الأطفال وحقوقهم شمال شرق سوريا في ظل قسد
الطفولة، هذه الكلمة ذات الدلالة الهائلة على العفوية والتسامح، المحبة، النقاء، الصفاء، البساطة والطيبة. اجتمعت الدول لأجلها لتصدر جمعيتها العمومية في الأمم المتحدة وثيقة حقوق الطفل عام 1989، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1990 وتعتبر ميثاقاً دولياً، يحدد حقوق الأطفال المدنية والسياسية، والاقتصادية، والثقافية. تراقب تنفيذها لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة. وهي مكونة من مختلف دول العالم. هذه الاتفاقية بموادها الأربع والخمسين ضُربت بعرض الحائط في كثير من دول العالم وخاصة الشرق أوسطية حيث تستمر الحروب والصراعات.
ولم يتخلف عن ركب الظلم والقهر الطفل السوري خلال الزلزال السوري، الذي بات قشة في مهب الريح تعصف به دون وجهة، تتلاطمه أمواج القتل والموت والتشرد. فمع التقارير الصادرة عن المراصد الحقوقية بتجاوز عدد القتلى السوريين 700 ألف، ربعهم من الأطفال، وأكثر من 7 ملايين نازح وفاق هذا العدد لاجئون يتوزعون على المنافي ودول اللجوء. أرقام في تزايد مرعب، ومؤشر صارخ لخرق حقوق الطفل.
أطفال لا تربطهم بطفولتهم أية حقوق. أطفال دون تعليم، دون نسب، دون مأوى، حفاة، عراة، جياع. أطفال وجدوا أنفسهم دون أب وأم أو معيل، بل أصبحوا هم من يعيلون ما تبقى من أسرهم، أطفال خلعوا رداء الطفولة باكراً قسراً وأصبحوا ضحية للاستغلال والظلم والتحرش، ومادة دسمة لتجارة الأعضاء. فكيف لنا الحديث عن حقوق الطفل في هذا الإعصار البشري!.
ولا يخفى على كل متابع للأوضاع في مناطق شمال شرق سوريا، وما آلت إليه بعد تولي الإدارة الذاتية وقسد زمام الأمور، وفرض سلطة الأمر الواقع فيها، وما يتم خرقه من بنود اتفاقية حقوق الإنسان والطفل التي التزمت الإدارة بتنفيذها.
الأوضاع التعليمية للأطفال:
بالعودة لاتفاقية حقوق الطفل والمواد المتعلقة بالتعليم حيث تنص المواد:
28. الوصول إلى التعليم
لكل طفل الحق في التعليم. ويجب أن يكون التعليم الأساسي مجانياً وأن يكون التعليم الثانوي والتعليم العالي متوفرين. وينبغي تشجيع الأطفال على الذهاب إلى المدرسة للحصول على أعلى مستوى تعليمي ممكن. وعلى المدارس احترام حقوق الأطفال وعدم ممارسة العنف بأي شكل من الأشكال.
29. أهداف التعليم
ينبغي أن يساعد التعليم الذي يحصل عليه الأطفال على تطوير شخصياتهم ومواهبهم وقدراتهم بشكل كامل. وينبغي أن يعلمهم حقوقهم واحترام حقوق الآخرين وثقافاتهم واختلافاتهم، والعيش في سلام وأن يحموا البيئة.
نرى أن الأطفال إما حرموا من التعليم وتركوا المدارس، والتحقوا بأعمال لا تناسب أعمارهم، أو هاجروا مع ذويهم وذلك بسبب فرض مناهج مؤدلجة، ومسيسة، لم توضع من قبل مختصين بتربية الطفل العقلية والنفسية، وبكوادر تعليمية غير مؤهلة تشرف على العملية التعليمية. أو أطفال مكرهين على متابعة الدراسة وفق هذه المناهج لعدم وجود البديل الأفضل. حيث أن المدارس القليلة المتبقية في يد النظام. وتدرس وفق مناهجه، تشهد اكتظاظاً كبيراً ما يفقد العملية التعليمية نتاجها وحسن سيرها. فمع بدء العام الدراسي 2020/2021 تم الإعلان عن افتتاح المدارس التي تبلغ 4092 مدرسة للصفوف كافة من المراحل الثلاث وبإشراف 38 ألف معلم ومعلمة والتحاق 230489 طالب وطالبة بهذه المدارس.
(غ.س أم لثلاثة أطفال) “لم نعد نعلم ماذا نفعل وأين نتجه، فمناهج الإدارة غير معترف بها، والقائمين عليها غير أكفاء، ومناهج ومدارس النظام، التعليم فيها سيء لكثرة الأطفال في الصف الواحد، ولا يحصل الطالب على المعلومة ولا يمكنه التفاعل في الصف بشكل جيد. لذا لابد من اللجوء إلى الدورات الخاصة لتعليم أطفالنا وهي مكلفة ولا طاقة للكثير من الأهالي بها، نحن بين نارين”
الأوضاع الاجتماعية للأطفال:
بعد هجوم داعش على هذه المناطق. وفقدان الأمن، وانتشار الخطف والقتل، وعسكرة المجتمع، تفككت البنية الاجتماعية، وعانت الأسرة الكثير.
وتحمل الأطفال فيها الفقدان الأكبر. فقد نصت اتفاقية حقوق الطفل في موادها، على تأمين حياة اجتماعية واقتصادية آمنة تتولى السلطة الحاكمة تأمينها للأطفال حيث تنص المواد:
26. المساعدة الاجتماعية والاقتصادية
على الحكومات تقديم المال وغيره من الدعم لمساعدة الأطفال في العائلات الفقيرة.
27. الطعام والملبس والمأوى الآمن
حق الأطفال الحصول على الأكل والملابس ومكان آمن للعيش من أجل النمو بأفضل طريقة ممكنة. وعلى الحكومات مساعدة العائلات والأطفال الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة هذه الأشياء.
38. الحماية أثناء الحروب
يحق للأطفال الحصول على الحماية أثناء الحروب. ولا يجوز إشراك الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة في الجيش أو في الحروب.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد اتهمت في تقريرها السنوي، المتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، حزب الاتحاد الديمقراطي بانتهاكات تتعلق باعتقالات تعسفية، وحملات لتجنيد الأطفال، رغم توقيع قوات سورية الديمقراطية (قسد) خطة عمل مع منظمة نداء جنيف غير الحكومية عام 2015 للالتزام بعدم تجنيد الأطفال وتسريح 149، طفلاً من صفوف القوات المسلحة لكن رغم ذلك استمر تجنيد الأطفال. فقد نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها آب 2018 أن الوحدات جندت الأطفال للقتال في صفوفها ومن ضمنهم أطفال المخيمات وبلغ عدد الحالات في تقارير الأمم المتحدة لعام 2017 وحدها 224 حالة.
وفي تموز 2019 تم توقيع اتفاقية في مقر الأمم المتحدة بجنيف بين فرجينيا غانيا الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح وبين الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تتضمن الالتزام بعدم تجنيد الأطفال دون سن 18 وتسريح الفتيان والفتيات المجندين، وفصلهم من القوات المسلحة، وإنهاء تجنيد الأطفال دون سن 18 عاماً. لكن رغم ذلك لازالت عمليات التجنيد والخطف مستمرة حتى يومنا هذا. فقد تم اختطاف الطفلة رونيدا دارا ذات العشر سنوات من مدينة عامودا بتاريخ 29/6/2020 والطفلة لينا عبد الباري خلف 14 عاماً من قرية تل كرم الدرباسية بتاريخ 2/7/2020.
كما تم اختطاف الطفل جودي عدنان محمد 14 عاماً من قبل فان أبيض تابع لمنظمة جوانن شور شكر.
كما كثرت حالات تزويج القاصرات لمنع تجنيدهن، أو بسبب ترك الدراسة لعدم جدواها في نظر بعضهم. ونتج عن ذلك مشاكل أسرية وعائلية، انتهى الكثير منها بالطلاق. ما أدى إلى أطفال تم تزويجهم وتطليقهم إانجاب أطفال سيعيشون بعيداً عن الأم والأب وعن البيئة الأسرية المطلوبة.
أوضاع الأطفال الصحية
تنص المادة الرابعة والعشرين لاتفاقية حقوق الطفل:
24. الصحة، والماء والغذاء والبيئة
يحق للأطفال الحصول على أفضل رعاية صحية ممكنة ومياه نظيفة للشرب وطعام صحي وبيئة نظيفة وآمنة. ويجب أن تتوفر المعلومات اللازمة لجميع الأطفال والبالغين من أجل البقاء آمنين وأصحاء.
وفي ظل الإدارة القائمة يعاني الأطفال نقص الرعاية الصحية، وفقدان الكثير من الأدوية، وانتشار الأمراض وخاصة الرئوية نتيجة التلوث الناتج عن حراقات النفط، أو حرق النفايات، كما يحدث في مكب نفايات رودكو، والانقطاع المتواصل لمياه الشرب، وغلاء أسعار المواد الغذائية، وانتشار الفقر، وعدم قدرة الأهالي على تلبية متطلبات أطفالهم واحتياجاتهم الغذائية الضرورية، وازدياد أعداد المصابين بالأمراض الجلدية والسرطانية وزيادة نسبة تشوهات الأجنة نتيجة لذلك.
(ن.م. باحثة اجتماعية ونفسية) “من خلال متابعتنا للأسر والعائلات تبين ازدياد في أعداد الأطفال المصابين بمرض التوحد وتعود هذه الزيادة إلى الأسباب النفسية للأمهات ونقص الغذاء والتلوث وهؤلاء الأطفال بالإضافة لغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى مراكز متخصصة وهذا ما نفتقده هنا بغض النظر عن بعض المحاولات المتواضعة.”
الطفولة في مناطق شمال شرق سوريا تعاني الكثير، وتفتقد أبسط مقوماتها، وحقوقها المنصوص عليها ضمن الاتفاقيات الدولية، وهذا يؤدي إلى جيل كامل يتجه نحو الانهيار والمستقبل المجهول.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”