fbpx

الاتفاق النووي: هل جفّ الحبر قبل كتابة السطر الأخير؟

0 312

لم يعد خافياً على أحد أن الغزو الروسي لأوكرانيا نقل العالم إلى مرحلة جديدة، فما كان صالحاً قبل 24 شباط 2022، قد لا يكون بالضرورة صالحاً لما بعد هذا التاريخ.

سيشكل الغزو الروسي لأوكرانيا نقطة تحول بالغة الأهمية على المستوى الدولي، وما يهمنا نحن في منطقتنا العربية هو أن يشكل هذا الغزو سبباً لمراجعة الولايات المتحدة والغرب عموماً لسياساتها تجاه إيران التي يمكن اعتبارها روسيا الشرق أوسطية.

لذلك أرى أن صعوبة – إن لم تكن استحالة – الوصول لهذا الاتفاق للأسباب التالية:

أولاً: ليس مبالغة القول إن نظام بوتين ونظام ولاية الفقيه وجهان لعملة واحدة.

تابع العالم خطاب بوتين في 22 شباط الماضي، محاضرته الطويلة من مكتبه في الكرملين وتحدث فيها عن تاريخ روسيا وإرثها العظيم، بخطاب ماضوي يستحضر به التاريخ ليبني استراتيجيته المستقبلية، مسح أو ألغى دولاً وشعوباً وأمماً من الخرائط، إذ أكد على حدود الإمبراطورية الروسية من إيفان الرهيب إلى بطرس الأكبر، مروراً بالإمبراطورة كاترين ولينين وستالين، وصولاً إليه (كمهدي منتظر) لتصحيح التاريخ.

وهو نفسه خطاب آيات ولاية الفقيه باستحضار يومي لمعركة كربلاء مروراً باعتماد الشاه الصفوي الأول للمذهب الشيعي مذهباً رسمياً للإمبراطورية وصولاً لآية الله الخميني، وتهيئة المسرح لقدوم المهدي المنتظر.

تلك العقليتان تخلطان الدين بالسياسة وتعاديان نموذج الدولة الوطنية وحدودها وسيادتها على أراضيها (وهي من أسس النظام العالمي القائم حالياً)، يعتبر بوتين أن موسكو عاصمة الأرثوذوكسية وهي بمثابة روما الكاثوليكية، وبالتالي كل حروبه مقدسة ويبارك له البطاركة ذلك، إضافة إلى إحياء الروح الإمبراطورية الروسية باعتبار أن أي مواطن روسي (أينما وجد) هو من رعايا القيصر ويجب عليه حمايته أو هو من مسؤوليته وليس مسؤولية الدولة التي يقيم فيها.

وكذلك نظام ولاية الفقيه الذي يعتبر أن أي إنسان يعتنق المذهب الشيعي هو من رعاياها وجندي في مشروع ولاية الفقيه والإمبراطورية التي يرمي إلى تشكيلها.

النظامان الروسي والإيراني، كلاهما قد يغيران أدواتهما تكتيكياً لكنهما لا يغيران أهدافهما.

لذلك من المتوقع أن يطرأ تغيير جوهري على علاقة الغرب بنظام الملالي استناداً لما تعلمه من سلوك النظام الروسي، وبالتالي عدم التوصل معه لأي تطبيع سيبدأ بتوقيع الاتفاق النووي.

ثانياً: أثبت أن الرهان الغربي والأمريكي تحديداً على الخيار الدبلوماسي كخيار وحيد أو مفضل لمواجهة الدول المارقة خياراً ليس صحيحاً.

إن هذه الأنظمة لا تبالي ولا ترعوي إذا لم يكن الخيار العسكري مرفوعاً بوجهها.

لم تجد كل المحاولات الأوربية لاسترضاء روسيا بل زاد الطين بلة رهن اقتصاداتها للطاقة الروسية، الأمر الذي فتح شهية بوتين للتنمر عليها.

كذلك الحال من التخادم الغربي والأمريكي تحديداً مع إيران الذي بدأ بعامي 2001 و2003 بتخليصها من أهم أعدائها، ثم تتويج ذلك التخادم باتفاق 2015 الذي أتاح لها تثبيت وجودها الذي كان قائماً والتوسع تالياً لاحتلال أربع عواصم عربية بالإضافة إلى غزة.

لم ينفع التخادم أو عدم المجابهة في أوروبا مع بوتين، كذلك لن ينفع مع نسخته الإيرانية، ولابد من خيار عسكري على الطاولة، وعدم دمج كلا النظامين بالمجتمع الدولي بل عزلهما عنه تماماً.

ثالثاً: كان الحال الأوروبي مزرياً بعد انتهاء الحرب الباردة، وأوهام سقوط العدو وتفكيك حلف وارسو بل انضمام بعض دول الحلف البائد إلى منظومة الناتو أو الاتحاد الاوربي (أو كليهما معاً) وبالتالي سيادة شعور بانتهاء الصراعات والأزمات بل وربما الحروب.

بموازة ذلك خسرت أوروبا في السباق الجيوسياسي مع جارتها الروسية بل خسرته مع الصين وإيران أيضاً، وكان تعبير الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون – لأن حلف الناتو ميت دماغياً – أصدق تعبير على وصف الحال.

وبالتالي لم تجد كثيراً المناشدات والمطالبات الأمريكية لدول القارة بالاهتمام بالإنفاق العسكري والقيام بتحمل الأعباء الدفاعية عن القارة بوجه العدو الروسي، وبالتالي حدثت اليقظة الأوروبية المتأخرة، نتيجة للصدمة الروسية المفاجئة، وبالتالي وقفة أوروبا مع أمريكا وقفة الرجل الواحد وتخلي دول مشهورة بحياديتها ودخولها على خط الحرب في أوكرانيا، بل الإعراب عن رغبتها بالانضمام لحلف الناتو.

بالمقابل لم تر الولايات المتحدة أن حلفاءها بالمنطقة، ليسوا على اتفاق بل عداء فيما بينهم أحياناً.

كان الأتراك في حالة قطيعة مع السعودية والإمارات في العقد الماضي، وعلاقات تركيا مع إسرائيل ليست على مايرام، وكذلك بالنسبة لمصر، فيما كانت العلاقات الخليجية في حالة صراع (في أزمة حصار قطر) وكانت العلاقات السعودية – الإماراتية مع الأردن ومصر باردة جداً وأحياناً متجمدة، في ظل (قبل الاتفاقات الإبراهيمية مع أبو ظبي والمنامة) كان لا يوجد أي تنسيق من أي نوع كان، ماذا ستفعل الولايات المتحدة مع أصدقائها المتصارعين مع بعضهم والذين من المفترض أن يكونوا غير ذلك استناداً للتغول الإيراني في المنطقة وتهديدهم بالوكالة أو الأصالة من إيران مباشرة.

هل سيحصل في الشرق الأوسط من تحالف أو تنسيق أو ناتو إقليمي (بدت ملامحه الجنينية تظهر بقمة شرم الشيخ المصرية الإماراتية – الإسرائيلية) ليقف في وجه المشروع الإيراني وبالتالي إذا تشكل هذا التنسيق عالي المستوى بين الدول الصديقة للولايات المتحدة، فلتأخذ أمر الدفاع عن نفسها بنفسها ولا حاجة لتوقيع الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران.

رابعاً: في ظل خوض الولايات المتحدة لمعركتها الكبرى على هيمنتها على القرار الدولي وإقصاء من حاول أن يشاركها به أو يتحدى قطبيتها الأحادية، وفي ظل توحد الحزبين في الولايات المتحدة على هذا الموقف ومن خلفهما الشعب الأمريكي، وفي ظل ارتفاع شعبية بايدن نتيجة أداءه المقنع في الأزمة مع روسيا، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود جناحي الأطلسي على قلب رجل واحد (وهي نادراً ما تحصل بالتاريخ بل ربما لم يحدث ذلك منذ أيام التصدي لهتلر في الحرب العالمية الثانية)، وبتاريخ ضاغط على الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي بخريف هذا العام.

في ضوء كل تلك الوقائع والمعطيات لا يمكن لرئيس أمريكي التضحية بهذا التوافق من أجل موضوع خلافي داخلي مع الجمهوريين، أو تسعير الخلاف مع الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط، لا يمكن للرئيس بايدن خوض الانتخابات النصفية للكونغرس في ظل عدم توافق مع الحزب الجمهوري، لأنه قد يخسر، خاصة بعد تصريحات كبير الجمهوريين في الكونغرس مؤخراً بعد إحاطة روبرت مالي المغلقة، إن الاتفاق لا يلبي المصالح الأمنية للولايات المتحدة، والسؤال الآن، لماذا يرغب الرئيس بايدن بمخاصمة الجمهوريين بالسعي لاتفاق مزقه الجمهوريون قبل ثلاث سنوات؟؟.

خامساً: أعتقد أن الاستراتيجية الأمريكية هي استمرار المفاوضات إلى أجل غير مسمى بمعني أن لا عروس في العرس القائم في فيينا، بل سيجبر إيران على عدم قبول الشروط الأمريكية بالنهاية دون أن ينسحب من المفاوضات أو ينسفها، وتقديم إيران لمطالب لا يمكن لعاقل أن يقبلها، كالمطلب الأخير برفع الحرس الثوري الإيراني من لوائح الإرهاب، بل تسريب صحفي بأن الولايات المتحدة تدرس الموضوع.

وطبعاً ستستهلك الوقت الذي تريده لذلك وبالطبع سترفضه بالنهاية بمعنى الدخول بدوامة مفاوضات لانهاية لها، ريثما تنهار أو تتغير روسيا وقد يحدث ربيع ملون إيراني وتتشكل جبهة أو تحالف معاد لإيران برعاية أمريكية في الشرق الأوسط.

لذلك وبالاستناد إلى العوامل الخمسة التي ذكرتها، أرى صعوبة مطلقة في أن تقدم الولايات المتحدة والغرب عموماً على إبرام الصفقة الموعودة مع إيران، ناهيك بالممانعة الروسية لتوقيع هذه الصفقة واحتجاز بوتين للملف النووي ونيته مساومة الغرب عليه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني