fbpx

الديناميات الإقليمية في الشرق الأوسط: سياسات إيران، تركيا، وإسرائيل وتأثيراتها الإقليمية والدولية

0 216

إيران: بحث عن النفوذ والتأثير

بعد سقوط بغداد والاطاحة  بصدام حسين عام 2003، بواسطة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الغزو العسكري للعراق في عملية الحرية الثابتة (Operation Iraqi Freedom)، شهدت المنطقة تحولات جذرية في توازن القوى. ظهرت إيران بسرعة كقوة إقليمية فاعلة تأخذ دوراً محورياً في الشؤون الإقليمية، وذلك بفضل عدة عوامل مترابطة.

أولاً، بعد فشل الولايات المتحدة في إدارة شؤون العراق من كل النواحي الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والأمنية، استغلت إيران الفراغ السياسي الناتج عن الإطاحة بالنظام العراقي السابق، ولتعزز نفوذها في العراق، وبات لها تأثير كبير في صنع القرار السياسي والتوجيه الديني في البلاد. هذا التأثير جعل من إيران شريكاً أساسياً في السياسة العراقية، مما ساهم في تعزيز دورها الإقليمي.

ثانياً، استفادت إيران من تغييرات الديموغرافيا والميول الدينية في المنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث تمكنت التيارات الشيعية الموالية لها من السيطرة على السلطة في العراق، مما أضفى على إيران مكانة استراتيجية في المنطقة. هذه السيطرة على السلطة في العراق جعلت إيران تمتلك تأثيراً كبيراً في توجيه السياسات العراقية وتحديد مسارها المستقبلي.

ثالثاً، توجد علاقة معقدة بين إيران والولايات المتحدة، حيث شهدت العلاقات بين البلدين تقارباً وتباعداً على مر السنين. في بعض الأحيان، تعاونت الولايات المتحدة وإيران في مواجهة تحديات مشتركة مثل تنظيم القاعدة في أفغانستان، في حين تصاعد التوتر بينهما في قضايا أخرى مثل البرنامج النووي الإيراني. هذه العلاقة المتوترة  بين الولايات المتحدة وإيران أدت إلى تشكيل حالة من التوتر والتقارب بين البلدين، مما أثر على الديناميات الإقليمية وظهور إيران كقوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط.

تركيا: سعيٌ للتعاون والتأثير

  • تركيا: من الإمبراطورية إلى القوة الإقليمية

ترسّخ دور تركيا كقوة إقليمية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية فيالربع الأول من القرن العشرين، ولكن لم تظهر بشكل بارز في المنطقة إلا في العقود الأخيرة. بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت تركيا تحولات هامة اقتصادياً وسياسياً، حيث بدأت تعزز اقتصادها وتحسن علاقاتها الدولية.

شهدت تركيا تحولاً هاماً في سياستها منذ تولي الرئيس رجب طيّب أردوغان الحكم عام 2002، مما أدى إلى تعزيز دورها الإقليمي. استخدم أردوغان سياسات خارجية نشطة، بما في ذلك دعم المعارضة في سوريا والمشاركة في محاولات التوسط في النزاعات الإقليمية.

تركيا استفادت من الفراغات الناجمة عن النزاعات في المنطقة، لتعزز تواجدها الإقليمي وتعزيز تأثيرها،وقامت بتعزيز علاقاتها الدولية وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والعسكري، عملت تركيا على ترسيخ علاقاتها مع دول الجوار والقوى العالمية الأخرى، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والعسكري لتوطيد مكانتها الإقليمية.

ومع جهودها المستمرة لتطوير بنيتها التحتية وتعزيز قدراتها الاقتصادية، أصبحت تركيا قوة إقليمية فاعلة تلعب دوراً مهماً في السياسة والاقتصاد والأمن في المنطقة، مما يعكس تحولاً كبيراً في مكانتها على الساحة الدولية.

تحول إسرائيل إلى قوة إقليمية: العوامل والمؤثرات

  • بعد حرب عام 1973 وتحييد مصر عن الصراع العربي الإسرائيلي، أصبحت إسرائيل أقوى دولة إقليمية مهمة.
  • فقد تطور قطاع التكنولوجيا والابتكار في إسرائيل بشكل كبير، مما جعلها تلعب دوراً هاماً في الابتكار التقني والتطوير في مجالات مثل التكنولوجيا العسكرية والطبية والزراعية والتكنولوجيا الخضراء.
  • كما تمتلك إسرائيل قوة عسكرية كبيرة وتقنيات عسكرية متطورة، مما يجعلها لاعباً رئيسياً في تحقيق التوازن العسكري في المنطقة.
  • إضافه الى ذلك تتمتع إسرائيل بعلاقات دولية وثيقة مع العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مما يسهل لها التأثير في السياسات الدولية والإقليمية.
  • و تقوم إسرائيل بتطوير علاقات استراتيجية مع دول في المنطقة مثل مصر والأردن، بالإضافة إلى التحالفات غير المعلنة مع دول أخرى مثل السعودية والإمارات، وهذه التحالفات تعزز دورها كقوة إقليمية.
  • كذلك شهدت إسرائيل تطوراً اقتصادياً كبيراً على مر السنوات، مما جعلها قوة اقتصادية هامة في المنطقة، وتساهم القوة الاقتصادية في تعزيز التأثير السياسي والعسكري.

السياسة الإقليمية: إيران وتركيا وإسرائيل في المنطقة

بعد ثورة الخميني عام 1979، انتهجت سياسة تصدير الثورة الخمينية إلى المنطقة العربية المجاورة، وشكلت تهديداً لإسرائيل من خلال دعمها للميليشيات والمنظمات المعادية لها.

إيران، كقوة إقليمية في الشرق الأوسط، سعت إلى توسيع نفوذها الفارسي نحو المنطقة العربية، وذلك عبر استغلال مظاهر المظلومية الشيعية التي استمرت لقرون طويلة، والتي لا تزال تستخدم لتجنيد وتحريض الشباب لصالحها. يتجلى ذلك بوضوح من خلال وجود الميليشيات المتعددة الطائفية في سوريا والعراق ولبنان.

وتسيطر إيران اليوم على عدة عواصم عربية مهمة مثل بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وتقدم الدعم العسكري والمالي المستمر لأذرعها في هذه العواصم لسنوات عديدة وحتى الآن، رغم العقوبات الامريكية والاوربية، مما يُظهر قوتها كدولة إقليمية مؤثرة في المنطقة. هذا الدور يثير قلق إسرائيل بشأن تمدد المشروع الفارسي باتجاهها، مما يهدد وجودها كدولة وكيان، ويشكل تحدياً للمصالح الإقليمية والدولية.

سياسة تركيا اعتمدت على تصفية المشاكل مع الجيران، بالإضافة إلى تطوير علاقات دبلوماسية مع إسرائيل والانضمام إلى الحلف الأطلسي الذي فتح الباب أمامها لتوسيع نفوذها الدولي والإقليمي. كما ساهم انضمامها للحلف في توفير الظروف الملائمة لتعزيز قدراتها العسكرية واستيراد الأسلحة المتطورة. بالإضافة إلى ذلك، عملت على التنمية الداخلية وتحسين الاقتصاد، ودخلت في العملية الديمقراطية من خلال الانتخابات.

ومع صعود حزب العدالة والتنمية، الذي لعب دوراً مهماً خاصة بعد الثورة السورية في عام 2011، استطاعت الحكومة التركية أن تواكب حقوق الشعب السوري ضمن إطار مفهومها السياسي الجديد. كما نجحت في رسم مسار للعلاقات مع روسيا وإيران ضمن شروط محددة، مما جعلها تظهر كدولة إقليمية مهمة.

على الرغم من تدخلها في العديد من المناطق مثل سوريا وليبيا وأوزبكستان وغيرها، ومع ذلك هذه التدخلات لم تثر أي مشاكل دولية أو ردود أفعال سلبية تجاهها. ولعبت الحرب البوتينية على أوكرانيا دوراً مهماً في إبراز تركيا كدولة مؤثرة دولياً، حيث نجحت في أن تكون وسيطاً في تصدير قمح أوكرانيا إلى العالم.

نجاح إسرائيل في استغلال الوضع العربي بعد الثورة المضادة للربيع العربي للتطبيع مع العديد من الدول العربية.

بعد الربيع العربي وانهيار بعض الأنظمة بسبب هذه الثورات، كُشفت الأنظمة السابقة على شعوبها أنها لم تكن تسعى بالفعل لدعم الشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه المشروعة كما كانت تدعي، بل استخدمت القضية الفلسطينية كذريعة لاستمرارها في احتكار السلطة.

في هذا السياق، تمكنت مجموعات الثورة المضادة من العودة إلى السلطة بعد فشل السلطات ذات الاتجاه الإسلامي الناتجة عن الثورات في فهم اللعبة السياسية وفشلها في إدارة الدولة، وكانت مصلحتها أي الثورة المضادة الرئيسية هي مصالح براغماتية أنظمة فارغة المحتوى.

بعد ذلك، لعبت الولايات المتحدة دوراً فعالاً في تعويم إسرائيل وفتح الباب أمام علاقات واسعة مع العرب، مثل الاتفاق بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في عام 2020، الذي جعل الإمارات ثالث دولة عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل، بعد مصر في عام 1979 والأردن في عام 1994.

ومع كل هذه النجاحات، أوقفت عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023  التي نفذتها حماس ضد اسرائيل كل عمليات التطبيع مع إسرائيل، والتي أدت إلى هز كيان إسرائيل بشدة ودفعه لرد فعل عنيف تجاه غزة. كما أعادت هذه العملية قضية الشعب الفلسطيني إلى صدارة الاهتمام الدولي، وأكدت على أهمية حل الدولتين كحل دائم لتحقيق السلام في المنطقة والعالم. وكشفت عملية طوفان الأقصى أيضاً عن تهديد ايران، وميليشياتها الطائفية المنتشرة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان لوجود إسرائيل. وأظهر الرد العسكري الإيراني، وفقاً لقناة سي إن إن الأميركية، جاهزية إيران العالية وطموحها الجامح في استعادة مكانتها كإمبراطورية فارسية، حيث وصف الهجوم الإيراني بأنه أكبر هجوم في تاريخ البشرية باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على الغارة الجوية الإسرائيلية في أبريل 2024، الذي أسفر عن مقتل 16 شخصاً بينهم قائد كبير في فيلق القدس.

الخلاصة فلسفة السياسيات

إيران، تركيا، وإسرائيل، هي القوى الثلاث الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتباين سياساتها وتعاملها مع محيطها لإظهار قدراتها ومكانتها الإقليمية وأدوارها على المستوى الدولي.

  • السياسات الإسرائيلية:
    • تركز سياسة إسرائيل على تحقيق الأمن القومي والحفاظ على استقرارها في وجه التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة.
    • تتبنى إسرائيل سياسات تكنولوجية وعسكرية متقدمة، تهدف إلى تأمين مكانتها كقوة عسكرية رئيسية في المنطقة.
    • تسعى إسرائيل لتعزيز التحالفات مع الدول الإقليمية والدولية لمواجهة التهديدات المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
    • التمسك بالمواقف الصهيونية وتعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
  • السياسات التركية:
  • تسعى تركيا إلى تعزيز دورها كقوة إقليمية ناشطة في المنطقة .
  • إعادة بناء دورها كقوة إقليمية وإسلامية في المنطقة.، وذلك من خلال ما تلعبه من دور في الشؤون الإقليمية مثل سوريا وليبيا.
  • تبحث تركيا عن فرص لتعزيز تأثيرها السياسي والاقتصادي، وتطوير العلاقات الثنائية مع دول المنطقة وخارجها.

السياسات الإيرانية:

  • إيران تتبنى سياسات توسعية في المنطقة، تهدف إلى تعزيز تأثيرها الإقليمي وتحقيق أهدافها الجيوسياسية.
  • تحاول إيران تعزيز نفوذها من خلال دعم الميليشيات والمنظمات الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
  • تثير سياسة إيران التوترات مع دول الجوار، خاصة مع إسرائيل والسعودية، مما يزيد من التوترات الإقليمية.
  • التحدي للقوى الغربية وتعزيز التأثير الإيراني في الشؤون الدولية.

بالنهاية، تُحمل سياسات الدول الثلاث في طياتها صراعاً على الزعامة الإقليمية، حيث تتعامل كل منها مع محيطها بطرق مختلفة لإظهار قوتها وتأكيد مكانتها الإقليمية. تلعب هذه الدول دوراً مهماً على الصعيدين الإقليمي والدولي في توجيه المنطقة وتوجيه التطورات السياسية والأمنية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني