إنه الغزو الروسي!!
تمر اليوم الذكرى السابعة على الغزو الروسي للأراضي السورية، ومما يدعو للأسف أنه رغم مرور هذه السنين ما زال استخدام مصطلح “التدخل الروسي” دارِجاً من قبل المعارضة والثورة دون التعرض لمشروعيته وجوداً أو عدماً.
إن المعركة القانونية هي إحدى جبهات الحرب على الشعب السوري، الأمر الذي يقتضي تصحيح بعض المفاهيم وتحرير بعض المصطلحات، ودحض بعض المغالطات التي انتشرت في الوسط الثوري والسياسي المعارض والتي انعكست سلباً على الوعي العام، وأدى إلى ضعف الثقة بين الحاضنة وقوى الثورة، وانجرار بعضها وراء دعوات المصالحة والتسويات تحت رعاية الغُزاة الروس، الأمر الذي أدى إلى ضياع الحقوق، وإبراء ذمة المجرمين من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها بحقنا.
مفهوم التدخل: لا يوجد في القانون والعُرف الدولي مصطلح “تدخل” مُجرد، لأن العلاقات الدولية تقوم على عدة مبادئ أسياسية حددتها المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة وهي: المساواة بين الدول، احترام سيادة الدول، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، امتناع الدول عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”.
عدم التدخل في الشؤون الداخلية نصت عليه المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة “7” منها الذي جاء فيه: ليس في هذا الميثاق ما يسوغ “للأمم المتحدة” أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.
وقد أكدت على هذا المبدأ القرارات المتعاقبة للجمعية العامة للأمم المتحدة وأوجب على جميع الدول احترام حق الشعوب والأمم في تقرير المصير وفي الاستقلال، وتجري ممارسة هذا الحق بحرية ودون أي ضغط أجنبي ومع الاحترام المطلق لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وعلى جميع الدول، بالتالي، الإسهام في القضاء التام على التمييز العنصري والاستعماري بأشكاله ومظاهره كافة.
وحظرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها لعام 1975 التدخل في النزاعات الداخلية أو الحروب الأهلية لصالح أي طرف من أطراف النزاع حتى لو كان بناء على طلب السلطة الحاكمة.
وحسب رأي الفقيه الفرنسي شارل شومان الذي جاء فيه: إن الاعتراف للحكومات القائمة بحق الحصول على مساعدات عسكرية خارجية أمر لا يتفق ومبدأ عدم التدخل، لان الشرعية الدولية لا تبقى دائماً الى جانب الحكومات القائمة، ففي حالة حق الشعوب في تقرير مصيرها تحل الشرعية للشعوب، لذلك لا يجب مراقبة الشرعية القائمة من قبل الدول الاجنبية.
وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قراها رقم 36/103 لعام 1981 أعلى أن: أي انتهاك لمبدأ عدم التدخل بجميع أنواعه في الشئون الداخلية والخارجية للدول يشكل تهديداً لحرية الشعوب ولسيادة الدول واستقلالها السياسي ولسلامتها الإقليمية، وتهديداً لتنميتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعرض أيضاً السلم والأمن الدوليين للخطر.
ومن الضروري عدم خلط “التدخل الإنساني” الذي تدافع عنه الدول أو الأمم المتحدة مع الأعمال الإنسانية التي تتولاها منظمات إنسانية غير منحازة في حالات النزاع. ولا يعترف القانون الدولي المعاصر بمشروعية مثل هذا التدخل عندما يتم بطريقة أحادية الجانب أي من قبل دولة واحدة.
وليس من الممكن لدولة بمفردها اتخاذ قرار التدخل العسكري مهما كانت مبرراته، لأن التبرير الوحيد للاستعمال الجماعي للقوة ضد دولة ما استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يعتمد على التهديد الذي تشكله هذه الدولة على الأمن والسلام الدوليين، وتبقى عمليات التدخل التي تنفذ بموجب تفويض أو مصادقة مجلس الأمن خاضعة للقيود المتعلقة بالإمكانيات العسكرية التي تعهد بها الدول إلى الأمم المتحدة فضلاً عن الخيارات وتوافق الآراء على الصعيد السياسي التي تتغير بحسب تغير الظروف. وبناء عليه فإن أي تدخل عسكري في الشؤون الداخلية لأي دولة بدون تفويض من مجلس الأمن يعتبر من أعمال “العدوان”.
العدوان والاحتلال والغزو:
العدوان: لم تتبنَ الأمم المتحدة تعريفاً محدداً للعدوان إلا في سنة 1974 عندما أقرت القرار 3314 الصادر من الجمعية العامة الذي عرف العدوان بأنه: “استعمال القوة المسلحة من قِبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو أي وجه آخر لا يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة”.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن المبادأة باستعمال “القوة المسلحة من قِبل دولة ما، خرقاً للميثاق تشكل بينة كافية مبدئياً على ارتكابها عملاً عدوانياً”، ووفقاً لقرار الجمعية العامة، تشكل الأعمال التالية أعمالاً للعدوان، سواء بإعلان الحرب أو بدونه شريطة أنها ليست جامعة:
العدوان المباشر: وهو قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة، على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق، أو قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة. وهو ما ينطبق على اتفاقيات تأجير مطار حميميم ومرفأ طرطوس وقواعد عسكرية والمرافق الاقتصادية الوطنية العامة للروس.
العدوان غير المباشر: إن العدوان غير المباشر ينطوي على: إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قِبَل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل هجوماً مسلحاً فعلياً تقوم به قوات نظامية أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك. وهو ما ينطبق على مرتزقة فاغنر والميليشيات “المسيحية الارثوذوكسية الطائفية”، والفيلق الخامس والشركات الأمنية المرتبطة بالقوات الروسية.
الاحتلال: في القانون الدولي، تعتبر منطقة ما “محتلة” عندما تخضع فعلياً لسلطة جيش معاد.
تم تقنين تعريف الاحتلال والتزامات سلطة الاحتلال: بقوانين وأعراف الحرب البرية الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 تضمنت حقوق والتزامات السلطة العسكرية على أرض دولة العدو والتي أصبحت من قواعد القانون الدولي العرفي هذا التعريف في الحسبان السيطرة الفعلية على أرض سلطة معادية، ويُنظم مسؤوليات هذه السلطة على الأراضي التي أُنشئت فيها مثل هذه السلطة ويمكن ممارستها.
وأوضح اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكولها ملحقها الأول حقوق وواجبات قوات الاحتلال، حقوق سكان أرض محتلة، وقواعد إدارة هذه الأراضي ومنها احترام حقوق الإنسان والقانون والنظام، والحفاظ على الأمن والنظام العام في الأرض المحتلة. وفي الغالب، يجب على سلطة الاحتلال اتباع القوانين التي كان معمولاً بها بالفعل في تلك الأرض (اتفاقية لاهاي الرابعة المادة 43).
الغزو: وهو ما عرفته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان، محكمة العدل الدولية، القانون الدولي الإنساني:
“عندما لا تنجح قوات الاحتلال في ترسيخ أو ممارسة سلطتها على أرض معينة، على سبيل المثال، بسبب أعمال عدائية ترتكب ضدها من قبل مقاتلين من الأرض المحتلة. وفي هذه الحالات، لا يعتبر القانون الإنساني هذه الأراضي أراضي محتلة وإنما يعتبرها بدلاً من ذلك أراضي تتعرض للغزو. وبعبارة أخرى، فإنها تعتبر ساحات معركة، والقواعد التي تنطبق عليها هي القواعد العامة للنزاع المسلح.
معيار التفريق بين الاحتلال والغزو: هو رفض ومقاومة قوات الاحتلال وعدم تمكنها من بسط سيطرتها على الأرض، لذا علينا ألا نُسلم بأن الغزو الروسي هو احتلال لأنه يتضمن ضمناً اعترافاً سلطة الاحتلال واسقاط حق المقاومة.
الآثار القانونية للتمييز بين العدوان والاحتلال والغزو:
- الاحتلال يمنح سلطة الاحتلال حق مصادرة الغذاء، والإمدادات الطبية، والملابس، والفراش، وسبل المأوى، والإمدادات الأخرى الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة في الأراضي المحتلة، من أجل استخدامها من قبل قواتها وإداراتها، إذا تمت تغطية احتياجات السكان المدنيين في المنطقة المحتلة.
- يمنحها الحق في مصادرة المستشفيات المدنية لرعاية الجرحى والمرضى.
- يمنحها الحق في العقارات والممتلكات الشخصية، للضرورات العسكرية التي تقدرها السلطة العسكرية، السلطة الاحتلال.
- يمنحها الحق بمصادرة الممتلكات العامة المنقولة التي يمكن استخدامها في عمليات عسكرية والممتلكات العامة.
- يمنحها الحق بأن تتبنى أحكاماً عقابية تستهدف ضمان الإدارة في المنطقة وأمن سلطة الاحتلال، وأفرادها، وأملاكها وإدارتها.
- يمنحها في حالة انتهاك الأحكام العقابية حق تسليم أي متهم إلى محاكمها العسكرية، ما دامت محاكمها “شكلت حسب الأصول” و” غير سياسية” ومقرها البلد المحتل.
التدخل الروسي واتفاقيات الدفاع المشترك:
- حل مفهوم الأمن الجماعي محل مفهوم الأحلاف العسكرية بين الدول، الذي ساد حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، لضمان الدفاع الجماعي لدولة ما من حلفائها في حالة حدوث عدوان من دولة أخرى دون النزاعات الداخلية.
- التدخل الروسي والحرب على الإرهاب: لا يعترف القانون الدولي بما يسمى بالحرب الاستباقية على الإرهاب ضمن تصنيفات النزاعات المسلحة فالنزاعات المسلحة وفقه هي نوعين فقط: نزاعات مسلحة داخلية، ونزاعات مسلحة دولية.
النتيجة: إن بعض أطياف المعارضة تتجنب اتخاذ موقف صريح من الغزو الروسي، لاعتبارات حزبية ومصلحية، وهي غالباً ما تتبنى مفهوم “التدخل” دون إلحاقه بعبارة “غير المشروع” على الأقل، ومنها من يعتبر الغزاة الروس شركاء بالحرب على الإرهاب، ومنها من يعتبرها طرفاً في الحل. وهي في الحقيقية دولة غازية معتدية تتحمل كل التبعات القانونية والسياسية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها، ويمنح الشعب السوري حق المقاومة واستهداف مصالح روسيا في أي مكان في العالم واعتبار المقاتلين والمقاومين أسرى حرب إذا ما وقعوا في قبضة طرف معادٍ.
الغزو الروسي أو العدوان يعتبر جريمة حرب وفق المادة “8” نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:
لأغراض هذا النظام الأساسي، تعني “جريمة العدوان” قيام شخص ما، له وضع يمكنه فعلاً من التحكم في العمل السياسي أو العسكري للدولة أو من توجيه هذا العمل، بتخطيط أو إعداد أو بدء أو تنفيذ عمل عدواني يشكل، بحكم طابعه وخطورته ونطاقه، انتهاكاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة. ولأغراض الفقرة “1” يعني العمل العدواني استعمال القوة المسلحة من جانب دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وتنطبق صفة العمل العدواني على أي عمل من أعمال التدخل.
إن اعتماد وتبنى مفهوم “الغزو الروسي” هو البوابة القانونية لتجاوز معضلة “حق النقض” الفيتو الذي يمكن من حرمانها من التصويت على أي مشروع يتعلق بالملف السوري باعتبارها طرفاً أساسياً في النزاع “المادة 27” من ميثاق الأمم المتحدة.
إن اعتماد مفهوم “الغزو الروسي” يُمكن الجمعية العامة للأمم المتحدة اللجوء إلى قرارها رقم “377” لعام 1950 المعروف بقرار الاتحاد من أجل السلام لتجنب اللجوء إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرارات حاسمة في الملف السوري، على غرار القرار الذي اتخذته الجمعية العامة لإدانة روسيا في غزوها للأراضي الأوكرانية وفتح الأبواب لمحكمة العدل الدولية، وللمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لمباشرة التحقيقيات بجريمة العدوان “الغزو” ضد أوكرانيا، مع العلم أن أركان جريمة العدوان الروسي على الشعب السوري متكاملة الأركان.