونت بأسماء أشخاص وأمكنة خاصة به، ومن محيط أسرته ومحطات ذكرياته، جاء في نص” طائرُ يفكُّ الحجرَ الصحيَّ”:

ليس ثمَّة عالم خارج الغرفة

بقايا الأسرة الكبيرة

كلُّ في غرفته

كتبي المكوّمة أنفض عنها النعاس

آخر أخبار مسلسل الخوف

تنشرها الشاشات

التلفزيون

الكمبيوتر

الهاتف

أثيرُالمدينة الكبيرة

أعداد فرائس الفيروس

الموتى

مودعو المستشفيات

عدو لا مرئيٌّ لا يهدأ

بين الأصابع

على ثياب النَّوم 

 على الطاولة

بلاط الغرفة

وفي الممرَّات

أجنحته معلَّقة في الهواء

طائراً نحوك

شارع ٌ متكوَّر

 لا مارة ولاسيارات

نافذتي مفتوحة

كمامتها الشفافة

ثمَّة طائرٌ شجاعٌ

يغرِّد منذ الرابعة فجراً

على غصن الشجرة القريبة

ليس من عالم خارج الغرفة

إلا شبح خفيٌّ

يصرخ:

ابقوا هكذا في بيوتكم أيها الفرسان!

وقد سوغت مقدمة المجموعة أسباب الكتابة عمن هم مقربون، لأنهم كانوا إما يعايشونه ضمن حدود حجرات البيت، أو من بعض أبنائه وأحفاده. خارج عش البيت الكبير. بيت الجدة والجد، يقول:

خيل إليَّ، وأنا أكتب في اتجاهات عدة، حول كورونا أن أخصَّ من أنا على تماس أكبر معهم، يومياً، في البيت، أو على النطاق الافتراضي، بنصوص، تتناولهم، ورحت أكتب مثل هذه النصوص التي لقيت استحسان بعض من حولي، ونقد آخرين، لأجد أن ملامح هذا الكشكول الأوليِّ تتضح، تدريجياً، يوماً بعد يوم، فكانت هذه النصوص في الكائن الأقرب إلي، خلال زمن الجائحة، والمكان الذي يضمُّنا، بل سلسلة الأمكنة التي مررنا بها، وكانت عناوين لنا ذات يوم!

ليس لدي، أية رغبة في تشريح ما أكتب، لاسيما عندما أكون في موقع التقديم لتجربة جديدة، إلا في إطار إضاءة هذه التجربة، والحديث عما هو بعيد عن النص. عن دوافع كتابته. عن طبيعة زمن الكتابة. عن الأشخاص الذين تناولتهم – كما أفعل هنا – وسبب ذلك، لأترك الرأي النقدي لأهله، لاسيما إنني لا أعوِّل على هذه النصوص، إلا وهي صورة طبق الأصل عن أحوال أسرة عادية، في زمن كورونا، ولكن من خلال شكل كتابي آخر، لا يغامر، عادة، بتناول ما هو جد خاص، لأقدم أسباب هذه الكتابة.

لم يتخل الشاعر عن فنتازيا العنونات أو سواها، كما الإهداء الذي استهل به مجموعته” عويل رسول الممالك” 1992، إذ قال: إلى “………………” لا داع لذلك، لطالما البياض يشي بك!

إذ يسمي فهرس العناوين: تضاريس: المكان والكائنات، ويسمي قائمة إصداراته: إبراهيم اليوسف: ذرية وسلالات!

كما أن لفتته، في نشر بعض رسومات أحفاده، في فترة- الحجرالصحي- متوائمة مع عوالم المجموعة، يقول في نص” بيت تل أفندي”

لكم آلمني مشهد فيديو جديد وصلني:

بيتنا الذي كنت أراه عالياً

تبحث شقيقتي عن أثره بلا جدوى!؟

تشير بإصبعها إلى أرض مستوية

يقولون: كان بيتكم هنا!

أربع وأربعون سنة فحسب

مرَّت على ذلك….

أعاين شاشة الهاتف

ينهض البيت من وحله وأعمدته وقشِّه

والجدير بالذكر، لقد كتب كلمة الغلاف الأخير خورشيد شوزي ومما جاء فيها:

تشكل نصوص مجموعة” أطلس العزلة: ديوان الأسرة والبيت” بداية تجربة جديدة، لدى صاحبها، إذ إنها ابنة مرحلة صعبة جداً، نمر بها، كما العالم كله، حيث اضطررنا لأن نتجرع مرحلة حياتية جديدة، ضاق بنا العالم خلالها، وغدونا أسرى بيوتنا، وقلقنا، ومخاوفنا، ولم يدع الشاعر هذه الفترة تمرإلا واستثمرها، على طريقته، إذ ملأها بكتابات أجدها مختلفة عما قرأت له من نصوص إبداعية خلال مجموعاته التي تنوس ضمن إطار الحداثة، ليحاول ألا يشبه ذاته، وألا تتقاطع نصوصه التي تضمنتها المجموعة مع ما سبق وكتبه من قبل، ولعل من أول ملامح الاختلاف التي يمكن تسجيلها الإغراق في البساطة، والتحليق في فضاءات ماهو سهل ممتنع، بالإضافة إلى أننا نراه ولأول مرة أكثر استغراقاً في مناخات أسرته. نعم، العائلة، إذ يكتب عن والديه. أخواته وأخوته وزوجته وبناته وأبنائه وحفيداته وأحفاده ومقربين آخرين من العائلة ذاتها ما يجعلنا في مواجهة حميمية مغايرة تعطي لهذه النصوص بعداً آخر آسراً.

 

*أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت 136 صفحة من القطع المتوسط- دار الدليل للطباعة والنشر- برلين- ألمانيا 2020- 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني