الأنظمة العربية والبحث عن متكئ حماية
يسوّق كثيرون أن إسرائيل ترسم مخططات للالتفاف على البلاد العربية المبعثرة، ولكنّ الحقيقة ليست كما تروى، فمن الطبيعي أن ترسم إسرائيل ما يجعلها ليست كياناً طارئاً في منطقة عربية معادية لها، بل دولة صديقة لدول المنطقة.
هذا التعبير السياسي يخفي وراءه كثيراً من الحقائق، بل يتقصد طمسها، وأول هذه الحقائق، هو أن كيان هذه “الدولة”، التي لم تضع بعد خريطة ثابتة لها، تجعل منها دولة ذات حدود معترف بها، ليس كياناً طبيعياً، وليس ابن تاريخ المنطقة، بل هو كيان وظيفي، أحدثته قوى دولية لغايات استراتيجية، تخصّ سياساتها، ثم صار لهذا الكيان سياسات تخصّه.
إسرائيل التي لم تستطع اختراق حاجز الوعي الشعبي العربي الرافض لها، استطاعت اختراق حاجز أنظمة عربية فاشلة، بمسألة قيادة تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عربية، وكان أول اختراق ملموس جرى في الواقع السياسي العربي هو معاهدة كامب ديفيد، التي وقعها أنور السادات مع مناحيم بيغن في (كامب ديفيد) في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979 برعاية رئيسها آنذاك جيمي كارتر.
هذا الاختراق الإسرائيلي لنظام حكم عربي، يعني اختراقاً لطبقات حاكمة عربية متشابهة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، مع فروقات بسيطة على مستوى البنية ودرجة تراكم تعطيل النمو بصورة عامة.
لهذا يمكن قراءة تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية وإسرائيل وقبلها علاقات التطبيع المشابهة بين إسرائيل ومصر والأردن. عدة وزراء عرب زاروا من قبل الشعب الفلسطيني في فلسطين، كانوا يريدون أن يشكلوا جسراً بين هذا الشعب وإسرائيل، عبر نخب لا مانع لديها من تثبيت إسرائيل، التي لا تزال ترفض الانسحاب من أراضٍ عربية محتلة منذ عام 1967.
إسرائيل اكتشفت أن الأنظمة العربية بدون رصيد شعبي، وهي بحاجة لحماية خارجية من أي حركة احتجاج قد تطيح بها، ونفس الأمر اكتشفته هذه الأنظمة التي تمثل طبقات اجتماعية ذات مصالح ضيّقة، فهي بحاجة للاستقواء بإسرائيل أو بالغرب ضد شعوبها إذا فكرت هذه الشعوب بالحرية والعدالة الاجتماعية.
إننا أمام معادلة تحتاج إلى تغيير بأنساقها القائمة، وبحاجة إلى معرفة من أين يبدأ التغيير، وما هي أدواته، وكذلك ما هي أهدافه.
وفي انتظار هذا التغيير لا يزال الوقت مبكراً على تفاؤل جدي حيال نجاح ثورات الربيع العربي بموجاتها الأولى.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”