الائتلاف والإصلاح
أرسل لي بعض الأصدقاء ملفاً يتضمن خطة الائتلاف في الإصلاح، وطلبوا مني بيان رأيي بها، وكوني كنت قد آثرت على نفسي عدم الخوض في هذا الأمر لعدم جدوى إبداء الرأي كونه لا يقدم ولا يؤخر في عملية “الإصلاح” المُحدّدة مسبقاً أهدافها وآلياتها، وكون الائتلاف مؤسسة ذات طابع داخلي خاص لا تقبل الرأي من خارج أطرها التي لا تتسع إلا لمكوناته أو بالأحرى للقوى النافذة فيه.
الائتلاف أصلاً كان ومازال يعاني من ثلاث أزمات، الأولى أزمة الهوية والتكوين والثانية أزمة الشرعية، الثالثة أزمة الأداء.
فأزمة التكوين والهوية تكمن في ضبابية التوصيف القانوني للائتلاف، حيث لم تعرف ماهية الائتلاف فيما إذا كانت مؤسسة ثورية صرفة أم مؤسسة سياسية معارضة صرفة أم مؤسسة هجينة تمثيلية لأطياف الشعب السوري، وقد وظَّف بعض الائتلافيون اعتراف مجموعة ما سميَّ آنذاك بــ ” أصدقاء الشعب السوري ” – الذين تبخّروا – به على أنه الممثل الشرعي للشعب السوري ” بما فيهم الثورة ” لتحصين أنفسهم من المسائلة أو لإغلاق الائتلاف على انفسهم، حيث أصبحوا أصحاب القرار في تحديد الممثلين عبر شروط العضوية ولجان العضوية، والآليات المغلقة المتبعة منذ تشكيله حتى الأمس والتي شعرت رئاسة الائتلاف الحالية بفشلها وسوء آثارها فبدل من معالجة المشكلة الحقيقية ذهبت لتقليص عدد المكونات وإنتاج مكونات جديدة تسير في ركب تلك القوى والتي تُظهر نفسها بأنها عرّابة الإصلاح.
الاعتراف المذكور يجب أن يوضع في محله القانوني الحقيقي ألا وهو أنه مجرّد اعتراف بالائتلاف من قبل أصدقائه كطرف مفاوض مقابل النظام فرضته آليات تنفيذ خارطة الطريق الدولية للحل السياسي، ولا يتعدا ذلك أبدا والدليل على ذلك انعدام أي أثر لخروج أو إخراج من خرج أو دخول أو إدخال من سيدخل على مستوى عملية التفاوض، وهذا دليل على عدم تأثير الشرعية الحقيقية للشعب أو للثورة طالما أن الهيئة السياسية في الائتلاف واشخاصها في الحفظ والصون وطالما بقيت ملتزمة بالتفاهمات الدولية والإقليمية والأطراف الفاعلة في الملف السوري.
نحن أمام خطة إصلاح عرجاء تختلط فيها قواعد التأصيل القانوني في بناء المؤسسات، فالمؤسسات التمثيلية تحتاج إلى دستور وقانون أحزاب وقانون انتخابات يحدد الأسس القانونية والآليات التنفيذية لإجراء الانتخابات إضافة إلى وجود هيئات رقابية وهيئات عليا للانتخابات مستقلّة وغيرها من المتطلبات القانونية والدستورية.
اما المؤسسات الثورية فهي مؤسسات تقوم على المشروعية الثورية في كل شيء ومنها التمثيل الثوري الذي يقوم على التعيين والتكليف من قبل القيادة الثورية وفق نظام القيادة الثوري المتَّبع، وليس على الانتخاب والترشيح لذلك لا يمكن إنتاج مؤسسة هجينه تقوم على نظامين متناقضين تماما لذلك فإن أي محاولة لإصلاح الائتلاف على قاعدة المحاصصة الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو الحزبية ستبوء بالفشل لأنها تحمل عوامل الفشل الذاتي في تكوينها فلا تجتمع الشرعية التمثيلية مع المشروعية الثورية لأن الصدام سيكون حتميا عند تحديد آليات اتخاذ القرار أو التصويت أو عند التنفيذ.
لذلك فإن سعي الائتلاف إلى إصلاح نفسه يجب أن يرتكز أولا على تحديد تكوينه القانوني ومن ثم البناء على ذلك في صياغة النظام الداخلي واللوائح الداخلية وما نراه اليوم من خطوات يدل على أن التوجه بالائتلاف إلى أن يكون مؤسسة شبه برلمانية.
وحتى يمكن الدفع بعملية الإصلاح يمكننا مطالبة الائتلاف باتخاذ خطوات مدروسة وواضحة وبيان الأهداف الحقيقية من وراء عملية الإصلاح سواء كانت الأهداف داخلية ضمن الائتلاف أو الأهداف الخارجية المرتبطة بعملية التفاوض القائمة.
إن ابتداع أشكال مؤسسية غير مسبوقة وغير معروفة لا بالعرف السياسي ولا بالعرف الدستوري والقانوني والإداري ولا بالعرف الثوري ليس من الإصلاح في شيء، نحن أمام مشروعين سياسيين الأول يقاوم ويمانع ضد النظام على أسس الشرعية الدستورية والقانونية، والثاني ثائر على النظام يقوم على أساس المشروعية الثورية، صحيح أنهما يلتقيان في الأهداف ولكنهما يختلفان في التأصيل والأدوات الأمر الذي ينعكس على الأداء وتحمّل المسؤوليات القانونية.
وأخيراً: إن كان هدف الإصلاح تحويل الائتلاف إلى برلمان فان ذلك يقتضي وضع الأرضية القانونية الناظمة لذلك، ومن ثم تشكيل حكومة وطنية على أساس المشروعية الثورية تتكفل بمهام وزارة الخارجية والتفاوض مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لاستعادة مؤسسات الدولة السورية من براثن النظام المجرم.
وأما إن بقيت الحال على ما هي عليه فلن يطال الائتلاف لا اعترافاً داخلياً ولا خارجياً، وسيبقى مجرد طرف في حرب أهلية ليس أمامها إلا التفاوض مع النظام على قاعدة المساواة في المسؤولية عن الحرب الاهلية.
على قوى المعارضة في الائتلاف ألّا تستحي من الثورة وعليها أن تفخر بها هي وكل من يسمى نفسه معارضاً لنظام الأسد فلولا الثورة لما سمع بهم أحدٌ ولم يُسمع لهم حتى اليوم رِكْزا.