fbpx

التقارُب مع الأسد بالون اختبار لعلاقة السعودية وإيران وتأهيله أمر مُعقَّد

0 57

تساءل الكثيرون كيف يمكن، في أعقاب الانفراجة الأخيرة التي توسطت فيها الصين بين السعودية وإيران، التفكير في الجهود التي تبذلها الدول العربية لإعادة دمج النظام السوري في المنطقة.

كيف يمكن لعلاقات رئيس النظام السوري بشار الأسد مع إيران وحزب الله أن تؤثر على أي إعادة تأهيله؟

وهل نشهد اليوم تحديد معالم خارطة الطريق التي من شأنها أن تعني عودة النظام السوري بشكل فعلي- وليس مجرد احتفالية- إلى الحضن العربي؟

ستستضيف السعودية قمة جامعة الدول العربية المقبلة، التي ستنعقد الشهر المقبل، ويُعتقد أنها تعمل على صياغة أجندة عملية تكمل الرؤية والنهج الجديد للقيادة السعودية، النهج الذي هو بعيد كل البُعد عن الارتجال، فرسائل الرياض متسقة، حتى لو كانت موجزة.

يحتاج بشار الأسد تدريجياً إلى الإفلات من قبضة إيران، لأنه لن يكون قادراً على السيطرة الكاملة على بلد تقع في ظل الهيمنة الإيرانية المستمرة.

لذلك، قد يجد أن إعادة الارتباط بالدول العربية -تدريجياً وكجزء من صفقة إقليمية- سيكون خلاصه من الاعتماد الكامل على إيران وروسيا.

يُعتقد أن عرض الدول العربية للأسد يتضمن تعهداً بالمساعدة في إعادة بناء سورية، وتخفيف عزلتها وإنشاء جسر بينها وبين العالم الخارجي.

كما يتضمن جهوداً جماعية لاحتواء نفوذ تركيا تدريجياً، فضلاً عن نفوذ إيران.

من وجهة نظر العديد من الدول في المنطقة، قد يكون التأثير العربي الأكبر في سورية مطمئناً للسوريين، وسيكون من مصلحة الأسد أن يكون جزءاً من هذا الجهد لطمأنة شعبه بدلاً من استعدائه.

لكن مثل هذه النتيجة لن تتحقق على الأرجح إلا في مقابل التزامات ملزمة من الأسد وفقاً لصفقة حقيقية جادّة، وليست مجرد إعادة دمج.

فيما يتعلق بعلاقاته مع حزب الله الذي قاتل إلى جانبه ضد المعارضة السورية وأصبح شريكه إلى جانب إيران، من المرجح أن يُطلب من الأسد فك الارتباط به تدريجياً.

ومن الممكن، لا سيما في أعقاب الانفراج الإيراني السعودي، أن تسمح إيران ببعض التغيير السياسي في سورية، وألَّا تمانع روسيا ذلك.

في الواقع، تنظر موسكو اليوم إلى سورية على أنها عبء، وهي بحاجة إلى تركيز طاقتها على الحرب في أوكرانيا.

لكن لماذا توافق إيران على مثل هذا التحوّل الجذري؟ فمن ناحية، عليها أن تتخطى محنتها الاقتصادية الأليمة، فضلاً عن أزمتها النووية، التي تجعلها عُرْضة للمواجهات العسكرية، وعزلتها السياسية.

لذلك، قد توافق إيران على تنازُلات في إطار صفقة لتطبيع العلاقات مع الدول العربية الأخرى وتأمين الراحة الاقتصادية المترتبة على ذلك، وكذلك إمكانية تخفيف العقوبات الأمريكية إذا التزمت بتعهداتها وخففت سلوكها جذرياً.

إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منزعجة إلى حد ما من التطوُّرات في الشرق الأوسط التي وضعت الصين في موقع القيادة، ولكن في الوقت نفسه، لا تعارض واشنطن تماماً، بل قالت إنها ترحب بالتطورات التي يمكن أن تساعد في تجنُّب الصراع مع إيران.

علاوة على ذلك، من المفهوم أن إدارة بايدن تؤيد استبدال الدول العربية لعملية أستانا بقيادة روسيا وتركيا وإيران، من خلال رعاية عملية سياسية في سورية والعمل على إقناع الأسد بتقديم تنازُلات للمعارضة.

كما سيكون تطوُّراً مرحَّباً به لإدارة بايدن إذا نجحت جهود الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في خلق مناخ يمكن أن يُدخِل سورية تدريجياً في عملية شاملة لوقف التصعيد في صراعاتها المعلقة مع إسرائيل.

واليوم، تتمثل الإستراتيجية العامة لدول الخليج، على وجه الخصوص، في الحدّ من النزاعات وتجنُّبها وحلها في كل دول الشرق الأوسط، من خلال نهج تدريجي وطريقة مختلفة نوعياً تعتمد على المشاركة الدبلوماسية.

وقد أوضح وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان تطلُّعات الدبلوماسية السعودية خلال اجتماع مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض عام 2019، عندما تحدث عن الحلم الذي كان ينوي تحويله إلى واقع من خلال تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا أخرى، وبعيداً عن الصراعات الأيديولوجية والسياسات المتطرفة.

كما أكد وليّ العهد في قمة جدة للأمن والتنمية العام الماضي والتي حضرها قادة من دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة ومصر والعراق والأردن، رؤية تعطي الأولوية للأمن والاستقرار والازدهار، داعياً إيران إلى العمل مع دول المنطقة لتصبح جزءاً من تلك الرؤية.

ستكون استضافة السعودية لقمة جامعة الدول العربية في أيار/ مايو القادم معلماً مهمّاً آخر في سياق التنفيذ البراغماتي لهذه الرؤية، لا سيما في أعقاب الاتفاق مع إيران.

ويمكن أن تكون سورية ساحة اختبار إذا كان الأسد، كما يتوقع الكثيرون، مستعدّاً حقّاً لاستبدال اعتماده على روسيا وإيران وحزب الله بالإصلاحات الداخلية، والحوار مع المعارضة وقبول عودة اللاجئين السوريين، فإن الدبلوماسية الإقليمية ستكون قد أحدثت انقلاباً.

ولكن مع ذلك، فإن المفتاح هو التنفيذ الصادق والحقيقي لتطبيق ذلك.

لن يكون هذا سهلاً على الأسد، حتى لو تم إقناعه، بالحصول على إذن من طهران، التي كانت شريكاً إستراتيجياً لدمشق لعقود، ليصبح أكثر استقلالية. وقد لا يكون الحرس الثوري الإيراني مستعدّاً لإنهاء اتفاقه مع النظام في سورية وحزب الله في لبنان. وهنا تكمن المشكلة: الهيمنة الإيرانية في سورية هدف إستراتيجي لطهران، وقادة الحرس الثوري الإيراني لن يفضلوا أن يكونوا جزءاً من أي تقليص لتواجُد بلادهم هناك.

بكل الأحوال، ومهما حدث، فمن المرجَّح أن يكون بشكل تدريجي ومبنيّ على الثقة كطريق وغاية لتطبيق أي اتفاق، كما يقول أولئك المطَّلِعون على العملية.

المصدر: نداء بوست (مقال مترجم)

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني