أدوية بلا رخصة وصيادلة بلا شهادات..
أن تبيع كوباً من الشاي بدون أن يكون لديك خبرة أو شهادة بإعداد الشاي.. أمر بسيط.. لكن أن تبيع دواء لمريض بلا شهادة صيدلة.. أو أن تفتح (دكان أدوية) في منزلك.. أمر يحاسب عليه القانون..
لكن من فوق أسوار هذا القانون.. قفز بعض السوريين في تركيا.. طمعاً بالربح المادي.. واضعين حياة البشر خلف ظهورهم..
(أ.م) خريج المعهد الصحي قسم الصيدلة جامعة حلب عام 1998.. زاول مهنة الصيدلة لمدة ثمانية عشر عاماً في سوريا.. يعمل الآن في صيدلية تركية منذ ثلاث سنوات..
بدأ حديثه بقوله: طبعاً أنا مع القانون التركي بمنع بيع الادوية إلا في الصيدليات المرخصة ومن قبل مختصين.. لكن أحياناً يتم تجاوز هذا الأمر من قبل بعضهم وتترك بعض الأدوية في البيت للحالات الطارئة..
ويتابع: بائعو الأدوية ينقسمون إلى قسمين..
الأول هو الصيدلاني السوري الذي تخرج من الجامعات السورية، ودراسته تؤهله لأن يعطي الدواء.. فالجامعات السورية معروفة بقوتها.. والقانون التركي يجيز للصيدلي السوري مزاولة المهنة لكن بعد تحقيق الشروط اللازمة والقانونية.. حيث أن الصيدلاني الذي تخرّج في الجامعات السورية يعاني كثيراً لتعديل شهادته، لأن الحكومة التركية اكتشفت الكثير من حالات التزوير للشهادات الجامعية السورية.. فهي حذرة جداً مع الشهادات الجامعية الصادرة من سوريا.
وبسبب العلاقات المتوترة بين الحكومة التركية وحكومة النظام السوري.. أصبح من الصعب التواصل بين الجامعات التركية والسورية ما أدى لعرقلة إتمام معاملة تعديل الشهادات..
بَـيْـدَ أن هذا الأمر لا يعاني منه خريجو الجامعات الأخرى – العربية أو الاوربية – فالتواصل مع جامعاتهم سهل.. بسبب استقرار الأوضاع في بلادهم.
هذه الأسباب جعلت العديد من خريجي كلية الصيدلة السوريين يستخدمون خبراتهم في مزاولة المهنة من تحت الطاولة..
ويضيف: أما النوع الثاني وهو أن يقوم شخص بلا أية خبرة ولا خلفية طبية بامتهان هذه المهنة والسماح لنفسه بمنح الدواء لمريض متخذاً من الأمر (تجارة رابحة) فهنا القضية متعلقة بالمخاطرة بأرواح البشر.
فحين يبحث مريض ما عن دواء.. ويكون هذا الدواء مفقوداً في الصيدليات.. فإنه حتماً سيجده عند صاحب السوبرماركت أو في منزل أحدهم.. وغالباً ما يأخذه بسعر مضاعف لحاجته إليه واستغلال صاحب الدواء لحاجته..
الأسبرين مثلاً.. يباع أحيانا في (البقالة) مع أن الأسبرين قد يكون خطراً في بعض الحالات إذ إنه مميع للدم..
قد يكون لدى بائع الأدوية خبرة اكتسبها من سنوات العمل فيعتمد على الوصفة الطبية لمنح الدواء.. وقد يمنحه بناء على طلب المريض بدون وصفة.. كأن يأتي شخص ويطلب مثلاً دواء للالتهاب أو مسكن للألم فيبيعه إياه بدون أي تردد أو فحص سريري أو حتى سؤاله عن الوضع الصحي للمريض..
لكن للحقيقة منذ سنة ونصف – تقريباً – تضاءل عدد الأشخاص الذين يتاجرون بالدواء وذلك بعد حادثة وقعت لطفل أدى الجهل لجعل أمه تعطيه أدوية مسكنة للألم كانت قد ابتاعتها من شخص لا يحمل أي صفة طبية.. أدت مع مرور الوقت إلى إدمان الطفل عليها..
بعد هذه الحادثة شنت الحكومة التركية حملة على (دكاكين) ومستودعات الأدوية غير المرخصة.. واتخذت إجراءات قانونية تصل للسجن أو التسفير لمن يتاجر بالدواء بدون رخصة..
وبسؤالنا لـه عن كيفية حصول أولئك الأشخاص على الأدوية أجاب: (إنها السوق السوداء).. تصلهم بعدة طرق منها عن طريق المعابر أو المهربين..
وختم حديثه بوجوب محاربة (تجار الأدوية) وفرض العقوبات على المخالفين..
يؤيد الصيدلاني (عبد العزيز.أ) من سوريا كلام زميله بصعوبة معادلة الشهادات السورية في تركيا وهذا ما حدا ببعض الصيادلة لممارسة مهنتهم دون ترخيص وخارج نطاق القانون التركي..
وأما عن (تجار الأدوية) قال: نعم.. هناك من يبيع الأدوية خارج النطاق القانوني.. يمارسون العمل كتجارة تُدِرُ عليهم المال.. إذ إن بعض الادوية التي لا يسمح ببيعها إلا بوصفه طبيه في الصيدليات تتوفر عند أولئك التجار.. لكن المشكلة الأكبر عندما يباع الدواء من غير المختصين فهم يستغلون حاجة وقلة وعي الشعب ليحققوا أرباحهم..
فهناك بعض محلات (السمانة) تبيع أدوية بطريقة غير قانونية.. حصلت عليها إما عن طريق السوق السوداء من الأدوية المهربة أو عن طريق التجار السوريين القادمين من المعابر الحدودية..
ويتابع: عملت سابقاً في سوريا بالرقابة الدوائية.. وخلال عملي كنا نواجه نفس المشكلة، فالكثير من الصيدليات تدار من قبل أشخاص غير مؤهلين وأحياناً تباع في أماكن غير مخصصة لبيع الدواء كعيادات التمريض والدكاكين وفي كثير من الأحيان كان يلجأ أصحاب هذه الدكاكين لكتابة اسم المرض الذي تستعمل لأجله تلك الأدوية ما يدل أنهم من غير ذوي الخبرة..
لكن هنا في تركيا القوانين صارمة بهذا الشأن.. وهذا بالتأكيد لمصلحة المريض.. إذ إن بعض الوصفات الخاطئة قد تؤدي لمضاعفات سلبية وخطرة جداً.. وقد رأيت عدة حالات أصيبت بمضاعفات ونُقلت لقسم الطوارئ بالمستشفى جراء أخذ دواء من شخص غير مختص..
الحكومة التركية تعمل بجد في هذا الشأن.. لكن هناك مخاطرة ومجازفة من التجار إذ إن الربح الذي يحصلون عليه من بيع الأدوية كبير جداً.
(أم يوسف) قالت: أعترف أننا شعب قليل الوعي بهذا الشأن فقد اعتدنا لسنوات على شراء بعض الأدوية بدون وصفة طبية.. هذا الأمر كان يحدث في سوريا.. ربما بسبب بعد المشافي عن الريف أو بسبب ارتفاع أسعار زيارة الطبيب الخاص..
كنا نعتمد على (العطار) أو على أنفسنا في كثير من الأحيان لوصف دواء.. خاصة تلك الأدوية الشائعة مثل أدوية الالتهاب والمسكنات وعلاجات آلام المفاصل، دون الرجوع للطبيب للكشف عن الحالة العامة للمريض.
وبعد قدومنا إلى تركيا استمر بعضنا في الحصول على الدواء بطرق غير قانونية.. بالرغم من القوانين التركية الصارمة إلا أننا أحياناً نجد مخرجاً لها.
(خالد. ع): عامل بناء قال: أصبت بالتهاب معوي حاد، ووصف لي الطبيب الخاص دواء.. لكن لأني لا أملك (كيملك) أو أي وثيقة تركية.. لم أستطع الحصول على الدواء بالوصفة الطبية.. فاضطررت لشرائه من شخص يبيع الدواء في منزله.. أعلم أنها مجازفة لكن لم يكن أمامي حل آخر..
وبين قلة الوعي.. والطمع بالربح المادي.. يضع السوري روحه على كفه ويمضي..
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”
على الإنسان أن يكون واعيا في هذه الأمور, فالعلاج لا يمكن شراؤه إلا من الصيدلية وعن طريق مشورة طبية, شكراً للأستاذة محاسن سبع العرب على هذه المتابعة المهمة…