الأطفال السوريون ولغتهم المفقودة
اللغة من الأدوات الأقوى التي تحفظ وتطور التراث الملموس للشعوب، وتساعد على تطوير وعي أشمل للتقاليد اللغوية والثقافية في أنحاء العالم كافة، وتسهم بتحقيق التضامن المبني على التفاهم والتسامح والحوار.
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة إذ تؤكد من جديد أن أحد الأهداف الأساسية للأمم المتحدة، كما أعلنها الميثاق، هو تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتشجيع على احترامها بالنسبة للجميع، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
وتركز الأمم المتحدة في إعلانها بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية على أن: يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية (المشار إليهم فيما يلي بالأشخاص المنتمين إلى أقليات) الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة، وإعلان وممارسة دينهم الخاص، واستخدام لغتهم الخاصة، سرا وعلانية، وذلك بحرية ودون تدخل أو أي شكل من أشكال التمييز.
واجه الأطفال السوريون تحديات كبيرة في إتمام تعليمهم في بلدان اللجوء، بيئات مختلفة ولغات جديدة يجب أن يتقنوها كي يتمكنوا من التقدم في مراحل دراستهم بنجاح.
“وفقاً لبيانات مديرية إدارة الهجرة لعام 2021-2022، التحق 730 ألفاً و806 أطفال منهم بالدراسة لغاية كانون الثاني 2022”.
استطاع الأطفال السوريون في تركيا في سنوات تعليمهم الأولى أن يتعلموا اللغة التركية بشكل جيد، وحققوا تقدماً وتفوقاً رغم اللغة الجديدة الغريبة عنهم.
ومع هذا النجاح، بدؤوا يفقدون لغتهم العربية الأم، نتيجة عدم الاستخدام – خصوصاً بعد إنهاء برنامج المدارس السورية التي كانت تعتمد المنهاج السوري – واعتماد التعليم على لغات أخرى، التركية الأساسية والإنجليزية كلغة ثانوية.
نينار برس التقت السيدة “هنادي محمد” /32/ عاماً، أم لثلاثة أطفال، تقيم في غازي عينتاب، تقول هنادي: “التحق طفلاي الأول والثاني (8و9 سنوات) بالمدارس التركية لمتابعة دراستهم، وكانت اللغة الجديدة عائقاً بالنسبة لهم، لكنهم تجاوزوا هذا العائق بعد فترة وجيزة، أما ولدي الأصغر بدأ دراسته بتعلم الأحرف التركية، ولا يعرف شيئاً عن اللغة العربية سوى ما تعلّمه من أحاديثنا في البيت، أحاول قدر المستطاع أن أساعده في التعلّم، لكن الجهور الفردية لا تكفي، ولا تحقق الغاية المنشودة”.
السيدة سميرة البهو، مدرسة اللغة العربية في ثانويات حلب وغازي عينتاب تحدثت عن أهمية تعزيز اللغة العربية لدى الأطفال السوريين وبيّنت أن الفئات الأوسع من السوريين دفعت بأطفالها إلى المدراس الحكومية التركية، كون التعليم مجانياً، وتكاليف المدارس العربية الخاصة مرتفعة بالنسبة للقسم الأكبر منهم.
رغم ذلك لا ينتبه الكثيرون – وهم الفئة الأوسع – إلى خطورة الوضع الجديد، وأهمية الحفاظ على اللغة العربية وتعزيزها لدى أطفالهم، فالطفل يتعلّم لغته المحكية في أسرته، لكنه لا يتمكن من القراءة والكتابة بها دون برامج تعليم مدروسة.
وأسباب ذلك تعود إلى انشغالهم بتأمين لقمة العيش في ظروف معيشية صعبة فُرضت عليهم بعد لجوئهم إلى دول الجوار.
كل هذه الظروف حالت دون الالتفات إلى ضرورة الحفاظ على اللغة الأم، علماً أن اللغة العربية هي من اللغات الست الرسمية لدى الأمم المتحدة.
بعضهم اتجه إلى إرسال أطفاله إلى مراكز تحفيظ القرآن الكريم في العطلة الصيفية، رغم أن هذا الحل يعدّ مقبولاً ومفيداً في تعلّم اللغة العربية، لكنه لا يكفي، فالكثير من المواطنين الأتراك يجيدون قراءة القرآن، لكنهم يعجزون عن قراءة أي كتاب عربي آخر، ولو كان أبسط في لغته من لغة القرآن الكريم.
قمنا بدراسة استقصائية على عينة من السوريين شملت /112/ عائلة حول الأطفال الذي يجيدون القراءة والكتابة بالعربية وطريق حل هذه المشكلة:
فقدان اللغة العربية عند الأجيال الجديدة مشكلة كبيرة ذات بعد وطني تتطلب جهوداً جدية لتداركها وإلا حدث انقطاع بين أجيالنا الجديدة ولغتهم وبالتالي موروثهم الثقافي ككل.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.