الإرهابي لا يصنع سلاماً وعلى الإسرائيليين التخلص من أسد للعيش بسلام
حين انقلب حافظ الأسد على رفاقه البعثيين في تشرين الثاني عام 1970، كان قد سبقها خطوات سهّلت له لاستلام السلطة، وبرضى إسرائيلي – غربي. وقد تمثّلت تلك الخطوات بزيارته “العلاجية” للندن أواخر صيف 1965 والتي استمرت ثلاثة أشهر، وكان برفقته الجنرال ناجي جميل وآمر الشرطة العسكرية حسين ملحم، وقد زار الأسد في حينها وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية السير طومسون في مكتبه الرسمي.
كل الدلائل التي توفرت آنذاك تقول إن حافظ الأسد اتفق مع البريطانيين ومن خلفهم الإسرائيليين على أن يقوم هو بمنع أي نشاطٍ معادٍ لإسرائيل، وتقديم خدمات عسكرية وأمنية لها، مقابل تأييدهم له باستلام السلطة في سورية، وقد أوردت الموسوعة السياسية السورية هذه المعلومات في متنها.
حافظ الأسد الذي كان آمر القوى الجوية حين زار لندن شارك بانقلاب صلاح جديد في شباط عام 1966، وحينذاك صار وزيراً للدفاع وبنفس الوقت بقي قائداً للقوى الجوية السورية. وهذا المنصب أتاح له إصدار أوامر انسحاب عسكري كيفي من الجولان السوري في حرب حزيران عام 1967، ما أفسح لإسرائيل احتلال هضبة الجولان السورية دون قتال.
هذه الظروف والحقائق تفرض فرضيات تدع حيزاً ضيقاً لنقض عدم صحتها وترجح بنسبة يصعب معها التشكيك فيها. وعلى ما يبدو أن هذا الثمن، الذي قدمه حافظ أسد، وقف خلف هيمنته المطلقة على السلطة، ومنع الإطاحة بنظامه. وقد يكون هناك من يعتقد أن إسرائيل كانت بنفوذها في الولايات المتحدة والغرب تمتنع عن إسقاط هذا النظام، لأنه كان يلعب إلى حد ما دور الحارس لحدود الإسرائيليين، ولعب دور مجهضٍ للحركة الوطنية اللبنانية، وتحديداً في اجتياحه للبنان بحجة منع الاقتتال الداخلي، وقتذاك كان يدافع عن القوى المتشددة اليمنية التي تمثلها المارونية السياسية بقيادة حزب الكتائب اللبناني.
هذه الحالة، حوّلت حافظ أسد ونظامه إلى نظام وظيفي يلعب أدواراً مختلفة ومتعددة في آن واحد، الوظيفة الأولى، هي منع أي نشاط عسكري ضد إسرائيل سواء من الحدود السورية أو اللبنانية، والوظيفة الثانية إنهاك الشعب السوري من خلال قمعه بشدّة عبر أجهزة أمن مرعبة وكثيرة (الأمن العسكري، الأمن السياسي، أمن الدولة، الأمن الجوي)، والوظيفة الثالثة تخريب سورية من داخلها عبر تخريب قيمها ومفاهيمها وانتماءاتها، إضافة إلى جعل الثروة المالية والاقتصادية بيد هذا النظام، والتحكم بلقمة عيش الشعب.
وعلى ما يبدو أن إسرائيل والغرب من خلفها كانوا يدركون أن هذا النظام الوظيفي يمكنه أن يخدم مشاريعهم الاستراتيجية، ليس في سورية فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهذا ظهر من تدخّل ما سمي آنذاك (قوات الردع العربية)، والتي ظهرت أهمية مهمتها في إجهاض نمو القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية المتحالفة مع بعضها بعضاً. كما أنه يجب ألا ننسى كيف كان حافظ أسد قد ساهم في سحق القوات السورية، التي أرادت عام 1970 منع مذابح أيلول الأسود في الأردن، عبر منعه الطيران من حماية هذه القوات، التي اضطرت إلى التراجع.
حافظ أسد لم يرد الدفاع عن لبنان عام 1982، التي احتل الإسرائيليون فيها العاصمة اللبنانية بيروت، بل كان يريد الاستحواذ عليه كاملاً ليحوله لحديقة خلفية له يستطيع فيها المناورة وابتزاز الإسرائيليين، فتم تحذيره ومنعه من تجاوز حدود السيطرة المحددة له، وكانت قواته من ضمن القوات التي حوصرت وانسحبت بحراسة إسرائيلية.
إن مشاركة جيش حافظ أسد مع التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة عام 1991 لتحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين لها، يؤكد فكرة وظيفية نظام أسد، هذه الوظيفية لا تحكمها مبادئ أو رؤى وطنية أو إنسانية، بل يحكمها دور مرسوم لها لتأدية مهام لمصلحة الضامن لهذا الحكم. لقد وصل السوريون إلى قناعة عميقة، أن نظام أسد لا يمكنه أن يحرر شبراً واحداً من الجولان السوري المحتل، وأن نظاماً قمعياً وأمنياً مثله لا يفكّر بإحداث أي تنمية اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية في البلاد، لأنها ببساطة تتناقض مع وجوده في السلطة كمغتصب لها، وكنظام فاسد.
هذه الحقائق واضحة وضوح الشمس لإسرائيل، والتي غالباً لم ترحب بسقوط هذا النظام الفظيع منذ عام 2011، وقد نجد من هم داخل إسرائيل الذين يمنعون سقوطه وربما في حالة دفاع عنه. ولا ننسى كيف صرح بعض المسؤولين الإسرائيليين ومنهم قائد المنطقة الشمالية، في بداية الحراك الثوري، إن نظام أسد ساهم في إبقاء الجبهة الشمالية هادئة فلماذا التخلص منه!.
إن مفاوضات السلام التي بدأت بسنوات قبل الحراك الثوري بوساطة مصرية وتركية التي أدارها السفير الأمريكي فريدرك هوف استغرقت زمناً طويلاً، لخشية نظام بشار أسد من عقد صفقة تسقط نظامه، لأنها كانت تتطلب منه التخلص من حليفه إيران وذراعها حزب الله. وكانت هذه المفاوضات قد توقفت في مراحلها الأخيرة، حسب ما ذكر السفير هوف في كتابه الوصول لمرتفعات الجولان، بسبب اتخاذ نظام أسد سبيل العنف ضد المدنيين المعارضين له وليس سبيل الحوار. وحسب قوله “إن اتخاذ أسد قراره بالحرب التي لا هوادة فيها ضد شعبه الأعزل وتحويله للمظاهرات السلمية لصراع طائفي مسلح أدى إلى خسارته على مستويين؛ فقد خسر شرعيته في نظر شعبه والمجتمع الدولي، وخسر بعيون شعبه قدرته على التحدث باسمهم لصنع سلام معترف فيه، وكما أنه ربما خسر الجولان للأبد، وبذلك يكون أسد قد خان وطنه وشعبه لتدميره وطنه ومستقبله في تحقيق السلام. كلام السفير هوف صادق وصميمي ويوصف بكل أمانة وموضوعيه واقع بشار أسد اليوم، فهو لم يحافظ على وطنه وشعبه ومستقبله ولم يحافظ على نظامه، فهذا النظام لا يستطيع أن ينقذ نفسه من الموت المحقق ولا يستطيع صنع السلام.
نظام غارق في الجرائم والمجازر ضد الإنسانية، منبوذ فاقد للشرعية، في بلد محتل من قوى إرهابية لا يملك إرادة عليها، وملاحق دولياً ومطلوب للعدالة الدولية ومازال يمارس الإرهاب ويموله من شبكات تصنيع وتهريب المخدرات والكبتاجون وغسيل الأموال، لن يجد من يتعامل أو يقيم علاقات طبيعية معه، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بعقد اتفاقيات سلام!.
لقد أدرك الكثير من الإسرائيليون هذه الحقائق. فهم الآن لا يمانعون رحيل هذا النظام، باعتبار أنه صار غارقاً بجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب صدر بحقها قانونان أمريكيان (قيصر والكبتاغون)، إضافه إلى قوانين تحريمية أخرى وملاحقات في المحاكم الأوروبية.
لقد آن للإسرائيليين ألا يساهموا بالحفاظ على هذا الوضع في سوريا، وأن يتشجعوا للمساهمة في إسقاطه والتهيئة لمستقبل أفضل يستطيع فيه السوريون بناء سوريا الجديدة الحرة الديمقراطية التي يرغب شعبها بالعيش بسلام مع جيرانه والتي تنبذ الإرهاب وترفضه.
إن نظاماً مارس الإرهاب ضد شعبه وارتكب جرائم ضد الإنسانية لا تقل فظاعةً عن جرائم هتلر النازية لن يجلب السلام، ويجب هزيمته وجلبه للعدالة، ويجب التخلص منه تماماً كما تم التخلص من هتلر نفسه. فضلاً عن أنه لا يملك إرادته ومرتهن للإرهاب الإيراني وغير قادر على الانفكاك عنه ولن يقدم أي فائدة لجيرانه.
الجواب واضح وينتظر الوقت المناسب لرحيل نظام قتل شعبه وهجره وأساء لجيرانه والعالم. فالإرهابي لا يصنع سلاماً وعلى الإسرائيليين أن يدركوا ذلك وعليهم التخلص من أسد للعيش بسلام.