الثورة الكاشفة
هذه الجملة للدكتور صادق جلال العظم رحمه الله
ولن ندخل مناطق الكشف التي قصدها الدكتور صادق، وقد نجتهد ونقول إنه يشير لموقع التمركز بالنسبة للثورة السورية، وصادق كان صادق الالتحام بهذه الثورة، وقدم كل ما يستطيع لها،
إلا أن هذه المقولة تبرز الآن وتشير وتطالب، حيث ما وصل أليه الوضع في الساحة السورية لحالة من الخوف، خوفا مجللا بالظلام والعبث والخراب، فالاسترخاص للإنسان وما يرافقه من قتل وتهجير وتدمير وجوع وخراب، وضياع لكل المعاني التي كانت تحدد شعب عاش القمع المعمم والفساد فقرر أن ينتفض ويثور ويصرخ، أناشعب جدير بالحياة ومطالبي واضحة ومحددة وهي الحرية والكرامة والعدالة.
هذه المطالب التي رفعها وحددها الشعب السوري، بوضوح وقدم في سبيلها الكثير الكثير، وثار الشعب السوري عمليا بمجمل الساحة والمناطق السورية، من درعا الى الرقة وحطم صنم الاستبداد بأغلب المدن، ولكن اليوم الشعب أسير التشرد والجوع والحصار وسورية تتمزق وتتفتت، والقضية بمجملها لم تعد بيد السوريين وتتقاسمها قوى إقليمية وعالمية تتصارع بالدم السوري من أجل مصالح شركاتهم وبلادهم، هذه هي الصورة التي تطالعنا يوميا في الساحة السورية
قد نستطيع تعميم هذه اللوحة على المنطقة العربية كاملة إلا أننا بصدد الحديث، او اجتهاد فكرة أو أفكار تنخر وتصفع يوميا للإجابة عما حصل ومن يتحمل مسؤولية هذا؟
جرت العادة في التحليل الكلاسيكي أن نحدد الصراع بأبعاد وخاصة عندنا بالمنطقة، فنقول عالمي وإقليمي ومحلي، واعتقد يمكن التعامل بهذه الأبعاد ولكن علينا الغوص كثيرا بها والتعمق بها وبسياق تطور المفاهيم وتوحش المصالح التي لا تعترف ولا تقر بالنوايا والقيم والأخلاق، وهذا كتب عنه الكثير، واعتقد انه ليس مجال هذه الدراسة.
حيث ما يشغلني ويشكل كابوس يحاصر أفكاري هو هذا التذرر والتفتت والادعاء والمكابرة، وهذا يشمل كل المواقف لمجمل النخب والمفكرين والقوى والبنى الاجتماعية، سياسية وفكرية واقتصادية مما يحصل.
فهذه القوى والنخب منذ انطلاق الثورة، بعيدة كل البعد عن الشارع والمواطن، تركته وراحت تجتر وتدعي، ولم تسمح لنفسها أن تجلس وتفكر بالبعدين اللذين تشدقت بهما سنوات وأعوام، قد يقول أحدهم إنه كتب وآخر إنه قال وصرح، وهذا لا يقدم ولا يؤخر في سياق ما آلت أليه الأمور، فالنتائج هي التي تتكلم.
ويستفحل الأمر وتزداد التضحيات ولكن المكابرة والادعاء والارتجال يستفحل أيضاً لدرجة أن مجمل هذه القوى والنخب خرجت من دائرة الفعل ومازالت تكابر وتدعي.
والأكثر فجاعة هو التفتت الحاصل في صفوفها، لدرجة الكيد والادعاء وعدم توفير مناخ لتبادل الأفكار بما يمليه الواقع المفجع، وإن حصل تكون المواقف ثابتة والكثير من الحواجز بينها.
وهنا السؤال الدامي والموجع، لماذا لم يستطع هذا العقل إنجاز تجربة قابلة للدراسة، تجربة تعي تماماً من أين تخترقها الرياح العاصفة حتى ولو هزمت، ولكنها تعي تماماً أسباب الهزيمة. حيث يطالعنا الكثير ويتثاقف أن العالم كله ضدنا، صحيح العالم ضدنا إلا أن العالم كان مسروراً أنه وجد مناخ الاختراق قائم وعقول الادعاء والمكابرة تقف وتثرثر، يصرخ أحدهم، إننا قلنا هذا وكتبنا، ونحن نقول أكيد كتب الكثير والكثير قد يكون جيداً وممتازاً ولكنه ديس بالأقدام.
وخير مثال وثائق القاهرة التي حازت إجماعاً، ولكن للأسف مزقت في أول لقاء وتبعثرت حروفها لتصبح ذكرى واستدعاء لهذه الذوات المجترة.
لوحة غريبة ومعقدة ما يقدمها الوضع، إلا أن السؤال اليوم أصبح مطروحاً لماذا هذا المرض وهذه المكابرة، مكابرة تشير لمرض يتطلب العلاج.
مثال: قدمت مبادرة أعتقد مجمل السوريين يتوافقون عليها
1- تطبيق جنيف
2- الأفراج عن المعتقلين
3- عودة المهجرين
4- إعادة الأعمار
أربعة بنود يتوافق عليها السوريون، يقرون بها، لكنهم لا يعطوا أنفسهم فرصة لقاء لتدبر تبني هذه البنود وإيجاد مسار للعمل بها وفرضها، لماذا؟!
هنا السؤال الذي يجب أن نصطدم به ونصفع به عقولنا التي تحمل الكثير من المرض.
مرض يتطلب فتح ملف الثقافة السائدة التي مازالت رهن استلاب أفكار بذوات مريضة، أو التاريخ الذي لم يفتح، وقرأ بناء على تطور العالم وأدوات بحثه، واختراق كل بنى الواقع بحثاً عن السيادة والمال وإنتاج وحوش مفترسة، لكنها فرضت فبلدانها سيادة الإنسان وضمان حقوقه بسياسة القوة الديمقراطية التي لا تعني العدالة ولكنها تعني القانون والحقوق.
بهذا المعنى ندخل الثورة الكاشفة التي لن تنتهي بهذا الاجتهاد الذي لا يدعي ولكنه يحاول.