fbpx

الثورة الإيرانية.. آمال وتحديات!

0 100

دراسة في مقدمة وثلاثة أجزاء

المقدمة:

يعتقد بعض المحللين الإيرانيين بتميز حراك الشعب الإيراني في هذا التمرد الشعبي المستمر بوتائر متصاعدة منذ 15 أيلول، الذي انطلق كردات أفعال احتجاجية غاضبة على مقتل الشابة مهسا أميني على يد جلاوزة الأخلاق، وبات خلال أسابيع يمتلك أهم سمات الثورة، من حيث الشمولية والامتداد؛ وقد غطى جميع ساحات ومدن إيران دون استثناء وشمل جميع طبقات وشرائح المجتمع الإيراني، ومن حيث الأهداف السياسية؛ التي باتت تطالب بإسقاط رأس سلطة نظام الملالي، المتمثلة بشخص ولي الفقيه![1].

وجهات نظر مراقبين و خبراء، متفائلة، تعتقد أن الاحتجاجات الواسعة التي وصلت إلى نحو 140 مدينة وقرية إيرانية، ربما تؤدي بالنهاية لسقوط نظام حكم رجال الدين الذي يسيطر على السلطة منذ شباط 1979، بشخص ومؤسسة المرشد، وجيش الحرس الثوري[2].

أحاول في هذه القراءة، ربطها بدروس ووقائع التراجيديا السورية – التي كان لسلطة النظام الإيراني دوراً رئيسياً في صناعة أخطر فصولها، في تقاطع للسياسات والمصالح مع أهداف مشروع السيطرة الإقليمية الأمريكية – مقاربة الإجابة على السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في أوساط الرأي العام المتعاطف مع نضالات الشعب الإيراني البطل: هل تستطيع هذه الاحتجاجات تغيير ولاء مؤسسات القوة التي ما تزال تدعم سلطة نظام خامنئي، وتصل إلى مستوى إسقاط سلطته، أو على الأقل، على مستوى إحداث تغييرات سياسية نوعية في جناحه الأكثر تزمتاً، الذي يهيمن على السلطة باسم المرشد الأعلى، وبدعم غير محدود من قيادة الصف الأول في الحرس الثوري، أقوى مؤسسات النظام الاقتصادية والعسكرية، والأكثر دراية في وسائل القمع، و تضررا من نتائج التغيير؟.

أحاول توضيح الفارق النوعي بين موازين قوى الثورة الديمقراطية التي أطاحت بنظام الشاه في كانون الأول 1978 – وأوصلت قادة الثورة المضادة الخمينية إلى السلطة في شباط 1979 – وموازين قوى الثورة الحالية، من خلال الحديث عن أهم العقبات التي تواجه حراك الشعب الإيراني اليوم، على جميع الصعد والمستويات؛ علماً أنها لا تختلف نوعياً عن التحديات التي واجهها حراك الشعب السوري في ربيع 2011، وأن مرد هذا التشابه يعود بالدرجة الأولى لتماثل عوامل السياق التاريخي، على الصُعد الإقليمية والدولية؛ رغم الفاصل الزمني.

في الواقع، تدلل ظاهرة تماثل طبيعة الصراع السياسي على السلطة في سوريا 2011 مع الحراك الشعبي السلمي الراهن في إيران، في الأهداف والقوى والسياق، على جدية المخاطر وموضعيتها، وهي في ضوء نتائج الصراع على سوريا، قد لا تحول فقط دون حصول الشعب الإيراني المظلوم على حقوقه السياسية التي باتت في رأس مطالب وشعارات الشارع المنتفض، فحسب، وهو المرجح، بل وقد تُضيف هزيمة أخرى في سجل الهزائم التي تعرضت لها ثورات شعوب المنطقة، بشكل عام، وعلى ضفة الخليج الإيرانية، بشكل خاص – حيث تعرضت نضالات الشعب الإيراني الديمقراطية إلى سلسلة من الهزائم، كانت دائماً تستهدف منع تحقيق أهداف المشروع الديمقراطي، وبناء مقومات الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة؛ بدءاً من إسقاط حكومة مصدق الديمقراطية 1953، مروراً بثورة 1978، (التي هزمتها قوى الثورة المضادة الخمينية)، وحراك 2009، الذي انهزمت فيه قوى الإصلاح الديمقراطية في مواجهة طغمة ولي الفقيه، وما أعقبها من هزائم ثورات الربيع العربي، التي انطلقت شرارتها من تونس، في الشهر الأخير من العام 2010.

قد تبدو الانكسارات هي قدر نضالات هذه الشعوب، وهي التي لم تستطع تحقيق أهداف المشروع الديمقراطي التحرري، وبقيت خاضعة لشبكة واسعة من آليات النهب والسيطرة التشاركية طوال القرن الماضي على الأقل، رغم تغير الأقنعة، وتحديثها بما يتناسب مع تغير المصالح، وضرورات تجديد آليات النهب والسيطرة التشاركية.

أعتقد أن صيرورة إدراكنا لطبيعة القوى التي تصنع التحديات وتخلق العقبات أمام تحقق أهداف الثورة – وفي إطار سعيها، في تشابك المصالح والسياسات وتكامل الجهد، لرسم قدر تلك الشعوب، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، وبما يتناقض مع منطق الضرورة التاريخية، ويقطع مسارات تحققها – لا تخرج عن سياق معرفتنا لطبيعة الثورة ذاتها، بما هي ثورة وطنية ديمقراطية في سياقها التاريخي، وقواها (الشعوب ونخبها الوطنية الديمقراطية) وأهدافها (المرحلية، التي تسعى لفرض انتقال سياسي وتحول ديمقراطي، والإستراتيجية، الساعية لحماية السيادة الوطنية، والاستقلال الاقتصادي، عبر خارطة طريق تفكيك وسائل السيطرة وآليات النهب التشاركي، محلياً، وعلى الصعيدين الإقليمي والإمبريالي)، وطبيعة الثورة المضادة، التي تضم تحالفاً واسعاً للمصالح والسياسات، في مرتكزاته المحلية والإقليمية والإمبريالية، وتعمل في تقاطع للسياسات والمصالح وتكامل للجهد، على صد حراك الثورة، وقطع مسارات تحقيق أهدافها، وتدمير جمهورها، وأوطانها؛ إذا اقتضت الضرورة؛ علماً أنه لا يضعف موضوعية تقاطع مصالحها وسياساتها حول هذا الهدف الرئيسي المشترك ما يبرز من صراعات بينية حول أهداف مشاريعها الخاصة، المتنافسة لاقتسام الحصص ومناطق النفوذ.

بمعنى، أن طبيعة المخاطر والتحديات التي يواجهها حراك الشعوب، وطبيعة تحالف القوى التي تصنعها، يحددها بشكل رئيسي طبيعة الثورة وأهدافها، من جهة، وما قد يترتب على نجاحها من عواقب على شبكة مصالح واسعة لقوى محلية وإقليمية ودولية، تتعارض مصالحها مع صيرورات التغيير الديمقراطي في منطقتنا، وقد شكل تقاطع سياساتها وجهودها وخيارها الأمني/الحربي عاملاً حاسماً في هزيمة أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري في ربيع 2011، وصنع أسباب تفشيل سوريا[3].

ضمن هذا السياق، يصبح من الطبيعي أن تتقاطع دعايات، وتتكامل جهود جميع قوى وأذرع الثورة المضادة عند تغييب خصائص الحراك التي تجعل منه ثورة ديمقراطية، ودفعه على مسارات صراعات تتناقض مع طابعه، تبرر لها أمام شعوبها والرأي العام حروبها ضد قوى الثورة، التي تصبح وفقاً لدعاياتهم وجهودهم، مجرد حروب أهلية أو صراعات طائفية وقومية، ويصبح من واجبهم الوطني، ومن حقهم السيادي، سحقها، بجميع الوسائل، والأدوات!.

بناء على إدراك طبيعة الثورة الراهنة في إيران، وسياقها التاريخي – بما هي ثورة شعبية، ديمقراطية – وطبيعة تحالف قوى الثورة المضادة، التي تتضرر مصالحها وبالتالي تقف على أرضية العداء للتغيير الديمقراطي – سلطة النظام الإيراني، محلياً، وسلطات انظمة الإقليم، خاصة النظام السعودي وأذرع النظام الإيراني إقليمياً، إضافة بالطبع (وهنا يكمن أهم عوامل الخطورة)، لمراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، وقيادته الأمريكية – يمكن رصد أخطر العوائق التي قد تحول دون انتصار حراك الشعب الإيراني الحالي.


[1]– يقول السيد حسن راضي، المعارض الإيراني، في جوابه على سؤال: هل ترى أن هناك تمايزاً في حراك اليوم؟.

بدأت احتجاجات على مقتل مهسا، لكن سرعان ما تغيرت البوصلة، هي ثورة، لأنها منذ 48 عاماً، جميع الشعوب تنتفض في وقت واحد، جميع شرائح المجتمع، عمال، موظفين، طلاب، تجار.. وما يجمع هؤلاء هو هدف الإطاحة بالنظام الإيراني، وهتافات الموت لخامنئي، حرية للنساء، وحياة كريمة للجميع.

للمزيد من التفاصيل حول آراء بعض رموز المعارضات القومية، يمكن مشاهدة برنامج حوارات مسار من أجل الديمقراطية الكندي، بإدارة الأستاذ عماد الظواهرة والدكتور ميشيل سطوف، في حلقة بعنوان انتفاضة الشعوب في إيران ضد استبداد حكم الملالي: الدلالات والمسارات المحتملة. السبت، 1 تشرين الأول، رابط الفيديو:

https://fb.watch/f_vXv_fpE8/

[2]– تقول الخبيرة في الشؤون الإيرانية ورئيسة تحرير مؤسسة ذي فورين ديسك ليزا دفتري: إن الطريقة التي ستتم بها الإطاحة بهذا النظام ستكون عبر الشعب، وهي ذات الطريقة التي وصلوا بها إلى السلطة.

وتضيف السيدة دفتري: على الرغم من وحشية النظام في التعامل مع الاحتجاجات، إلا أننا نرى المتظاهرين متحمسين أكثر من أي وقت مضى.

وتشير دفتري إلى أن الشعب الإيراني يوصل رسالة للعالم أنه قادر على تحمل عبء إسقاط النظام، لكنه بحاجة إلى المساعدة.

في تقديري، هي أفكار لا تخلو من تضليل سياسي، يتجاهل هذا النوع من الوعي حقيقة أن عوامل السياق التي مكنت الخميني من الوصول إلى السلطة 1979 (خاصة مصالح وسياسيات السيطرة الإقليمية الأمريكية)، هي ذاتها التي تمنع اليوم تغيير سلطته!.

[3]– أعتقد أن أهم حقائق الصراع في سوريا، وعليها، يمكن أن تتكشف من خلال فهمنا لطبيعة قوى الخيار الأمني – العسكري – الطائفي، وأهدافه:

قوى الخيار العسكري الطائفي، التي ظهرت في سياق مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة في ربيع 2011، وشكلت في سياق صيرورة الخيار العسكري الطائفي قوى الثورة المضادة، ضمت تحالف عريض من قوى محلية سورية، وأنظمة إقليمية، ودولية، تقاطعت أهدافها وسياساتها – في مواجهة هدف الثورة المركزي، الانتقال السياسي – عند منع حصول انتقال سلمي للسلطة السياسية، وتفشيل أهداف التغيير الديمقراطي، كهدف استراتيجي مشترك، بأدوات وأذرع الإسلام السياسي – في تعبيراته الأساسية، الإخوانية/الحشدية، والجهادية الميليشياوية، المحلية والمستوردة – والقومية السياسية – الأوجلانية – وعبر نهج دفع الحراك الشعبي السلمي، الإصلاحي، على مسارات العنف الطائفي، لتغيير طبيعته، وتحويله إلى حروب طائفية، ونزاعات قومية، تبرر استخدام العنف، ووسائل تفتيت جمهور الحراك، وهزيمة أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، وتدمير قواه، كمرحلة أولى، وتحقيق أهداف أخرى، ترتبط كما تبين في المرحلة الثانية بين 2015-2020، بصناعة عوامل تفشيل سوريا، وتقسيمها إلى حصص ومناطق نفوذ، وباتت أذرعها تشكل اليوم سلطات الأمر الواقع!.

كان من الطبيعي، في ظل طبيعة علاقات النظام الإمبريالي العالمي التنافسية، أن تتسم العلاقات بين قوى الثورة المضادة (بمرتكزاتها وأذرعها، السورية والإقليمية، وقيادتها الأمريكية/الروسية)، بطبيعتها الجدلية:

لم يمنع تناقضها التناحري حول أهداف مشاريع أنظمتها الخاصة (كالصراع بين أهداف المشروعين التركي/الإيراني أو التركي/الأمريكي – الروسي/أو الإيراني/السعودي، أو الإيراني/الإسرائيلي، وما نتج من صراعات حول حجم الحصص، ومناطق النفوذ)، من تقاطع مصالح، وسياسات جميع أطرافها حول الهدف الاستراتيجي المشترك، وحول سبيل وأدوات ونهج تحقيقه. يفسر تقاطع سياساتها لمنع حدوث انتقال سياسي وتحول ديمقراطي تناقض مصالح الجميع مع أهداف تغيير ديمقراطي – جعل حراك السوريين، في إطار ثورات شعوب المنطقة، من تحققها في ربيع 2011 إمكانية موضوعية – وتضررها ما قد تؤدي إليه، في حال نجاح جهود نخبها الديمقراطية وجمهورها، من تغيير سلطات النُظم القائمة، في كونها حامية لآليات نهب تشاركية، في ظل أنظمة رأسمالية الدولة البيروقراطية، الريعية، المرتهنة!.

في سياق تبني الخيار العسكري الطائفي، دعم جميع المتصارعين – الساعين للحفاظ على السلطة، أو لتغييرها، لصالح شكل مختلف، أكثر قدرة على ضمان مصالحهم – أدوات الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي – الطائفية والإثنية – وعمل الجميع على تهميش القوى والشخصيات الديمقراطية – اليسارية والقومية الوطنية؛ ولا يغير من موضوعية هذه المعطيات التشاركية ما حصل بين خنادقها من صراع عسكري لتقاسم جسد الضحية، بين 2015-2020، أو ما يحصل منذ منتصف 2020 من صراع سياسي (ومناوشات)، للوصول إلى صفقة سياسية، تُشرعن الوقائع التي صنعتها حروب تقاسم الحصص ومناطق النفوذ، وبرز فيها سلطات أمر واقع، باتت بشكلها الميليشياوي ومضمونها المعادي للديمقراطي ومسارات توحيد سوريا، مرتكزات النظام السوري الجديد، الذي يسعى أصحاب الصفقة السياسية في واشنطن وموسكو لإعادة تأهيله!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني