fbpx

‎التطبيع مع ديكتاتور سورية ‎ثورة مضادة وتطبيعٌ لانتهاكات حقوق الإنسان وترويج لجرائمه

0 229

‎تبدو هجمة محاولات التطبيع مع نظام أسد أقرب ما تكون إلى ما يسمى الثورة المضادة، هذه الهجمة تدلّ على أن من يقوم بها هي أنظمة لا تؤمن بمستقبل شعوبها وأوطانها والمنطقة الإقليمية ولا تحترم حقوق الإنسان.

‎لقد بدا الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري غير الخاضع لميليشيات أسد الإرهابية فرصة ذهبية للداعين إلى إعادة نظام أسد إلى ما يُطلقون عليه (الحضن العربي)، أي فتح الأبواب أمام نظام أسد ليلتحق بالأنظمة العربية التي لم تصل سدّة الحكم بانتخابات شفافة، أو هي في الأساس أنظمة أميرية أو ملكية لا ترتكز في حكمها على قواعد الديمقراطية وتداول السلطة عبر صندوق الانتخابات. هذه الهرولة التطبيعية الساذجة لبعض دول في المنطقة، تتم تحت ذريعة انسانيه ومحاوله تهريجيه بإقناع زعيم عصابه الكبتاجون في سوريه بالابتعاد عن حليفه العقائدي الإيراني، وهو القرار الذي لا يملكه هذا المجرم ولا يستطيع اتخاذه لأنه سيكلفه حياته.

‎في الوقت ذاته، حين كانت كثير من الأنظمة العربية والإقليمية تلهث وراء تطبيع العلاقات مع أسد، كان الغرب الديمقراطي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية يقفون بثبات ضدّ الأسد ونظامه المافيوي، حيث أعلنت هذه المجموعة الدولية أنها ضد تعويم نظامٍ ارتكب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية، وهذه الدول ترفض الاعتراف بهذا النظام وتطالب بتطبيق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن بحقه.

‎الأنظمة العربية والإقليمية المهرولة خلف تطبيع العلاقات مع نظام أسد هي أنظمة لا تفضل انتصار الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وهي تريد من احتضان هذا النظام الوحشي القفز فوق محاسبته على جرائمه، وتأمل أن تحقق بعض المكاسب بمحاولات ما يسمى إعادة نظام أسد السفاح إلى حضنه العربي بالتخفيف من تحالفه وتبعيته لنظام الملالي في طهران.

‎الأنظمة العربية هذه لا تقرأ التاريخ وأحداثه بصورة منهجية، فهي مستعدة للذهاب إلى أبعد مما ذهب إليه نظام أسد، مقابل أن تحافظ على حكمها لشعوبها، وأمل كاذب بتحقيق مصالح عن طريق إبعاد هذا النظام عن النظام الايراني، دون أن تقدّم للسوريين ولشعوبها فرصة بناء أوطانها عبر تنمية اقتصادية واجتماعية وعلمية متكاملة.

‎حسابات هذه الأنظمة اللاهثة خلف احتضان نظام أسد هي حسابات قصيرة النظر، فهي تتغافل عن قصد عن خطورة هذا النظام المتوحش، تتغافل عن تبعيته البنيوية القائمة على نشر ثقافة ما قبل وطنية (أي ثقافة نشر الشيعية السياسية والأيديولوجية) هذه الثقافة هي ثقافة سلبية تقف ضد مبادرات العقل في تطوير المجتمعات والعلوم والفكر الإنساني، لتضع كل ذلك بيد طغمة يتزعمها من يُطلق عليه مجازاً (مرشد الثورة)، أي كل قدرات الشعب تتراجع لتتقدم قدرات رجل دين يعتقد نفسه أنه نائبٌ للمهدي المنتظر، وهي خرافة تستخدم للهيمنة المطلقة على الشعوب والمجتمعات المختلفة.

‎في الوقت الذي تعمل فيه أنظمة عربية غير ديمقراطية من أجل بثّ الحياة في نظام أسد المتهالك، تعمل دول الغرب الديمقراطية على منع بثّ هذه الحياة في نظامٍ غارق حتى أذنيه بجرائم موصوفة وموثقة. هذا المنع تدركه حكومات الأنظمة الديمقراطية، فهو يتعلق أولاً بمنع إعادة الإعمار وتقديم أي مساعدات لهذا النظام (خارج مساعدات إنسانية تتعلق بالزلزال).

‎إن رفض الغرب الديمقراطي الحرّ لتعويم أسد ينطلق أساساً من انتصارها لمبادئ حقوق الإنسان ونشر الحريات، ولهذا فهي ترفض إحياء نظام دمّر بلاده وهجّر شعبه وارتكب جرائم قتل وتصفيات بحق مئات آلاف الأشخاص السوريين الأبرياء.

‎أنظمة الغرب الديمقراطية وشعوبها يمتلكون ذاكرة طيّبة وأليمة في الوقت ذاته عما ارتكبه أدولف هتلر ونظامه النازي، وهم أيضاً يجرون المقارنات بين النازية المتوحشة ونظام أسد الأكثر توحشاً وارتكاباً للفظائع بحق الشعب السوري.

‎أنظمة الغرب الديمقراطية تدرك أن نظام أسد يرتكز في حكمه الجائر لشعبه على التزوير في الانتخابات التي هي شكلية ولا إرادة حرّة تحكمها، وتدرك أن هذا النظام الفظيع هو مصدر تهديد حقيقي لشعوب المنطقة واستقرارها لما ارتكبه من جرائم بحق شعبه وتشكيله ودعمه لجماعة داعش وجلبه للميليشيات الإرهابية الطائفية الإيرانية وحزب الله (الذي لا علاقه له بالله والله بريء منه)، وبثه لسموم المخدرات لشعوب المنطقة والعالم. إن إجراء تقابل بين الموقفين (موقف الغرب الديمقراطي وموقف أنظمة عربية لاهثة خلف التطبيع مع أسد) سيجعل الأمر أكثر وضوحاً، فالغرب الديمقراطي منسجم مع مبادئه المرتكزة على لائحة حقوق الإنسان، والرافضة لأنظمة الطغيان، بينما يحدث العكس لدى أنظمة التطبيع العربية، فهي لا تزال أنظمة تتخوف من النظام الإيراني وحليفه في سوريا ومن عواقب إزاحة أسد وتشكيل حكومة انتقالية ما بعده في سورية تقوم على حق الشعب السوري بحريته وكرامته وبنائه لدولته المدنية الديمقراطية التعددية، وهذا مصدر خوف هذه الأنظمة لأنها تهدد انتشار الحزبين على حدودها.

‎مما تقدّم يمكننا القول إن محاولات إعادة تعويم نظام أسد هي محاولات خاطئة لأسباب عديدة، هي خاطئة لأنها تقف ضد حركه التاريخ والفطرة والإنسانية والطبيعة البشرية التي تعشق التحرر والحريات وتكره الاستبداد والظلم، وهي خاطئة لأنها تقف ضد مصالح شعب قدّم مئات آلاف الشهداء من أجل حريته، وهو شعب لايزال يصرّ على حقه بالإطاحة بنظام الإجرام الأسدي. وهي خاطئة لأنها تعزز هيمنة النظام الإيراني الطائفي على دول وشعوب المنطقة، ما يهدد الاستقرار والأمن ووقوع المنطقة تحت السيطرة الإيرانية، وهي خاطئة لأنها تمهّد الطريق لنشر شبكات تهريب وتصنيع المخدرات في شعوب بلدان الجوار والعالم. ولكن الأهم من كل ما ذكر أنها لن تحقق الأهداف المرجوة منها لأن هذا النظام فضلاً عن إجرامه وإرهابه وزعزعته الأمن والاستقرار وعجزه عن تنقية نفسه، هو فاسد وفاسق وماكر ومراوغ ومخرب وسيلحق الأذى بكل من يتقارب معه أو يقترب منه، ولا أمل أو حل إلا بالتخلص والخلاص منه دون رجعه.

إن الأنظمة المطبّعة مع أسد أو اللاهثة خلف التطبيع معه هي أنظمة قد ضلت بوصلتها الأخلاقية والسياسية ومصالحها الجوهرية طويلة الأمد، ونسيت أن التاريخ لا يرحم الطغاة، وأن الشعوب لا تتوقف مسيرتها الإنسانية المرتكزة على ثقافة التنمية الشاملة ونشر السلام، والعمل وفق حقوق الإنسان.

‎فهل تستيقظ هكذا أنظمة من غفلتها وتعمل مع شعوبها على بناء تنمية شاملة للإنسان وفروع الحياة الاقتصادية والثقافية والإنسانية؟ إنها مطالبة بنصرة الحق والإنسان وإلا فالتاريخ والتطور الإنساني لن يرحمها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني