fbpx

إدلب والمواجهة التركية/الروسية المتوقعة

0 314

مؤشرات ودلائل كثيرة تشير إلى اقتراب معركة جديدة ستشهدها الأراضي السورية، في إدلب بين تركيا، وبين نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا، إذ رصدت العديد من وسائل الإعلام خلال الأسابيع الثلاثة الماضية العديد من التحركات العسكرية على الجانب التركي، حيث تم استئناف عمليات نقل الجنود ومختلف أنواع المعدات العسكرية من محافظة هاتاي الحدودية إلى داخل محافظة إدلب شمال غربي سوريا، تلك العمليات التي شهدت توقفاً كاملاً خلال شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان جراء انتشار وباء كورونا.

استئناف نقل المعدات العسكرية والجنود أكدته وكالة أنباء الاناضول، الوكالة الرسمية التركية، التي قالت إن وزارة الدفاع قامت بنشر منظومة دفاع جوي “هوك إم أي إم – 23” أرض – جو، الأمريكية الصنع في معسكر المسطومة على بُعد 5 كيلومترات إلى الجنوب من إدلب، مع زيادة عدد نقاط مراقبتها إلى 43 نقطة، وأن رتلاً عسكرياً ضخماً تابعاً للجيش التركي دخل من معبر “كفر لوسين” العسكري شمال إدلب متجهاً إلى مناطق القواعد العسكرية التركية المنتشرة في الريف الجنوبي، وبصحبته عدد من الآليات والعربات المدرعة الثقيلة وأجهزة رادار ومعدات لوجستية وهندسية وجدران أسمنتية عازلة سابقة التجهيز.

وهي التحركات التي تزامنت مع زيارة ميدانية قام بها مؤخراً وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بصحبة رئيس الأركان يشار غولر، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية، ما ينذر بأن هناك معركة على وشك النشوب، يتخوف بعضهم أن تكون في حقيقتها معركة لاقتسام مناطق النفوذ بين تركيا وروسيا في سوريا بعد أن بدأت فعلياً عملية التخلص من نظام بشار الأسد، وأصبح العد التنازلي باتجاه الكشف عن مستقبل سوريا الجديدة والدول الأكثر استفادة منها على وشك الانطلاق.

ورغم أن الكثير من مناطق الشمال السوري أصبحت فعلياً خاضعة للقوات التركية وعناصر المعارضة السورية المدعومة منها مثل الباب وعفرين وجرابلس، إلا أن إدلب تبقى ذات أهمية خاصة لأنقرة، وذلك لعدة اعتبارات هامة يمكن رصدها في النقاط التالية:

1- السعي لتنظيف مناطق الشمال السوري بكامله من عناصر وحدات حماية الشعب التي تصنفها تركيا كمنظمة إرهابية بحكم كونها الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني الانفصالي، ومنعهم من إقامة ممر إرهابي على حدودها يتم استخدامه في شن هجمات على الداخل التركي، وترويع المدنيين من سكان المناطق الحدودية.

2- ضمان إقامة منطقة آمنة عازلة في المناطق المحررة من قوات الأسد والعناصر الإرهابية، وتهيئة بنيتها التحتية بما يسمح باستقبال ملايين اللاجئين السوريين الفارين من جحيم الحرب والدمار في باقي أنحاء الأراضي السورية الخاضعة لسلطة النظام.

3- تمثل محافظة إدلب أهم عمق استراتيجي للأمن القومي التركي عموماً، كونها تشترك معها في حدود برية بطول 130 كيلومتر مربع، كما تتشارك معها في سلسلة جبال الأمانوس، التي سبق واستخدمتها عناصر حزب العمال الكردستاني لتنفيذ هجمات مسلحة على إقليم هاتاي، وتم من خلالها استهداف المواطنين الأتراك بقذائف الهاون والقنابل، لذا فإن تركيا ترى في سيطرة قواتها على المنطقة يعني وقف تلك العمليات الإرهابية وحماية أمن حدودها. 

4- الوجود التركي في إدلب يساهم – وفق وجهة نظرها – في تنفيذ خططها الرامية إلى إقامة منطقة آمنة من شأنها تأمين مساحة من الأراضي السورية لإقامة ملايين من اللاجئين، الباحثين عن مأوى لهم بعيداً عن مناطق الصراع والنزاع والعمليات العسكرية، وتوفير حياة كريمة لهم، وفي نفس الوقت تخفيف الضغط على تركيا، كونها الوجهة الأولى لللاجئين الفارين من جحيم الحرب، وهو ما يزيد من مشاكلها الداخلية، ويفاقم من معاناة النازحين الباحثين عن مأوى آمن لهم ولذويهم، الأمر الذي يضع تركيا تحت شقي رحى ضغط المسؤولية الإنسانية والأخلاقية تجاه المدنيين السوريين، والوفاء بمتطلبات الراحة النفسية لمواطنيها، خصوصاً بعد أن استغلت أحزاب المعارضة ملف اللاجئين للنيل من الحزب الحاكم، الذي دفع ثمن دعمه لهم ثمناً باهظاً.

أهمية إدلب لتركيا، لا تقل عن أهميتها لروسيا التي لديها رغبة عارمة في التمدد داخل جغرافية الدولة السورية عموماً، وفي المناطق التي تغيب عنها قوات النظام على وجه الخصوص، لتقوية نفوذها وزيادة إحكام سيطرتها، بهدف الحد من تأثير عدوها اللدود الولايات المتحدة الامريكية في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، والذي تطمع روسيا في السيطرة على مقدراته عبر علاقاتها الدبلوماسية تارة، ومن خلال تدخلاتها في صراعاته تارة أخرى، مثلما هو حاصل حالياً على الساحتين الليبية والسورية.

وترتكز الدوافع الروسية للاحتفاظ بإدلب ضمن مناطق نفوذها على عدة اعتبارات، منها”

1- ترى القيادة الروسية أن نظام الأسد كان حليفاً قوياً لها منذ عهد الاتحاد السوفيتي، وبالتالي فإنها أحق الدول بوراثته والتهام الجزء الأكبر من الكعكة السورية، فإن لم تستطع التهامها كلها، وشاركها الآخرين فيها، فهي لن تترك لهم سوى الفتات.

2- تعد الموانئ السورية نافذة استراتيجية هامه لوحداتها البحرية على البحر المتوسط، ورئة لا يمكن التنازل عنها للقيام بمهمة تغذية سفنها المنتشرة في أرجاء المتوسط والخليج بجميع أنواع الدعم اللوجيستي الذي تحتاج إليه.

3- ترى روسيا أن الأراضي السورية تمثل لها قاعدة ارتكاز هامه، لوجودها في منطقة الشرق الأوسط، والانطلاق من خلالها للتدخل شرقاً وغرباً، حيث يمكنها التأثير عن قرب على ملفات وقضايا المنطقة كافة، ما يساهم في تقوية نفوذها ويتيح لها الاستفادة القصوى من ثرواتها، ومن موقعها الاستراتيجي وهو ما دفعها إلى إقامة عدد من القواعد العسكرية فيها، ناهيك عن إمكانية التدخل أوربياً إذا ما دعت الحاجة لذلك.

4- تعلم روسيا جيداً أن التعاون بينها وبين غريمتها التاريخية تركيا، هو تعاون مؤقت – وإن طال أمده – فرضته الحاجة للحفاظ على المصالح المشتركة بينهما في اللحظة الراهنة، إلا أن ذلك لا يعني ترك تلك المساحة الاستراتيجية الهامة تحت سيطرة تركيا، لما في ذلك من تهديد للمصالح الروسية من جهة ولمصالح إيران الحليف الاستراتيجي لموسكو من الناحية الأخرى، خصوصاً وأن التدخل الروسي في الملف السوري جاء منذ البداية بناءً على دعوة إيرانية، على قاعدة أن الوجود الروسي أو الأمريكي في المنطقة يظل وجوداً مؤقتاً بخلاف الوجود التركي، خصوصاً وأن تمكين الجانب التركي من فرض سيطرته على إدلب وباقي مناطق الشمال السوري بشكل دائم يعني تلقائياً إما وجود منفذ للوجود الأمريكي والأوربي عبرها، أو خلق ذريعة لتدخلاتهما في الملف السوري، وهو ما لا تريده موسكو، وبالتالي فإن تقليص حجم الوجود التركي في سوريا، والعمل على إبعادها سيمثل أحد أوليات روسيا خلال الفترة المقبلة.

5- تدرك روسيا جيداً أهمية ألا يكون للأمريكيين والأوروبيين معاً وجود حقيقي في الملف السوري، لأن ذلك يتيح لها حرية التمدد، واستعادة مناطق نفوذها القديمة التي خسرتها في الشرق الأوسط عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، كما يمنحها الفرصة للمحافظة على ما حققته من مكاسب على مدى السنوات التسع من عمر الثورة السورية.

لذا فإنه مع تزايد الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، واستعانة أنقرة بحليفتها الاستراتيجية واشنطن، لمساعدتها بنشر صواريخ باتريوت على الحدود التركية/السورية، وتحييدها الاتحاد الأوربي بالتلويح بورقة الهجرة غير الشرعية، فمن المتوقع أن تكون معركة إدلب بمثابة تصفية حسابات بين تركيا وروسيا، وإن جاءت مستترة كما هي العادة تحت ستار محاربة الإرهاب، وذلك سعياً للحفاظ على ما حققته كل منهما من مكاسب، وما حصلت عليه من امتيازات في مختلف المناطق السورية، ولإثبات تفوقهما العسكري على خلفية ما أفرزته المواجهة بين سلاحيهما على الساحة الليبية، ولتحديد صاحب الكلمة العليا على الأرض السورية، وحجم نفوذ كل منهما وموقعه في ترتيبات الدولة السورية الجديدة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني