fbpx

أسئلة مريرة

0 224

لو سألني التاريخ مثلاً في استهزاء، هل سنوات حياتك مثيرة بطريقة ما؟ هل عايشت أياماً غريبة واستثنائية؟

لأجبت بكل أريحية: سنوات حياتي عادية جداً، ليس فيها ما يثير، أو بلغة أدق ليس هناك حدث قلب حياتي وحولني إلى كائن هلامي.

ولكن وأنا أتساءل اليوم في غمرة فرحة عمت العالم لاكتشاف اللقاح المنقذ من طرف علماء فدرالية روسيا؟

ولن أخفيكم سراً: إن فرحتي بهذا الاكتشاف فرحة مضاعفة لماذا؟

أولاً لأنني أنتمي في تكويني الأكاديمي والروحي والإنساني لهذه المنظومة، وإن انهار الاتحاد السوفياتي وسُطرت الحدود بين جمهورياته ولكن القيم الأساسية الخاصة باحترام الانسان وتوفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم والعيش الذي يحفظ كرامة الإنسان لا زالت قائمة وهؤلاء الذين زاروا موسكو أثناء بطولة العالم لكرة القدم شاهدون على هذه الحقيقة، الغرب نفسه انبهر بالعمران والبنيات الأساسية والتنظيم والجمال والإنسان في إنسانيته الطيبة والبسيطة.

وثانيا لم أكن لأفرح لو كان اللقاح في يد المنظومة الغربية.

أعرف بعد اكتشاف روسيا للقاح وبشكل إنساني ستصلني جرعتي بثمن أستطيع أداؤه.

ويستطيع كل واحد الحصول على جرعته، على العكس تماماً لو تم اكتشف اللقاح هناك وراء المحيط الأطلسي، من المؤكد سيستفيد الأغنياء جداً أولاً ثم فيما بعد نحن الواقفين على قيد الحياة.

في أوائل هذا العام عندما بدأت تنتشر أخبار الكوفيد، انطلقنا في حياكة النكات والقفشات المضحكة مستبعدين أن يحدث هذا في بلد آمن.

لم يخطر في تصوراتنا أن نكون جزءاً من هذه الجائحة إلى أن سجلت أول حالة في بداية مارس ثم تسارعت الأرقام في الارتفاع. وعندما أغلقوا الأبواب علينا أصابنا التيه والهلع والضياع. ثم تكاثرت الأسئلة الكبيرة في طرح نفسها.

أسئلة الحياة الوجودية والفلسفية وقيمة الإنسان تجاه نفسه، تجاه الآخر وتجاه المادة وكذلك تجاه وطنه. 

فعلا أحسست بشعور غريب وأنا أعيش حياة الحجر. أحسست أني أعيش التغيير وإني شاهدة على انقلاب خطير في جميع أنظمة الكون والإنسان.

نصف قرن ونيف من حياتي ينقلب رأساً على عقب. صحيح إنني عايشت سنوات كارثة تشيرنوبل وعواقبها قرب المفاعل بمدينة كييف بسنوات قليلة ولكن لم تشكل لي أي مخاض روحي أو فكري.

لقد وجدتُ الأوكرانيين يديرون حياتهم بشكل معين، يتخدون الاحتياطات اللازمة وهم يعيشون الحياة بشكل عادي.

تعلمنا منهم أسلوب التعاطي مع المخاطر.

وربما لأن سنوات الشباب متهورة ولا تعير انتباها لمسألة الموت جعلتها محطة ببصمتها ولكنها عابرة.

الكوفيد علمني أنه في نفس الوقت الذي تعيشه بمفردك ولكنها فردانية جماعية بكل تناقض الفكرة. في الوقت الذي تحاول العيش والاستمرار في الوقت نفسه لا تريد العيش والاستحواذ على الحياة بمفردك.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني