fbpx

الحكومة المؤقتة بين نموذجين.. نموذج مطلوب وآخر مفروض

1 870

لم يقم السوريون بثورتهم المكلفة، ليصلوا إلى النتائج الحالية، التي تتسم بعدم وجود استراتيجية للحكم الحقيقي، وبعدم تحوّل مناطقهم لنموذج حكم رشيد وناجح.
لقد ثاروا ضد الاستبداد، ليستبدلوه بالحرية والكرامة، وثاروا ضد الاستغلال الاقتصادي ليستبدلوه بالعدالة الاجتماعية، وثاروا ضد عدم تطبيق وسيادة القانون، ليستبدلوه بحكم يستند إلى قانون عادل، يحقق الشرط الإنساني للحياة.
هذه الحالة المطلوبة لا تزال غائبة عن واقع حياة مناطق الشمال السوري المحرّر، فالحكومة المؤقتة، لم تستطع أن تلعب دور حكومة حقيقية، وتحديداً في حالة تعارض قراراتها مع قرارات فصائل عسكرية موجودة على الأرض، مثل السيطرة على المنافذ الحدودية، أو فرض الأمن بصورة مباشرة من خلال وزاراتها، أو تثبيت نظام قضائي عسكري ومدني مستقل عن سلطة أي قوة على الأرض، باستثناء سلطتها الشرعية.
الحكومة المؤقتة لا تملك أذرعاً سياسيةً وأمنيةً وعسكريةً حقيقية، وهذا ما يجعل من سلطة الفصائل العسكرية في مناطق انتشارها هي السلطة الحقيقية، الأمر الذي يعرقل من عمل الحكومة المؤقتة ويجعلها حكومة عاجزة.
لقد فشلت قوى الثورة والمعارضة في اشتقاق نموذج حكم رشيد وعادل في مناطق نفوذها في الشمال السوري، هذا الفشل، تقف خلفه عوامل عديدة، أول هذه العوامل، هو عدم وجود نظرة استراتيجية لدى قوى الثورة والمعارضة، بخصوص إدارة هذه المناطق وفق قوانين وأنظمة عادلة، تجعل منها مناطق استقرار اقتصادي واجتماعي وعلمي وثقافي، وتحوّلها إلى نموذج يُحتذى به من قبل باقي السوريين.
النظام السوري الاستبدادي، الذي قام بمسرحية انتخاباته الرئاسية الهزيلة الساقطة، وفّر لقوى الثورة فرصة تقديم نموذج للحكم الرشيد وحريات الناس، أي كان على قوى الثورة ممثلة بائتلافها السياسي، أن تنحو نحو إيجاد بديل عن واقع الحال الموجودة، في مناطق غصن الزيتون، ودرع الفرات، ونبع السلام.
لكن ما نراه حتى اللحظة، وهو ليس اتهاماً لأحد، أن الحكومة المؤقتة المنبثقة عن سلطة قوى الثورة والمعارضة، لم تستطع تفعيل عمل وزاراتها، وتحديداً في أهم جانبين من جوانب عملها، وهو الجانب العسكري/الأمني، والجانب القضائي.
الحكومة المؤقتة لا تدير منافذ مناطقها الحدودية سواء مع النظام أو مع قوات سوريا الديمقراطية أو الدولة التركية. وهذا يعني ببساطة عدم فرض سلطتها، وهي السلطة السياسية والإدارية لكل شؤون حياة مناطق الشمال السوري المحرر. وهذا يعني عدم تدفق الأموال الناتجة من عمل المعابر، وفق القوانين الناظمة لعملها لصالح خزينة الحكومة المؤقتة.
كذلك تمتلك فصائل قوى الثورة محاكم عسكرية، وكأن كل فصيل جيشٌ قائم بحد ذاته، وهذا يتعارض مع تحقيق نموذج إدارة مدنية وعسكرية رشيدة، ويعرقل فعلياً وجود سلطة حكومة واحدة، يتم اختيارها وفق توافقات ممكنة، عبر صناديق انتخاب حقيقية، مراقبة من جهات حيادية.
إننا في وضع يحتاج إلى تغييرات عميقة في مناطق الشمال السوري المحرر ومحافظة إدلب، هذه المساحة الجغرافية، ذات الغنى الزراعي، وذات الموقع الحدودي الاستراتيجي مع الدولة التركية، بحاجة إلى استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي حقيقي، ريثما يحين موعد الحل السياسي الشامل، هذا الحل مرتبط بصراعات الدول المتدخلة في الصراع السوري.
إن خلق نموذج حكم رشيد وعادل في مناطق الشمال السوري، يتطلب حواراً صريحاً وشفافاً مع الحليف الشقيق تركيا. فتركيا، يجب أن تساعد في تحقيق نموذج حكم رشيد في مناطق الشمال لأسباب متعددة، أولها، أن استقرار هذه المناطق هو نجاح سياسي تركي أمام المجتمع الدولي، وثانيها، أن استقرار مناطق الشمال السوري اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، سيفتح الباب أمام عودة السوريين إلى هذه المناطق، سواءً من تركيا أم من دول أخرى.
ثالث هذه الأمور، ستشكّل مناطق الشمال المستقرة الآمنة ذات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية مناطق تلفت الانتباه الدولي لها، ما يجعل منها أنموذجاً يستحق التعاون والدعم الدوليين، بخصوص قضايا التنمية والاستقرار.
إن وجود شكل نظام حكم مؤقت لمناطق الشمال السوري المحرر، يتطلب أولاً وقبل كل شيء، نزع الفصائلية العسكرية ونفوذها من مناطق المحرر، واستبدال ذلك بجيش وطني مهني حقيقي، يعمل وفق نظام الجيوش العالمية المتطورة، ما يضفي على المنطقة المعنية ظروف الاستقرار والتقدم.
إن نزع الفصائلية واستبدالها بحكم رشيد يحتاج إلى مساعدة من الأشقاء الأتراك، فهم الجهة الرئيسية القادرة على تغيير هذه الحالة، وهذا يحتاج أيضاً إلى استراتيجية ودور فعّال من قوى الثورة والمعارضة، التي لا تزال تزور الشمال كضيوف وليس كقيادة سياسية للمحرر.
لقد كشفت محاكمة العميد المنشق أحمد رحال من قبل فصيل عسكري، أن الفصائلية تضرب بجذورها في واقع الشمال المحرر، ما يؤخر من بناء النموذج المحلي الوطني المتقدم والمستقر، هذه المحاكمة، أظهرت الحكومة المؤقتة بلا فعل أو دور حقيقي، وأظهرت سيطرة الفصائلية على مجريات الحياة بكل أشكالها في هذه المناطق.
إن المطالبة بتغيير واقع الحال من نفوذ الفصائلية إلى نفوذ حكومة مؤقتة، يتطلب وضع لائحة حياة قانونية على كل الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والقضائية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث يتعمق دور الحكومة المؤقتة وتتراجع زعامات الفصائلية، وهي عملية ضرورية لتنمية واستقرار الشمال السوري، في انتظار الحل السياسي السوري النهائي.
هذا التغيير يحتاج دون مواربة إلى مساعدة ودعم الشقيق الأكبر والحليف الحقيقي للثورة السورية ألا وهو الدولة التركية المتقدمة والقوية.
نحن بحاجة لحكومة فاعلة في الشمال السوري، تأتمر بأمرها كل القوى والجهات، وتكون تابعة لسلطتها كل الفصائل والمجالس والإدارات، وليس كما يحدث الآن.

1 تعليق
  1. شجاع الأحمد says

    أقتبس من المقال ((لكن ما نراه حتى اللحظة، وهو ليس اتهاماً لأحد، أن الحكومة المؤقتة المنبثقة عن سلطة قوى الثورة والمعارضة، لم تستطع تفعيل عمل وزاراتها، وتحديداً في أهم جانبين من جوانب عملها، وهو الجانب العسكري/الأمني، والجانب القضائي.))
    إرتباط الحكومة المؤقتة بسلطة قوى الثورة والمعارضة من أهم عوامل عرقلة عملها… إستقلالية الحكومة إحدى أهم الخطوات لتفعيل عمل وزاراتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني