fbpx

إيران الخطر النووي القادم

0 311

يبدو أن المشهد العالمي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً قد دخل في منعطف جديد بعد شنّ الروس لحربهم العدوانية ضد الدولة الأوكرانية، فهذه الحرب وضعت العالم على مفترق طرق، إذ ذهبت الأنظمة الشمولية والاستبدادية مثل النظام الإيراني والصيني والنظام الأسدي وغيرها إلى الاصطفاف خلف روسيا في حربها العدوانية، بينما وقفت الديمقراطيات الأوربية مع الديمقراطية في الولايات المتحدة خلف أوكرانيا في دفاعها عن نفسها.

الاصطفاف الدولي يخفي خلفه صراعاً لم يصل بعد إلى درجة الصراع المباشر، وهذا الصراع يحمل سمة صراعٍ بين محورين، الأول: روسي صيني إيراني ديكتاتوري، أما المحور الثاني: محور أوربي غربي أمريكي ديمقراطي، هذا التقابل يكشف عن أزمة عالمية بين نظامين اقتصاديين وسياسيين متناقضين، الأول يسحب البشرية إلى مربع ديمومة الاستبداد، وأنظمة التوجيه، ومربع العقل الشمولي الواحد، بينما النظام الثاني الغربي الديمقراطي، فهو يجرّ البشرية نحو أفقٍ مفتوح لتطوير فعاليات العقل البشرية، والتنمية الاقتصادية الحرة، وسيادة حقوق الانسان وتداول السلطة بصورة شفافة عبر انتخابات ديمقراطية.

إن حرب روسيا على أوكرانيا أتاحت لإيران الاستفادة من هذه الحرب، لخرق الحصار ونظام العقوبات المطبّق عليها، وبالتالي اندفع نظام الملالي في طهران إلى تأييد هذه الحرب، إضعافاً للموقف الأمريكي والغربي في التصدي للعدوانية الروسية، التي يمكن أن تذهب بتعميق الحرب نحو دول أوربية أخرى معارضة لهذه الحرب، الأمر الذي قد يشعل حرباً عالمية ثالثة في أية لحظة.

إن السياسية الأمريكية في عهد بايدن لا تزال بدون مخالب حقيقية تواجه برنامج إيران النووي، فهذا البرنامج ما كان ليعترض عليه أحد في العالم عموماً وفي الغرب خصوصاً، لولا انه يخفي برنامجاً نووياً عسكرياً غايته صنع القنبلة الذرية الإيرانية.

ببساطة، يمكن القول إن إيران عبر مشروعها الامبراطوري (إحياء الإمبراطورية الفارسية)، لا يمكنها تثبيت هيمنتها بصورة نهائية، بدون وجود أداة تهديد عسكري ساحق لدول الجوار أو للعالم، هذا التهديد كما يعتقد ملالي طهران لن يتوفر بدون حيازة إيران للسلاح النووي المدمّر.

لهذا، ووفق هذه المعطيات المادية الملموسة، التي حدثت بعد شن الروس لحربهم على الأوكرانيين، وتحديداً الصعوبات التي ستواجه إيران في الساحة السورية، وكذلك الصعوبات التي ستواجه الروس في سوريا، فإن الأمريكيين معنيّون بإعادة إنتاج سياستهم حيال منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً ما يتعلق منها بالصراع في سوريا وعليها، واستعادة الأمريكيين للعلاقات الاستراتيجية الأمريكية مع حلفائها التاريخيين في هذه المنطقة، وأول هؤلاء الحلفاء دول الخليج العربي.

إن الوعود الأمريكية التي تطلقها من وقت إلى آخر إدارة جو بايدن حيال حلفائها السعوديين أو الخليجيين أو العرب، لم تعد ذات قيمة، فأمن هذه الدول الحليفة لا ينبغي أن يُبنى على الوعود أو توقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية وغيرها، بل يجب إعادة انتاج هذا التحالف بصورة مبدئية تحفظ أمن هذه البلدان من الخطر الإيراني، وأن يكون هناك ندية في العلاقات السياسية، واحترامٌ حقيقي لخصوصية كل بلد من الحلفاء لظروفه الداخلية بما لا يتعارض مع المبادئ العامة لحقوق الانسان دون اتهامات أو ابتزازات.

إن رحلة جو بايدن إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى السعودية لم تستطع إحداث خرق حقيقي في الموقف السعودي الرافض لضخ النفط والغاز وفق الرغبة الأمريكية، وهذا طبيعي، فجو بايدن كانت معاقبة السعودية جزءاً من حملته الانتخابية، وحتى وقت قصير، كانت هذه السياسة تسير على هذا المنوال، وهو ما يفترض ألا يثق السعوديون بتبدل براغماتي في سياسة إدارة بايدن.

إذا كان البيت الأبيض الذي تنتظره انتخابات نصفية لمجلسي الكونغرس معنياً بتحقيق نتائج لصالح مواجهة الحرب الروسية على أوكرانيا ومنع الاختراق الصيني في منطقة الشرق الأوسط، فعليه أن يعيد النظر بقضايا هذه المنطقة بصورة تخدم شعوبها وتدفع حكومات هذه الشعوب للوقوف دون ترددٍ مع سياسة أمريكية لن تخذلهم أو تتجاهل مصالحهم الحيوية في المنطقة.

الأمريكيون يجب أن يضغطوا لوقف الحرب في اليمن من خلال الضغط على الحوثيين بقبول الحل السياسي دون خطف الحكم بقوة السلاح، هذا الخطف مدعوم من إيران. كذلك الأمريكيون مدعوون لإنتاج موقف قوي يسحق ألاعيب وتهرب نظام الأسد من استحقاقات القرار 2254.

ويجب ألا ينسى بايدن حل الدولتين في الصراع العربي الإسرائيلي، فهذا الحل يؤمن للمنطقة الاستقرار الاستراتيجي أما سحب الأنظمة للمصالحات مع دولة إسرائيل فهو قد يخدم الاستقرار بصورة مؤقتة ولكنه يُبقي التناقض العميق بين الشعوب العربية وإسرائيل قائماً وقابلاً للتحول في ظروف أخرى لصراعات دامية ليست المنطقة بحاجة إليها.

إن التركيز على خطر البرنامج النووي الإيراني يجب أن يكون محور السياسة الأمريكية الحالية والقادمة في الشرق الأوسط، وأن محاولة إغراء الإيرانيين بمكاسب ما لن يحل هذا الخطر وانعكاسه على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب الديمقراطي برمته.

المطلوب أمريكياً إعادة انتاج الرؤية والسياسة الأمريكية من إيران بما يردعها بقوة ووضوح برفض برنامجها النووي بشقه العسكري، وهذا يتعزز من خلال استعادتها لعلاقات ثابتة واستراتيجية وذات ثقة مع الحلفاء في هذه المنطقة الهامة من العالم. الولايات المتحدة يجب ان تأخذ التقارب الروسي الصيني مع إيران مأخذ الجد، وإن على إدارة الرئيس بايدن أن تتخلى عن حسن الظن بأعدائها، وتدفن الاتفاق النووي مع إيران للأبد. إن وقوع بلدان المنطقة تحت التهديد النووي الايراني سيخلق مخاطر وجودية ودولية متعددة، تهدّد الأمن والسلام العالميين، ولن تنجو منه أوروبا وأمريكا.

لقد حان الوقت للولايات المتحدة أن تحدّد أعداءها. فهناك خطر قادم. وأن على الولايات المتحدة أن تكفُ عن سياسة النسبية السياسية، والضبابية، والرمادية، وتدفن أحلام الاتفاقات النووية الإيرانية للأبد. فكل المؤشرات والمتغيرات تدلل بما لا يدع مجالا للشك بان الخطر الايراني المتمثل كقاعدة وواجهة متقدمة وكحليف استراتيجي للمحور الصيني الروسي المنافس لها، ذو الامكانات النووية، والمتقدم عسكرياً، ينضج وقادم قريباً لا محال. فإما أن تضرب الولايات المتحدة هذا الخطر المحدق الآن أو أنها لن تستطيع الضرب أبداً.

فهل تذهب إدارة بايدن إلى هذا الاتجاه، أم أنها ستبقى تراهن على ملالي طهران كي يقتنعوا بضرورة السلام والأمن، وهم من يصنع الحروب العدوانية في الشرق الأوسط.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني