fbpx

أريدك ذئباً لا رجلاً

0 414

مازال دربك أيتها المرأة مفروش بالأشواك، رغم محاولاتك الدؤوبة للخلاص، مازلت داخل النفق المظلم تودين الولوج إلى الفضاء الواسع لكن دون جدوى، هناك من سحق عظامك فجعلها فتاتاً وهباء منذ آلاف السنين، صحوتك في كل مرة كانت تقابلها هجمة ذكورية رعناء، ورغم كل ما قيل ورغم كل الاستبيانات والبحوث حول الثورة السورية ودورها في تبديل الدور الاجتماعي للمرأة خلال السنوات التسع الماضية، حيث أظهرت هذه البحوث التي قامت بها إحدى المنظمات السورية المعروفة عن تبدل الدور الاجتماعي للمرأة السورية بعد عام (2011)، أن هناك تبدلاً ملحوظاً في دور المرأة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وخاصة بعد دخولها سوق العمل وتحملها المسؤولية في تأمين الدخل المناسب لأسرتها سواء أكانت متزوجة أم لا، وكذلك مشاركتها الفاعلة في اتخاذ القرارات، ما فرض على الرجل تقدير واحترام عملها، ورضي قانعاً بمشاركتها في الأعمال المنزلية بنسبة لابأس بها وذلك طواعية وبشعور تام بالالتزام والمسؤولية نحو أسرته… بصراحة يمكن القول إن هذا التحول يثلج الصدر ويدعو للتفاؤل بالمستقبل.. ولكن مازال هناك شيء لا أفهمه في التكوين النفسي والعقلي للرجل وتساؤلات لا أجد جواباً لها. ماذا يعني لنا عندما يشق أسماعنا وفي وضح النهار، صوت امرأة ينبعث من دهليز قبو البناء، جميعنا يعرف أنها أم لخمسة أبناء، تصرخ وتستغيث لتدافع عن نفسها، وبعد قليل ينقلب صوتها إلى بكاء وعويل مبحوح يسمعه جميع السكان المحيطين بها ولا يستطيع أي منهم الاقتراب أو القيام بأي شيء لنجدتها ويلتزم الجميع الصمت، وذلك في احترام عدم رغبتها في البوح أو التصريح عما تتعرض له من إذلال ومهانة باستمرار وذلك من أجل حفظ ماء وجهها أمام الأقرباء والجيران والمجتمع عموماً.

لا يمكن تجاهل أن ممارسة العنف ضد المرأة والحط من قدرها في جذره هو غريزة التسلط المتأصلة في الإنسان، حاله حال الحيوانات الأخرى، بغض النظر عن تميز الإنسان عن باقي الحيوانات، وقد نشأت ثقافة استضعاف الآخر واضطهاده واستعباده تاريخياً كتحصيل حاصل لهذه الغريزة. واستضعفت المرأة لأنها غير قادرة على القتال كالرجل في بيئات الصراع منذ فجر الإنسانية الأول.

ليتك كنت ذئباً أيها الرجل.. هل تدري لماذا؟ لأن الذئاب لا تمارس العنف مع الشريكة وتتميز بالحنان والوفاء للزوجة، فهما معا يتبادلان الحب والوفاء ماداما على قيد الحياة، بالإضافة إلى أن الذئب الذكر لا يرتبط سوى بوليفته ولا يخونها مع أخرى، حيث يولد أبناؤهما من أم واحدة وأب واحد، والذئاب تقيم حداداً كبني البشر عند الموت وحدادهم لا يقل عن ثلاثة أشهر، وفي حال التعلق والوفاء الشديدين، يقدم الشريك على الانتحار وينهي حياته طواعية وفاء لشريكه. 

في الوقت الذي يمارس الذئب الحيوان، الحنان واللطف في تعامله مع شريكته، يعتبر بعض الأزواج أن ممارسة العنف حق وصواب، يمارسونه تجاهها ولا يدرون أن هذه الممارسات ظالمة، والأخطر أنهم يتصورون أنهم ينفذون أمر الله. هذا وقد لعب الرجل دوراً كبيراً في سيطرة المؤسسات القبلية والعشائرية وفي تغييب دور منظمات المجتمع المدني والتنظيمات العصرية التي من المفترض أن تكون مصادر وعي ومبعث تطور في غالب الأحيان، ففرضت هذه المؤسسات القبلية والعشائرية ما يعرف بالعنف “القيمي” المبني على أسس قيمية، هذه الأسس سيست الأمور داخل العائلة والبيت والعشيرة مثل الأخذ بالثأر أو المعاملة بالمثل أو التأديب الذي يمارسه الآباء على الأبناء، والإخوة الكبار على الصغار أو العنف الذي يمارسه الرجل على المرأة، مثل جرائم الشرف، حيث نجد أن هذا النوع من العنف يحظى بالدعم من الأقرباء والمجتمع المحلي. أما سلطة الأخ الأكبر عند غياب الأب تحتاج للبحث بجدية لما لها من أبعاد سلبية، فهو من يسير أمور البيت وهو من يتولى تقرير مصير الأخوات في الزواج وبعده، من حيث الاستيلاء والتصرف في حصة أخواته في الإرث، وتتسم سلطته غالباً بالقسوة من أجل اثبات رجولته وفرض سطوته عليهن. هذا هو الإرهاب الحقيقي لأفراد الأسرة، وما يحصل داخل الأسرة، ضحيته غالباً النساء.

وعلى سبيل الذكر، نشير إلى أن المرأة خلال العصور التي مضت تراوحت حياتها بين نيلها للحقوق والاضطهاد وهناك أدلة على أنها لم تتعرض للإجحاف والتمييز والعنصرية الجنسية خلال بعض العصور وإنما تميزت بالمساواة ونالت حقوقها الاجتماعية حتى أنها خلدت حكاياتها على شكل امرأة نحتت أطرافها على شكل نمور ضارية وهي إشارة للقوة والثقة. أما قبل عشرة آلاف سنة احتلت المرأة مكانة الآلهة لدى الشعوب القديمة وذلك لاحترام دورها في الإنجاب وحضانة الجنس البشري. ولكن تطور الزراعة فيما بعد ساهم في حدوث تغييرات اقتصادية واجتماعية بحيث تراجع دور المرأة وارتبط بالمهام المنزلية والتربية وحظي الرجل بالأدوار المرتبطة بالقوة الجسدية وترسخت هذه الأدوار المرتبطة بالذكورة بتأسيس الجيوش التي رمزت إلى القوة والسيطرة والتحكم بكل مفاصل الحياة، ومع الغياب الصارخ للوجود الأنثوي في هذا العالم ينتهي هذا الجانب المشرق من الاحترام الذي حظيت به المرأة. حيث بدأ ظهور مجموعة قوانين سنتها العائلات الحاكمة زمن الأكاديين كان من بينها ضرب المرأة بقطعة من الطوب على أسنانها إذا تكلمت في غير دورها. أما القوانين الآشورية سلبت المرأة حقوقها وسمحت للرجل بالتحكم بالأمور الخاصة بالمرأة، ومن هذا المنطلق تبدأ السلطة الذكورية بالتجذر وانصياع المرأة لولاية الرجل. وهكذا سيطر المجتمع الأبوي وترسخ مفهومه باسم القوانين الآشورية وتم تطبيقه بصورة وحشية فيما يخص المرأة مثل شد الشعر أو رمي المرأة في الشارع لعقابها من قبل الزوج. وأصبحت المرأة مواطنة من الدرجة الثانية. من بعض هذه القوانين، ألا تخرج الآشوريات المتزوجات والأرامل ورؤوسهن مكشوفة في الشارع وقد خلقت القوانين الآشورية تصنيفات اجتماعية ضد المرأة قبل ألفي سنة، ورسخت التمييز بين المرأة والرجل بحجة حمايتها وإذا خالفت النساء أوامر الرجل يضربها بالخيزران وتقطع آذانها.

لابد أن نعترف أن علاج ممارسة الاضطهاد ضد المرأة في كل أنحاء العالم، يحتاج إلى وقت طويل وجهود كبيرة يساهم فيها المثقف ورجل الدين الواعي كما تساهم فيها المؤسسات الحكومية والأهلية، وقبل كل شيء يجب أن تدرك المرأة دورها وأنها جزء فاعل ومكون أساسي في المجتمع البشري. والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً، هل المرأة قادرة ومستعدة للمواجهة؟ وهل ستتمكن من نيل حقوقها كاملة بالإصرار والوعي لمسؤوليتها في هذا الاتجاه؟

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني