fbpx

الأسباب الخفية لتمرير الروس إسقاط بشار الأسد: صفقة خفية أم تحول استراتيجي؟

0 82

بعد سنوات من الدعم الثابت لنظام بشار الأسد في سوريا، فاجأت روسيا العالم بقرارها عدم التدخل لمنع سقوطه. هذا التحول المفاجئ أثار تساؤلات عميقة حول الدوافع الحقيقية وراء موقف موسكو. في هذا المقال، سأتناول ثلاثة أسئلة رئيسية لاستكشاف الأسباب الخفية وراء هذا القرار:

● هل هناك صفقة بين روسيا وتركيا والغرب؟

● لماذا لم تظهر أي عدائية بين روسيا والنظام الجديد في سوريا؟

● وهل هناك ضرورة لعلاقة سياسية مع روسيا، وما هي آفاقها؟

1. هل تمرير الروس لإسقاط الأسد تقف خلفه صفقة بين روسيا وتركيا والغرب؟

تشير المعلومات المتوفرة لدي إلى احتمال وجود تفاهمات أو صفقات غير معلنة بين روسيا وتركيا، وربما الغرب، لعبت دوراً في قرار روسيا السماح بسقوط الأسد. لعبت تركيا دوراً حاسماً في إقناع روسيا بعدم التدخل عسكرياً في معركة ردع العدوان بين الثوار ونظام بشار الأسد الساقط، ويبدو أن ذلك جاء مقابل ضمانات لحماية المصالح الروسية في سوريا بعد تغيير النظام. على سبيل المثال، ذكرت تقارير أن روسيا اقتربت من التوصل إلى اتفاق مع القيادة السورية الجديدة للاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين، مما يشير إلى ترتيبات مسبقة.

كما أن تركيا استفادت من الضربات الإسرائيلية ضد وكلاء إيران في سوريا لإضعاف التحالف الروسي/الإيراني، مما قلل من نفوذ موسكو في المنطقة. في الوقت نفسه، يمكن أن يكون التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا في سوريا جزءاً من استراتيجية أوسع لتقويض هذا التحالف، مما يدعم فكرة وجود صفقة خفية. إضافة إلى ذلك، تسعى روسيا لتعزيز علاقاتها مع تركيا من خلال صفقات دفاعية، مثل بيع أنظمة إس 400، بهدف تقليل اعتماد أنقرة على الغرب، وهو ما قد يكون جزءاً من تسوية تسمح لروسيا بالحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا مقابل التخلي عن بشار الأسد.

الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي تواجهها روسيا، خاصة بسبب الحرب في أوكرانيا، قد جعلتها أكثر استعداداً لقبول مثل هذه التسوية بدلاً من خوض معركة مكلفة لحماية حليفها السابق الذي ظهر كنظام مهترئ خلال معركة ردع العدوان. وبالتالي، يبدو أن هناك تفاهمات استراتيجية دفعت روسيا للسماح بسقوط الأسد حفاظاً على مصالحها الأساسية.

2. لم يصدر عن الروس أي موقف عدائي من العهد الجديد، كذلك لم يظهر أي موقف عدائي تجاه العلاقة مع الروس صادرة عن النظام الجديد في دمشق.

غياب العدائية بين روسيا والنظام الجديد في سوريا يعكس مصالح متبادلة واستراتيجيات عملية من الطرفين. تسعى روسيا إلى الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، خاصة قواعدها في حميميم وطرطوس، وتحقق ذلك من خلال التفاوض مع الحكومة الجديدة. تقارير تشير إلى أن موسكو بدأت خطوات دبلوماسية، مثل الاعتراف بالحكومة الانتقالية والسعي لإزالة “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب، ما يدل على رغبتها في تعاون بدلاً من المواجهة.

من جانب آخر، يبدو أن تركيز روسيا تحول نحو قضايا أكثر إلحاحاً، مثل الحرب في أوكرانيا، ما قلل من رغبتها في الانخراط في نزاع جديد في سوريا. سقوط الأسد قد يكون شكّل انتكاسة لروسيا، لكن أولوياتها الحالية تجعلها تفضل الحفاظ على علاقات مستقرة مع النظام الجديد بدلاً من تصعيد التوترات.

بالنسبة للنظام الجديد، فإن غياب العدائية تجاه روسيا قد ينبع من حاجته إلى دعم دولي لإعادة الإعمار والاستقرار. النظام الجديد قد يرى في روسيا شريكاً محتملاً يمكنه تقديم مساعدات اقتصادية أو عسكرية، مما يدفعه لتجنب الصدام مع موسكو. هذا التوازن العملي بين الطرفين يفسر الهدوء النسبي في العلاقة حتى الآن.

3. هل تعتقد بضرورة وجود علاقة سياسية مع روسيا؟ ما آفاقها؟

إقامة علاقة سياسية مع روسيا قد تكون ضرورية لضمان الاستقرار في سوريا، لكنها يجب أن تكون متوازنة لتجنب التبعية. تظل روسيا لاعباً رئيسياً في المنطقة بفضل قواعدها العسكرية ونفوذها الاقتصادي والعسكري، ما يجعل التعاون معها مفيداً في مجالات مثل الأمن وإعادة الإعمار. علاقة سياسية مع روسيا يمكن أن تساعد النظام الجديد في تحقيق استقرار داخلي وتجنب الفراغ الذي قد تستغله أطراف أخرى.

لكن هذه العلاقة يجب أن تُبنى على أسس تحفظ السيادة السورية وتمنع التدخل الروسي المفرط. النظام الجديد قد يسعى لتنويع علاقاته الدولية، بما في ذلك مع الغرب ودول المنطقة، لتجنب الاعتماد الكلي على موسكو. تقارير تشير إلى أن دمشق ترغب في تعزيز استقلالها من خلال التوازن بين الأطراف الفاعلة، مما يتطلب حذراً في التعامل مع روسيا.

“آفاق العلاقة” تعتمد على التطورات الإقليمية والدولية. إذا واصلت روسيا تركيزها على أوكرانيا، فقد تكون أكثر مرونة في سوريا، مما يفتح المجال لتعاون أكثر إيجابية. كما أن علاقات روسيا مع تركيا والسعودية ستؤثر على ديناميكيات تعاملها مع دمشق. على الصعيد العالمي، تسعى روسيا لتعزيز مكانتها عبر تحالفات مثل “بريكس”، مما قد يدفعها لتقديم تنازلات أو تعاون أكبر في سوريا لإثبات وجودها كقوة عالمية.

أرى أنه يبدو أن قرار روسيا السماح بسقوط الأسد جاء نتيجة تفاهمات خفية، خاصة مع تركيا، للحفاظ على مصالحها دون تكبد خسائر إضافية. غياب العدائية بين روسيا والنظام الجديد يعكس رغبة متبادلة في التعاون العملي، بينما تظل العلاقة السياسية المستقبلية مع روسيا ضرورية ولكن مشروطة بالتوازن والاستقلالية. التحولات الجيوسياسية ستحدد مدى نجاح هذه العلاقة، مما يتطلب من النظام الجديد حنكة دبلوماسية للاستفادة من روسيا دون الوقوع تحت هيمنتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني