fbpx

ألن يستفيد السوريون من الدرس الفلسطيني

0 226

تتوالى أخبار الدول العربية المطبعة مع الدولة الصهيونية في الفترة الأخيرة، الإمارات والبحرين، مع توقعات بتزايد الدول المطبعة في الأسابيع والأشهر القادمة، ما يعكس عدم اكتراث المطبعين بحقوق الشعب الفلسطيني، وبما تمثله القضية الفلسطينية من قيم للحرية والعدالة والمساواة والحقوق، وبما تمثله الدولة الصهيونية من نقيض ذلك. الأمر الذي يوجب على السوريين أخذ العبرة منه منذ الآن، نظراً لأوجه الشبه العديدة بين القضيتين السورية والفلسطينية، ولاسيما بما يخص مضمونهما وجوهرهما القائم على الحق والعدل والمساواة والحرية؛ مع ملاحظة نجاح نظام الأسد وداعميه في خداع شرائح شعبية عربية وعالمية لا يمكن التقليل من حجمها وتأثيرها، بحيث تعتقد أن الثورة السورية مجرد مؤامرة خارجية لابد من مواجهتها مهما كان الثمن، في حين لم تنجح الحركة الصهيونية في تشويه القضية الفلسطينية منذ بدايات مخططاتها الإجرامية والعنصرية حتى اللحظة، الأمر الذي زاد من تعقيد القضية السورية ووضع العراقيل في طريق الحق السوري.

فقد بذل كلا الشعبين السوري والفلسطيني العديد من التضحيات الفردية والجماعية في سبيل تحقيق أهدافهما، دون أن يبلغ أي منهما تلك الأهداف، بل لقد نجحت قوى الإجرام الأسدية والصهيونية بدعم أو تجاهل إقليمي ودولي في خلق بيئة إقليمية ومحلية تحد من قدرات الساعين للحرية، وبالتالي تحد من تأثير الشعوب وفعلها على الأرض. وهو ما حد من دور الشعب في فرض حل حقيقي ينتصر للحق، ويحقق الحرية والعدالة والمساواة بين الجميع، لصالح تنامي الدور الخارجي الإقليمي والدولي. ما مهد الطريق إلى ترويج قناعة بعجز الشعوب عن تحقيق أهدافها، دون أي تدقيق يذكر في العوامل التي حالت دون هذا النجاح حتى الآن. فهل هي عوامل راسخة وثابتة؟ أي غير قابلة للحل والتجاوز، أم هي عوامل متغيرة تستطيع الشعوب تجاوزها بالتنظيم والتنسيق والإعداد والتوافق، وباختيار وسائل نضالية مناسبة ومنسجمة مع أهداف وتطلعات الشعب.

وعليه تم البناء على هذا المعطى المشوه؛ عجز الشعب ومحدودية قدراته؛ لترويج منطق آخر، يعتبر المجتمع الدولي والتوافق الدولي هو الطرف الحاسم والقادر على فرض حل دائم لكلا القضيتين. وكأن الحل الخارجي هو خيار واقعي وحيد للحل. ليعلق بعضهم آماله على المصلحة الروسية أو الأمريكية أو التركية أو الإيرانية، وأحياناً على مصلحة الدولة الصهيونية أو فرنسا وألمانيا والصين، وربما مصلحة الدول العربية الفاعلة ولاسيما الخليجية منها. طبعاً ينطبق الوصف السابق بخطوطه العامة على كل من السياقين الفلسطيني والسوري.

بيد أن قدم قضية فلسطين جعلها نموذجاً لنتائج هذا التعويل الأجوف والأخرق، حيث بات من الواضح فيما يخص القضية الفلسطينية، مدى ثانوية الحق الفلسطيني دولياً وإقليمياً، كما أوضحت الأيام والأسابيع الماضية مركزية قوى الإجرام والعنصرية الصهيونية في بنية النظام الإقليمي والدولي. فقد فشلت حركة فتح؛ الفصيل الفلسطيني الأكبر والأقوى تاريخياً؛ في تحقيق أي من الحقوق والأحلام الفلسطينية عسكرياً وسلمياً، لأنها تعاملت مع المتغيرات الإقليمية والدولية كأمر واقع ثابت وجامد، فلم تقدم على أي مراجعة ومحاسبة ذاتية قبل الانتقال الاعتباطي من حركة تحرر إلى حركة تفاوض. لتمضي واثقة نحو أوسلو دون أي تردد معتقدة بأن تعويلها على بعض الدول العربية كمصر والسعودية، وعلى الاتحاد الأوروبي، سوف يضمن لها تطبيق القرارات الدولية حرفياً، والتي بدورها سوف تحمل في طياتها بذور تفكيك الفكر والعقيدة وربما الدولة الصهيونية. حيث لم تدرك فتح في حينه أن السياسية والتفاوض واقعياً، مختلفة تماماً عنها في النصوص النظرية، التي تعزل مجمل العوامل الخارجية الطبيعية والمفتعلة، ما يجعل نتائجها وهمية وغير واقعية. فقد استبعدت فتح تأثير الفعل الخارجي الذي يحمي الدولة الصهيونية مهما أوغلت في الإجرام كحصار غزة، وانتهاك مئات القرارات الدولية، واستخدام أسلحة محرمة دولياً، وتنامي الاستيطان، وجدار الفصل العنصري، وعمليات التطهير العرقي داخل الأراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً، وصولاً إلى الصمت الدولي على قرار الضم الصهيوني. وكذلك في انتهاك الاتفاقيات الموقعة مع الطرف الفلسطيني (على سوئها)، ليسقط بعد أوسلو وهم قيام دولة فلسطينية وربما تقويض الدولة الصهيونية، ويكرس واقع صهيوني عزل الفلسطينيين في كانتونات متباعدة.

الأمر الذي أعاد الشعب الفلسطيني اليوم إلى مربع الصراع الأول، ودفع العديد منهم إلى البحث عن كيفية معالجة أخطاء السنوات الماضية، وخط نهج جديد ومغاير، عماده الحراك والنضال والقرار الشعبي. ما يدفعني للتساؤل، ألا يخشى السوريون مثل هذا المصير، وألم يلاحظوا أن الواقع السوري اليوم ينضح بمئات الشواهد الدالة على تقسيم الجغرافيا والمجتمع السوري، بحدود مصطنعة ومفروضة طائفياً؛ وإثنياً؛ وعرقياً، إلى ما هناك من حدود اجتماعية وجغرافية. فها هي قوى الإجرام والاستبداد والعنصرية السورية تتحول اليوم من أطراف مرفوضة دولياً إلى لاعب رئيسي يصعب تجاوزه، ليتم فرضه مستقبلاً كأمر واقع لا بديل له ولو آنياً، ومن ثم يتمدد الآني ليصبح دائماً على حساب أصحاب الحق من السوريين، وللأسف على حساب الحق ذاته.

أي لن تفضي العملية السياسية المزمع إجراؤها، أو حتى الجارية الآن؛ بنسختها الروسية؛ أو التركية؛ أو الإيرانية؛ أو حتى الأمريكية التي يعول عليها آخرون؛ إلى واقع جديد يمهد الطريق أمام الشعب السوري كي يستعيد حقوقه المسلوبة ولو بعد حين، بل على العكس تماماً سوف تكرس هذه العملية القيود المفروضة على قوى الشعب الحرة، وتباعد بين مكونات الشعب السوري، وتفرض عليه واقعاً جغرافياً وسياسياً يقسم الأرض والشعب واقعياً، دون الحاجة لخلق دول جديدة معترف بها أممياً. ولنا مثال بالانقسام المفروض جغرافياً وسياسياً في فلسطين كغزة، والضفة، والقدس، وأراضي 48، ومخيمات اللاجئين، ومثيله المفروض اليوم في سوريا كإدلب، وشرق الفرات، وغرب الفرات، ودمشق ومحيطها، ودرعا، والسيدة زينب ومحيطها، وعلى المستوى الشعبي بين داخل سورية وخارجها.

إن العملية السياسية المدعومة بقرارات الشرعية الدولية مجرد وهم يستند إلى هذا القرار أو ذاك، وهي جميعها مجرد حبر على ورق، كمئات القرارات الدولية المعنية بالشأن الفلسطيني واليمني والليبي والعراقي وغيرها من الملفات الدولية المنسية. لذا فلندع المجتمع الدولي يغرق في خلافاته حول طبيعة وشكل الحل الأمثل لمصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين الأساسيين اليوم، كي نصوب جهودنا وطاقاتنا على السبل التي تعيد الحيوية الشعبية، وتتجاوز الأخطاء الماضية، كخطوة أولى في استعادة زمام المبادرة، وفرض إرادة ومصلحة الشارع السوري أولاً، والانتصار لقيم الحرية والعدالة والمساواة سورياً وعربياً وعالمياً.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني