fbpx

الخجل عند الأطفال

0 291

تختلط بعض المصطلحات والمفاهيم النفسية مع بعضها بعضاً. ومنها الخجل والحياء هل هما متطابقان؟ هل هما مختلفان؟ هل هما متقاربان؟ لماذا الحياء عندنا نحن الشرقيين صفة مرغوبة ومحببة؟ وخصوصاً عند الإناث.

من هو الطفل الخجول؟ وهل الخجل خاصة سيكولوجية ثابتة؟ أو مكتسبة من التربية؟ وهل يمكن معالجتها وتعديلها؟ لماذا يصبح الطفل خجولاً؟ ما هي الأساليب التربوية السليمة للتعامل مع الطفل الخجول؟

كثيراً ما نرى بعض الآباء يأمرون طفلهم الخجول بأن يكون مقداماً جريئاً.. كما لو أن الطفل بيدهم أداة طيعة لتنفيذ الأوامر، غير مدركين أنهم بهذا يهدمون شخصية الطفل ويزداد خجلاً..

بينما نرى في الوقت نفسه بعض الآباء يعرفون الطرق الصحيحة للتعامل مع الطفل الخجول ويشجعونه ويوجهونه التوجيه السليم فينجحون في بناء شخصيته بناءً سليماً خالياً من العقد والمشكلات النفسية.

من هو الطفل الخجول؟

يحدث الخجل عند الطفل كانفعال معين بعد سن الثالثة من العمر تقريباً ومن فترة لأخرى بمناسبة أو موقف من المواقف. ويرافقه مظاهر تتجلى باحمرار الوجه والإحساس بالضيق والتوتر والقلق واضطراب الأعضاء ومحاولة الهروب والاختفاء عن أنظار الموجودين، كأن يخبئ الطفل عينيه ويغلق أذنيه حتى لا يسمع شيئاً ويدفن رأسه في حضن أمه ليتجنب ملاحظات الآخرين وانتقاداتهم أو تعليقاتهم.. وغالباً ما نلاحظ أنّ الطفل الخجول طفلٌ غير آمنٌ، تنقصه المهارات الاجتماعية، ويفتقر إلى الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، مترددٌ، لا مبالياً، منطويٌ على ذاته غير مستقر، يخاف بسهولة، يتجنب الألفة والمبادرة والدخول في المغامرات الاجتماعية والاتصال مع الآخرين فلا يبدي اهتماماً بهم أو بالتحدث إليهم، ويشعر بالاختلاف والنقص وعدم الارتياح الداخلي ويحاول دائماً الابتعاد عن الاندماج أو الاشتراك مع أقرانه في نشاطاتهم ومشاريعهم في المدرسة لخوفه من تقييمهم السلبي له واعتقاده بأن الآخرين سينقدونه ويفكرون به على نحو سيء. وغالباً ما يكون خوفه مصحوباً بسلوك اجتماعي غير مناسب يتصف بالارتباك وقلة الكلام مما يحول دون استمتاعه بالخبرات الجديدة أو الحصول على الثناء الاجتماعي من قبل معلميه وأصدقائه والذين بدورهم يتجنبونه على الأغلب.

لماذا ينشأ الطفل خجولاً؟

يعود خجل الطفل الشديد إلى فقدان الإحساس بالأمن والطمأنينة الكافية وإلى إتباع الوالدان أساليب عشوائية في تربيته والتي تظهر في نماذج مختلفة.. كاستخدام أساليب القسوة واللوم المتكرر والشدة الزائدة على الطفل في أن يكون مهذباً، والإفراط في توجيهه وإرشاده، أو إهماله وعدم الاكتراث به، أو عدم الثبات في معاملته والتأرجح (تارة بين الحزم غير العنيف وتارة التعاطف والتساهل جداً أو العقاب بعنف)، أو توجيه النقد الزائد له والبحث عن أخطائه والسخرية من عيوبه والإكثار من توبيخه وتأنيبه لأتفه الأسباب وتصحيح أخطائه بأسلوب قاس وعلى نحو متكرر وخصوصاً أمام الآخرين، مما يزيد من شعوره بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً صحيحاً ويتوقع دائماً الاستجابات السلبية.. ويؤدي ذلك بالطفل إلى مزيد من مشاعر القلق والخوف ويدخله عميقاً في دائرة الخجل والاضطرابات النفسية.

وأيضاً من الأسباب التي تجعل الطفل يفقد الشعور بالأمن: العناية الزائدة به أو إفراط الأهل بحمايته، ويأخذ ذلك أشكالاً متعددة.. كرغبة الأم باعتماد طفلها عليها في المأكل والمشرب وقضاء الحاجة وتنظيف الجسد، أو عدم إتاحة الفرصة له بالخروج مع أصدقائه في نزهة واللعب معهم خوفاً من وقوع الأذى عليه أو حتى لا يكتسب السلوكيات السيئة من قبل الآخرين وغيرها من مخاوف قد تجعل الطفل اتكالياً، سلبياً غير فاعل، فرصته في المغامرة محدودة، فاقد الحيوية والنشاط المبدع مما يجعله ضعيف التكيف والانسجام مع الآخرين ومع ذاته أحياناً.

أيضاً هناك ممارسات والدية خاطئة أخرى تعزز الشعور بالخجل عند الطفل كمعاملة الطفل الذكر معاملة الأنثى في الشكل والممارسة والعكس بالنسبة للأنثى.. إضافة إلى أمور تتعلق بوجود إعاقة جسمية لدى الطفل والتي تجعل الأطفال الآخرين يتجنبوه أو وجود تلعثم عنده وضعف قدرته على التعبير أو وجود أهل خجولين، أو الحديث أمام الطفل عن الآخرين بطريقة سلبية مما يزرع الخوف عنده فيخشى الآخرين ويبتعد عنهم.

كل الأساليب السابقة منفردة أو مجتمعة يمكن أن تؤدي إلى شعور الطفل بالدونية وعدم الأمان وتجعله يعيش بتوتر وصراع وانطواء ورغبة في تقليص الصلة بينه وبين الناس والبعد عن النشاطات والحركة والاندماج الاجتماعي.. مما ينعكس سلباً على صحته النفسية والصحية وعلى تحصيله الدراسي وتكيفه وانسجامه.

كيف نتعامل مع الطفل الخجول؟

يمكننا تخفيف حدة مشاعر الخجل الشديد والحساسية العالية عند الطفل وإعادة ثقته بنفسه وتصحيح فكرته عن ذاته وتنمية مهارات اجتماعية إيجابية لديه من خلال ما يلي:

  • توفير مناخ عائلي للطفل يسوده الشعور بالأمن والثقة والمحبة والوفاق الأسري.
  • إشعاره بالتقبل والحب والتقدير والصداقة والإنصات له ليفصح عما في نفسه من مشاعر غضب وقلق ومخاوف وهواجس ومحاولة إيجاد الحل لها، كل ذلك بحب واحترام ومرونة.
  • الإصغاء إلى أفكار الطفل ومشاعره وآرائه ومتطلباته وقصصه ومحاولة فهمها لدى التعبير عنها ومناقشته بابتسام ولطف.
  • الابتعاد عن استخدام الأساليب السلطوية وعبارات الغضب والتأنيب والتهديد والمهانة من مثل (إياك أن تحدث أباك عن…) أو (لا أريد سماع صوتك) (أنت مزعج، متعب، بليد..) وغيرها من كلمات قد تثير القلق وتزيد من خجله.
  • عدم مقارنته بأخوة أو أصدقاء أفضل منه من حيث القدرات والاستعدادات.
  • تشجيع حب الاستقلالية والاعتماد على النفس بشكل تدريجي عند الطفل الخجول والتقليل من حمايته الزائدة أو الاستمرار في تدليله وذلك لكي يستعيد ثقته بنفسه.
  • تعليمه التصرف بالطريقة المناسبة لعمره.
  • إتاحة الفرصة للطفل ليقول ويدخل ويعيش مواقف يستطيع النجاح فيها.
  • تعليمه التعامل والتكيف مع مزاح الآخرين وإغاظتهم بدرجة بعيدة عن الحساسية المفرطة.
  • تشجيعه على زيارة ومشاركة أصدقائه في النزهات والرحلات واللعب معهم وعلى تطوير مهاراته من خلال إتاحة الفرصة له للانتساب إلى إحدى النوادي لتنمية هواياته ومواهبه في (الرسم والموسيقى و…). وذلك بهدف التقرب والاختلاط وتدعيم تفاعله مع الآخرين أثناء قيامهم بنشاطات متنوعة.. أي: تشجيع الطفل الخجول على الاندماج في العلاقات الاجتماعية رغم توقعات الأهل المنخفضة عنه بهذا الشأن وتشجيعه على التعبير عن خيبته أو فشله في بعض المواقف كي لا تتراكم المشاعر المحبطة في داخله وتسبب له مزيداً من القلق، وتدعيم خطواته وتشجيع مبادراته ومكافأته على أعمال أو مهمات تحداها وأنجزها بمفرده أو على قيامه بسلوكيات اجتماعية حسنة.
  • محاولة إفهام الطفل (مفهوم العلاقات الاجتماعية) إن أمكن، كيف يفكر ويشعر ويسلك الآخرون وكيف أن الصديق الجديد قد لا يتقبله الناس ببساطة وأنه من الطبيعي عدم التوافق مع كل الأشخاص.
  • المساواة بين الأطفال الذكور والإناث في المعاملة وتشجيع (البنات) على أخذ المبادرة وإبداء الرأي.
  • استخدام أساليب العقاب الموجهة والبعيدة عن الضرب بقصد تعديل سلوك معين عند الطفل أو تصويبه.
  • التعاون مع الأخصائي النفسي أو المرشد المدرسي في التعرف على حاجات الطفل ودوافعه ومصادر خجله ودراسة حالته وظروفه من جميع النواحي الصحية والاجتماعية ومساعدته على مواجهة أسباب الخجل مواجهة واقعية، وتنمية نواحي الضعف وتعزيز الجوانب القوية والمميزة عنده بدلاً من انتقاد نقاط ضعفه وإبرازها وخاصة أمام الآخرين. بل إعطاء صورة للطفل الخجول عن كيفية تصرفاته وأدائه الاجتماعي والطريقة التي يجب أن يتعامل فيها مع الآخرين مما يساعده على معرفة مستوى مهاراته الاجتماعية وتشجيعه على تطويرها بطرق مختلفة. ومساعدته على الاسترخاء للعمل على الخفض التدريجي للحساسية من الاستجابات للمثيرات المسببة للقلق.
  • توفير الظروف الملائمة للتلاقي مع أصدقائه، وتدريبه على تنمية مهارات اجتماعية إيجابية تساعده على بناء علاقات خارج إطار أسرته (وذلك من خلال اللعب وقراءة القصص… الخ).
  • عدم تكليف الطفل بأعباء تفوق قدراته العقلية واللفظية والجسمية بل يجب تكليفه بالأعمال التي يشعر بأنه قادر على القيام بها وتشجيعه عليها ليكسبه شعوراً بالأهمية والتقدير. وتكييف توقعات الوالدين لدى ملاحظتهما سلوك طفلهما الاجتماعي الخجول في مناسبات معينة وذلك حسب إمكانياته وقدراته الاستيعابية والسلوكية وشخصيته ويفضل التريث وعدم توجيه النقد له ومضايقته.
  • تدريب الطفل على التفكير الإيجابي وتعديل معتقداته حول أن يكون كاملاً وجعله يتحدث عن نفسه بطريقة إيجابية.. مثل أنا جريء، أنا اجتماعي.
  • التعاطف مع الصعوبات التي يواجهها ومساعدته بتقديم الاقتراحات البديلة له في كيفية التعامل مع المواقف الصعبة بالنسبة له.
  • تنبيه الطفل إلى أخطائه على انفراد دون تعريضه لمواقف الخجل أمام أخوته وأصدقائه وعدم إبداء الحساسية الزائدة لتعليقات الآخرين عليه.
  • تعليمه الفرق بين الحياء والخجل الشديد وعدم التحدث عن سلوك الخجل الزائد على أنه سلوك محبب ومهذب.

هذا ويمكن للأهل استخدام ألعاب، مثل، ( الورق والرسومات ولعبة الشطرنج) فهي مثيرة ومشجعة للطفل في التعبير عن نفسه وتطوير مهارات الاتصال لديه وسرد القصص والحكاية الشعبية (سيرة الزير سالم، وعنترة العبسي، والشاطر حسن… إلخ) واللعب بالتمثيل مع طفلهم الخجول (كأن نجعل الطفل الخجول يمثل الدور الأكثر شعبية ويقوم بدور المضيف، والأم أو الأب مثلاً بدور الضيف الصامت ويطلب منه استقبالهم والتحدث معهم بهوايات أو أشياء يحبها وتثير اهتمامه) وبذلك يجرب بعض السلوكيات والمهارات الاجتماعية، ويمكن إعطاؤه بعض الاقتراحات المشجعة على تطوير مهاراته.

وانطلاقاً من هذا لا يفوتنا القول بأن الدور الذي يقوم به الوالدان على جانب كبير من الأهمية في تنمية شخصية الأبناء وحمايتهم أو معالجتهم من الخجل لكن يتوقف نجاح هذا الدور على مدى التوافق بين الأم والأب حول أسلوب واحد للتربية في البيت فالتوجيه السليم والثقافة المتزنة لدى الوالدين تتيح الفرصة للطفل ليعبر عن قلقه ومخاوفه وإحباطا ته في جو عائلي دافئ مليء بالمحبة وبالتالي تشجّعه على إقامة علاقات طيبة وطبيعية مع الآخرين والتحدث معهم وطلب الجواب منهم ومداعبتهم والتسامح معهم.

البيئة والوراثة والخجل

لا شك في أن العائلة هي الأساس الذي يكون له الدور الكبير في تكوين الشخصية، لكننا لا يجوز أن نغفل دور البيئة التي يترعرع فيها الطفل (طبيعية أو اجتماعية) وكذلك دور الخصائص السيكولوجية للطفل والجدير قوله هنا انه مهما كان المزاج العصبي يجب ألا يؤثر على الصفات الخلقية للشخصية ولا يحدد القيمة الاجتماعية للإنسان. وقد اجمع علماء النفس على أن الخجل مُكتسب وان كان ضعف الجهاز العصبي سبباً للخجل لكن بالتربية السليمة يمكن تنشيط الجهاز العصبي وتقويته بالأساليب التربوية الصحيحة في الأسرة والمجتمع والخجل يتكون في سياق تطور الطفل بشكل عام اذاً الخجل ليس وراثياً.

الخجــل والحيــاء

كما قال رسول الله (ص) الحياء شعبة من الإيمان وقيل أيضا إذا لم تستح ِافعل ما شئت.

نلاحظ هنا أن الحياء صفة أخلاقية هامة تتجسد بها مجموعة من المعاني الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية الضرورية.

فالحياء صفة للإنسان العاقل، والاجتماعي الذي يحترم الآخرين ويحبهم ويسعى لكسب محبتهم واحترامهم، والحياء صفة الإنسان المؤمن الذي يخشى ربه ويعمل على كسب رضاه، وصفة للإنسان الوطني الذي لا يقبل الذل والمهانة.

فالإنسان الكريم يستحي، والعالم يستحي.. والذي يستحي يحاول دائماً أن يكون إيجابياً فيحب ولا يكره، ويقدم ولا يحجم.

سأرك لك أخي القارئ التفريق بين الخجل والحياء ومدى العلاقة بينهما ولكن اسمح لي أن أقول بأن الخجل سلبي والحياء إيجابي ولا أزيد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني