fbpx

الثابت والمتحول في اقتصاد الحرب السورية وانعكاساتها

0 264
مقدمة:

“إذا عطس الدوﻻر أصيب سوق الصرف بالزكام”، عبارة شرحتها بعض المراجع اﻻقتصادية، دﻻلة على التبعية للوﻻيات المتحدة اﻷمريكية، وعملتها تحديداً.

أمّا في المشهد السوري، ومع سير نظام اﻷسد خلف الصين وإيران؛ تصبح المشكلة أعمق بكثير حيث عدوى “كورونا”، باتت أكثر خطورة على اﻻقتصاد الهش، والذي يعرف بمسمى “اقتصاد الشللية”!

وتغدو إمكانية اﻹجابة عن سؤال؛ “هل تتعافى الليرة السورية؟”، أشبه بالوهم؛ مع تعلقها باقتصاديات متهالكة، وضعها في دائرة “التابع” لدولٍ شكلت موطئ قدمٍ لفيروس “كورونا”.

كيف يعمل اقتصاد “كورونا” في سوريا؟

المتتبع اليومي للتقارير الرسمية الصادرة من مناطق النظام، يستشف بسهولة حالة التداعي اﻻقتصادي واﻻنهيار، الذي انعكس بشكلٍ ملموس وواضح على حياة الناس، فكيف يعمل اقتصاد الحرب في سوريا؟

الراجح؛ أنّ الشلل والعقم أصاب الحركة اﻹنتاجية، بدليل ارتفاع الأصوات المطالبة بوقف مهزلة “اﻹجراءات اﻻحترازية” التي تدعيها حكومة اﻷسد، وهذا برز مؤخراً مع دعواتٍ أطلقها، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، حذر فيها من التأخر في إصدار قرار فتح اﻷسواق، معتبراً أن اﻻستمرار باﻹغلاق الجزئي للسوق، قد يلحق ضرراً كبيراً بشرائح واسعة من المجتمع، فالعامل المياوم – مثلاً – لا يستطيع البقاء في البيت بلا عمل. حسب وصفه.

وأضاف؛ بالمقابل لن يتحمل أصحاب المنشآت الاستمرار في دفع رواتب العمال، في وقت يتوقف فيه الإنتاج، وتصبح العوائد صفراً.

وطالب الحلاق بفتح جزئي للأسواق، معتبراً أنه، أخف الضررين، قائلاً: “حتى لا نخنق أنفسنا بأيدينا”.

وكذلك حذر مركز “مداد” للأبحاث والدراسات، الموالي، في دراسة نشرها قبل أيام، من توقف عجلة النشاط الاقتصادي، إن استمرت اﻹجراءات اﻻحترازية، لافتاً إلى أنّ ذلك سيُدخل الاقتصاد المحلي بحلقة انكماش حاد، وسينتج عنه نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية مربكة على الدولة والمجتمع ولا يمكن ضبط مفاعيلها. حسب الدراسة.

وبالمختصر؛ فإنّ “إجراءاتٍ احترازية” أو “وقائية”، مهما كانت التسمية، كشفت اﻻرتجالية في التعاطي مع اﻷزمات، والتخبط في إدراتها، ما دفع التجار والصناعيين لدق ناقوس الخطر، تحسساً على رؤوسهم قبل سقوطها في وحل اﻹفلاس، وخرجوا عن صمتهم.

ليرة بلا قيمة:

وفقدت الليرة ما يزيد عن 80% من قيمتها الشرائية، وتحول الناس تدريجياً للتعامل بالدوﻻر، سواء على مستوى الصفقات المالية الكبرى، أو حتى المواد البسيطة، وإن بشكلٍ مخفي؛ خشية اﻷجهزة اﻷمنية والمراسيم التي جرمت التعامل بغير الليرة.

ولم تعد الليرة ورقةً نقديةً وطنيةً بعد أن فقدت قيمتها السوقية، وتحولت الكثير من المعاملات إلى الديون اﻵجلة.

إذ يستحيل التداول والمبادلة التجارية، بورقة فاقدة للغطاء المالي، والتحول إلى غيرها في التعاملات ضرورة، يحتمها الواقع.

وبشكلٍ كبير أسهمت “العقوبات الغربية” و”فيروس كورونا” في التأثير على الليرة السورية، التي استقرت عند سعر صرفٍ طرق عتبة الـ 1300 ليرة للدوﻻر اﻷمريكي الواحد.

المصرف المركزي يثير فضيحة:

كما أنّ المتتبع مسار قرارات المصرف المركزي منذ انهيار الليرة الكبير وتجاوزها عتبة الـ “ألف ليرة للدوﻻر الواحد” يجزم أنّ البلاد مقبلة على مرحلة من الغرق في الفقر.

ولعل آخر ما توصل إليه المركزي إعلانه عن مزاد يوم الثلاثاء، 24 آذار/مارس الجاري، بهدف بيع شهادات إيداع بالليرة السورية إلى المصارف التقليدية العامة والخاصة العاملة في سوريا؛ ما يعني وجود دين يسعى لسداده بدينٍ آخر، في ظل تراجع السيولة النقدية أو حتى انعدامها وفق تصريحات عماد خميس رئيس وزراء النظام، والذي عاد لينفيها!

فساد وليس كورونا:

ومن جهةٍ أخرى، تشير التقارير اليومية إلى توسع ظاهرة الفساد بشكلٍ واضح في مفاصل الحكم، من رأس الهرم، وهنا اﻹشارة إلى الوزراء، مروراً بالقاعدة، وكالعادة بعيداً عن متنفذي السلطة ومقربي “قصر اﻷسد”.

وﻻ يكاد يخلو تقرير إعلامي موالٍ من تلميح وغمز ولمز لتوسع تلك الظاهرة واستشرائها، وبقاء المشهد دون علاج!

وما يعنية ذلك أيضاً من انعكاس على الواقع اﻻجتماعي واﻻقتصادي في آنٍ واحد.

وبمعنى آخر اتسعت ثقافة الاستثراء، في ظل غياب دور “الدولة” الغائب “أساساً منذ 4 عقود”!!

بالتالي؛ لا علاقة لـ “كورونا” في التهاوي اﻻقتصادي، وتعطل حركة اﻹنتاج في مناطق النظام، بل استطاع اﻷخير، استغلال “الفيروس”، وجعله شماعة، يعلق عليها عجزه وفشله، على اﻷقل في تقديم رغيف الخبز الذي يدندن وزير التجارة، عاطف النداف، أنه خط أحمر، ويصرح أنّ هناك دراسة على طاولة الحكومة لرفع سعر الربطة، مقدماً مبرراً أشبه ما يكون بالاستخفاف بعقول الموالين، وبحسب النداف فإنّ الدراسة ترتبط بزيادة عدد الأرغفة من 7 إلى 11 رغيف، مقابل رفع سعر الربطة إلى 100 ل.س.

وأضاف: إن سعر الربطة 50 ل.س من سبعة أرغفة، بينما سيدفع المواطن 10 ليرات للمعتمد عن كل ربطة، فيصبح ثمنها 60 ليرة، وبالتالي فإن رفع سعرها إلى 100 ليرة مع زيادة عدد الأرغفة إلى 11، لا يعني أي رفع لسعرها!!

باﻷرقام من فمك أدينك:

ويقود الكلام السابق، للبحث في تكلفة المعيشة في مناطق سيطرة النظام، لتحديد شكل التعاطي مع ملف “كورونا”، ووفقاً لما نشر في الإعلام الموالي، وعلى مبدأ “من فمك أدينك”؛ كشف تقرير لصحيفة “قاسيون” الموالية، أنّ تكاليف المعيشة (من الحاجات الأساسية) في دمشق، سجلت رقماً قياسياً جديداً خلال الربع الأول من العام الجاري.

وبلغت تكاليف المعيشة، وفقا للتقرير السابق، وبشكل وسطي 430 ألف ليرة سورية شهرياً، للأسرة المكونة من 5 أشخاص.

وكسر الرقم السابق، الرقم القياسي المسجل خلال الربع الأخير من 2019، حين بلغ 385 ألف ليرة شهرياً، أي أن الزيادة قاربت 45 ألف ليرة، بحسب صحيفة “قاسيون” الموالية.

كما أشارت صحيفة “قاسيون” الموالية إلى أن اﻷسباب تتعلق بارتفاع تكاليف الغذاء بمقدار تجاوز الضعف، والتي بلغت وحدها 230 ألف ليرة شهرياً، وصعوبات الاستيراد، وبدء ظهور تداعيات التوقف الاقتصادي المرتبط بفيروس كورونا.

ورغم أنّ الصحيفة لم تشر صراحةً إلى “إجراءات حكومة اﻷسد” التي وصفتها اﻷخيرة بـ “اﻻحترازية” إﻻ أنها واضحة تماماً، في ثنايا السطور، لكن مع تتبع اﻷرقام، والعودة إلى العام السابق، نجد أنّ مسيرة التهاوي مستمرة دون توقف للعجلة، رغم أن “كورونا” لم يكن قد سمع به حينها!!

ويشار إلى أنّ مؤشر صحيفة “قاسيون” الموالية، الربعي لتكاليف المعيشة، يركز على سلة استهلاك مكونة من 8 حاجات أساسية هي الغذاء والسكن والنقل والأثاث والألبسة والتعليم والصحة والاتصالات، إضافة إلى نسبة 8% إضافية لحاجات أخرى.

ووفقاً لذات التقرير، فقد شكّلت كلفة مكونات السلة الأساسية الثمانية خلال الربع الأول نحو 393,000 ليرة شهرياً، وبعد إضافة هامش 8% تقديرياً للحاجات الأخرى الطارئة، تصبح تكاليف المعيشة الشهرية 430 ألف ليرة شهريا لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص.

في حين سجل الربع الثالث من 2019 رقماً قياسياً في تكاليف معيشة الأسرة بلغ 359 ألف ليرة شهرياً، بعدما كان في منتصف العام (الربع الثاني) 332 ألف ليرة، و325 ألف ليرة نهاية آذار/مارس (الربع الأول)، وفقاً لذات الصحيفة الموالية.

كما يبلغ احتياج الأسرة شهرياً 325 ألف ليرة، وفقاً لدراسة أجراها “المكتب المركزي للإحصاء” التابع للنظام، لتحديد متوسط الإنفاق المطلوب للأسرة السورية في 2018، في الوقت الذي تتراوح فيه الرواتب وسطياً ما بين 50-80 ألف ليرة بين القطاعين العام والخاص.

ركود سوق الذهب:

وانعكس المشهد المتدهور على سوق الذهب، فمنذ بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الفائت 2019، اختلفت التسعيرة بين جمعية الصاغة بدمشق المحسوبة على النظام، والمعنية بالتسعير، وبين سوق الصاغة، وبرز ذلك بوضوح من خلال المنصات الموالية والمهتمة برصد اﻷسعار؛ ما دفع محللين للتأكيد على حالة تفلت سوق الصاغة من قبضة السلطة، رغم التحذيرات اليومية المتكررة.

وتشير الدراسات الرسمية الصادرة عن النظام، أنّ جموداً يعانيه سوق الذهب، في حين تؤكد مواقع موالية أنّ الحركة مقتصرة على شراء المحابس فقط من قبل المقبلين على الزواج.

وارتفع غرام الذهب نحو 6% مقارنة مع بداية شهر آذار/مارس الجاري، والذي سجل 44800 ليرة بزيادة بمقدار 2700 ليرة مقارنة مع سعر أول أيام نيسان /أبريل الجاري البالغ 47500 ليرة.

احتياطي نقدي مفقود:

وفي سياقٍ متصل؛ تشير تسريبات وتقارير مختصة بالشأن اﻻقتصادي، انهيار اﻻحتياطي من العملة اﻷجنبية، وهو ما يعتقده أغلب خبراء اﻻقتصاد، وسبق أن أشار، عماد خميس، رئيس مجلس وزراء اﻷسد، إلى ذلك في جلسةٍ علنية لمجلس الشعب، قبل أن يسحب تصريحاته!

ورغم تكتم النظام على ملف اﻻحتياطي النقدي اﻷجنبي، فإنّ معظم المؤشرات تؤكد أنّ خزينة الدولة فارغة تقريباً، والتي كانت تقدر اﻻحتياطي بـ21 مليار دولار قبل الثورة.

وتواصل حكومة النظام، دفع الرواتب لموظفي القطاع العام، ومنحهم زيادات في الأجور؛ حيث أسهمت تلك العملية بحدوث “تضخم” واضح.

وتعتمد حكومة اﻷسد بشكلٍ كبير على طباعة العملة المحلية، على روسيا، هرباً من العقوبات الدولية، كما زاد اﻻتكاء على إيران التي يرتبط بها البقاء المالي والسياسي والعسكري.

حتى باتت المعادلة الرياضية، مشكلة من تبعية ثنائية، يقف فيها اﻷسد في المنتصف، بين حدي المعادلة الرئيسين، روسيا وإيران، وفي جانبٍ آخر، ﻻ يخلو اﻷمر من دخول “الصين” على الخط.

وبالمجمل؛ كورونا مجدداً لم يكن موجوداً، وإنما نحن أمام سياسات تبناها الفريق اﻻقتصادي للنظام، الذي رهن القرار هو اﻵخر للحلفاء، وتدريجياً تحول من الشراكة الندية إلى غياب القرار السيادي والتبعية، شأنه في ذلك شأن الحالة “السياسية”، وكلاهما متممٌ للآخر بالضرورة.

هل يتعافى اﻻقتصاد السوري؟

اﻹجابة ببساطة، ليس قبل أن يتحرر من التبعية التي خلفها نظام اﻷسد، وتنتهي العقلية اﻷمنية اﻻرتجالية في التعاطي مع الطوارئ واﻷزمات.

ومجدداً نعيد ما بدأناه؛ “إذا عطس الدوﻻر أصيب سوق الصرف بالزكام”، وبالنسبة لنظام اﻷسد ومع “تبعيته العمياء”؛ فإذا عطس الحلفاء “روسيا، الصين، إيران”، أصيب اقتصاده بنزلات برد شديدة، كما أنه إذا عطست أسواق “تلك الدول” أصاب رذاذها الشديد السوق المحلي، وأصاب الشارع صداع حاد.

وبالعموم “عدوى كورونا اﻻقتصادية” أمر منطقي، لكننا رأينا هشاشة النظام اقتصادياً، وكيف تأثر بمشهد العطاس اللبناني، والعراقي، وشاهدنا كيف انعكس ذلك  على الاقتصاد السوري، خاصة أن حجم ودائع السوريين في مصارف لبنان تقدر بنحو 20 مليار دولار.

وأشارت وقتها التقارير إلى أنه؛ وبسبب وقف تدفق الأموال من بيروت إلى دمشق، وإقبال رجال أعمال لبنانيين على شراء الدولار من سوريا لتمويل أنشطتهم التجارية والاستثمارية، تهاوت الليرة السورية وفقدت ثلث قيمتها أمام الدولار في فترة لا تزيد على شهر ونصف.

ويمكننا التأكيد أيضاً أنّ ممولو اﻷسد، باتوا في مرحلة عجز، سببها مواجهة “كورونا”، كما أنّ إيران على سبيل المثال، تعاني مصاعب مالية حادة، بعد أن جففت العقوبات الأميركية المفروضة على قطاعها النفطي إيراداته من النقد الأجنبي وطردت الاستثمارات الأجنبية منه.

وبعبارةٍ أخرى؛ اﻻقتصاد السوري، رهنٌ وتابع لتك الدول، وتحت سيطرتها، في حين دخل النفط السوري حسابات الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية، بينما يقف بشار اﻷسد، متفرجاً، مهدداً كعادته في مواجهة الضربات اﻹسرائيلية على سيادته المزعومة، مكتفياً باتهام واشنطن بـ “السرقة”، مستلهماً ذلك من حليفه الروسي أو تصريحات أسياده في موسكو الذين اتهموا اﻷمريكان بعبارة “لصوصية دولية”!

ماذا يخبئ الزمن؟

للأسف؛ فإنّ انشغال حلفاء اﻷسد بـ “كورونا”، وتأثيرات الفساد السياسي في بعض الدول كالعراق ولبنان، سيحرم النظام، من انتعاشة مبكرة، ما يعني أنّ الاقتصاد السوري مرشح للانهيار خلال الفترة المقبلة.

والشارع السوري، بشقيه الموالي والمعارض، بانتظار قفزات في الأسعار، وانهيار في العملة المحلية.

والثابت أنّ سوريا اﻷسد، باتت التابع لأسياده المتشاكسون، روسيا وإيران، وحتى الصين، والمتحول هو اقتصاد منهار، ليس للحرب فقط انعكاساتٌ عليه وحدها، كما أنّ “كورونا” بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، إلى حدّ ما، وإنما “الفساد” طويل اﻷمد، ثابتٌ آخر في دولة اﻷسد، مالم يتم إنهاؤها، فنحن أمام تمدد آخر للأزمة السورية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني