fbpx

أطفال القامشلي يبكون ثياب العيد

0 264

يلتفت المارة في السوق المركزي في مدينة قامشلي إلى صوتِ بكاءٍ حاد لطفلٍ لم يتجاوز عامه السابع بعد. وأمام الإحراج الذي سببه الطفل، لم تتمالك “أم خالد 35عاماً” نفسها، التي تحمل طفلها فبكيا سوياً. تقول لنينار بريس “سعر ثياب ولدي 55000 ل.س، وهو أقل سعر يُمكن أن أجده لقميص وبنطال جينز، زوجي يعمل مدرساً لدى الإدارة الذاتية، راتبه 90000 ل.س ونحتاج إلى 50000 ل.س مصاريف العيد، أتمنى ألا يزورنا أحد”
جالت صحيفة بينار بريس الأسواق، حيث الكثافة والاكتظاظ الكبيرين، والقوة الشرائية الضعيفة جداً وفقاً لما يقوله “جوان محمد 42 عاماً” صاحب محل لبيع الأقمشة “لا يغريكم مظهر الناس وتجولهم في السوق، يوجد حركة كبيرة لكن دون فائدة، الناس لا تملك المال لتشتري، هي تسعى لتأمين الطعام أكثر”
أسعار مرتفعة وانتعاش الليرة السورية
سبق وأن وصل سعر صرف الدولار الأمريكي قرابة 5000 ليرة سورية ورافقه ارتفاع مخيف في سعر المستلزمات والمواد التموينية في ذلك يقول مسؤول في دائرة التموين للإدارة الذاتية مشترطاً عدم الكشف عن اسمه “ارتفعت الأسعار كثيراً، ونحن كنا نحاول خفضها، لكنها كانت أشبه بالنكتة. كنا نطلب منهم خفض الأسعار إلى مستوى أقل من سعر الشراء من المصدر، حين كنا نخرج من المحلات، كنا نضحك ونبكي على حالنا ووضع هؤلاء الناس، الحل هو أن تقدم الإدارة الذاتية هذه الخدمات بأسعار تشجيعية منافسة، بدلاً من السرقة والفساد الذي طال كل مرافق هذه الإدارة”
وتفتقد أسواق القامشلي إلى أي ضبط أو رقابة صارمة، حيث أن المادة نفسها تباع في محلين متجاورين بسعرين مختلفين. ومؤخراً انخفض سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية لكن الأسعار بقيت شبه ثابتة. حيث يقول التاجر مروان “نحن نشتري بالدولار، وسعره غير ثابت، لا تصدق أيَّ تاجر يقول إنه يخسر، من يقول هذا هو كاذب. الأفضل هو رفع رواتب وأجور العاملين في الدولة والإدارة الذاتية، ورفع أجر العاملين والمياومين وما شابه. والاكتفاء الذاتي، المنطقة زراعية ونشتري/نستورد المواد من خارج المحافظة، أيُ غباء هذا”.
وتتقاطع هموم فرهاد والمئات من أبناء المدينة معاً. فهو عامل مياوم، وبعد قرابة الشهر من دون عمل نتيجة حظر التجوال بسبب فايروس “كورونا”، حصل على عمل يومي بـ 5 دولارات فقط. طلب من نينار بريس التحدث على انفراد مخافة الإحراج “أقسم أن ولديّ نسيا لون اللحم وطعمه، عدا عن أنواع الفواكه، نعيش بفقرٍ ذليل، جيراننا يُرسلون لنا بعض الأطعمة التي نعطيها للأولاد، وأكتفي مع أمهم بأيّ شيء آخر”
عادة ما كان سوق اللحم يعج بالزبائن في فترة الصباح، لكن ملحمة أنس وغيرها، تتكدس فيها اللحوم، فيما تراجع عدد الزبائن وقدرتهم الشرائية. يقول اللحام مروان الشاهري “قبل القفزة الجنونية للدولار كان الفقراء يكتفون بشراء ربع كيلو من اللحم وبالدين حتّى نهاية الشهر، الآن لا نبيع في اليوم كله 15 كلغ، وأغلبه بالدين. عائلات كثيرة لا تتجاوز كمية اللحم الذي تشتريه شهرياً أكثر من كيلوغرام واحد، ويسددون ثمنه على دفعات”. يفتح مروان باب البراد الذي يَحفظُ فيه اللحم، حيث تكدست أرطال اللحم فوق بعضها بعضاً، يتذمر منتقداً قرار تصدير المواشي إلى إقليم كوردستان “لو مُنع التصدير لانخفض سعر اللحم لدينا، التجار هنا يفضلون التصدير لتحصيل المزيد من الأرباح”
يتكرر المشهد دوماً في كل مكان وفي مختلف الأسواق حيث لا معيل للفقراء سوى رحمة السماء، ولا سند لهم سوى انتظار مصيرهم الأسود في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، مع انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار، حيث تخطى حاجز 3000 ليرة سورية للدولار الواحد.
تقول أم سناء (25 سنة)،”منذ ساعتين وأنا أبحث عن الخضار لوجبة الطعام، الأسعار جنونية إلى درجة أنني اشتريت خمس حبات بندورة فقط وخسّة واحدة كي أصنع منها سلطة مع بعض الأرز الذي تبرع به الميسورون لنا”. تتنهد قليلاً قبل أن تطلب منا التأمل في وجوه المارين في سوق الخضار، “أنظر إليهم وكأنها فاقدة الحياة، لا أحد يشعر بالفقراء سوى الفقراء، ليس هناك أبشع من الفقر سوى مذلته، كلهم يكذبون علينا”
قامشلي تُمول دمشق بالملايين
وسبق أن نشرت مواقع إعلامية تحقيقاً قالت فيه: إن ملايين الدولارات تُهرب إلى دمشق من مدينة قامشلي، بما تمثله من ثقل تجاري واقتصادي وسياسي مهم في عموم محافظة الحسكة. وتحدث التحقيق عن “إقدّام مجموعة أشخاص من أصحاب النفوذ في الأسواق على سحب كميات كبيرة من الدولار وإرسالها إلى العاصمة دمشق، ما يتسبب بارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية في الأسواق المحلية”. كما أشار التحقيق إلى أن “العملة السورية بعد وصولها إلى المطار تدخل أسواق القامشلي بواسطة سيارات شحن متوسطة من نوع أنتر بين الحين والآخر”.
وتقوم هذه المجموعة بشراء مبالغ كبيرة من الدولار وإرسالها عبر مطار القامشلي إلى دمشق بهدف ضخها لاحقاً في خزينة مصرف سوريا المركزي. ويُشير التحقيق إلى اتهامات واضحة لارتباط هؤلاء بالنظام السوري ويوضح أن أصحاب محلات صرافة في المدينة يتهمون تلك المجموعات التي تعمل على سحب الدولار من الأسواق بارتباطها بـ “الخلية الاقتصادية”
مساعدات من الخارج للفقراء
يتصل فهد مع شقيقه ناصر ليخبره “أرسلت إليك 300 يورو أرجو أن تصرفها على السوري وتوزعها على المحتاجين” ناصر صاحب محل صرافة يقول لنينار بريس “شهرياً يدخل المدينة مئات الآلاف من العملة الصعبة، ولولاها لكان الأهالي يموتون جوعاً، الناس تعيش على ما يصلها من الخارج، وهناك من يرسل إلى أهله، ويوجد من يُرسل للفقراء. المهم أن العملة الأجنبية هي التي تمول الناس وليس الرواتب القليلة”
يبلغ معدل خط الفقر أكثر من 85% وفقاً لإحصائيات غير رسمية، لم يتلقوا أي رعاية اجتماعية، أو صحية. لم تشهد المدينة مشاريع تنموية في عهد الأسدين الأب والابن ولا الإدارة الذاتية، وكأن لسان حال الجميع يقول: عليهم الموت جوعاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني