أثر الحرب على الطفل السوري
تواصل الحرب المدمّرة في سورية تأثيرها المستمر على مختلف شرائح المجتمع وفئاته ، حيث ألقت بظلالها الثقيلة على المدنيين ، وكان للأطفال الحصة الأكبر منها .
لقد شهد الأطفال كلّ حالات القتل والدّمار والتهجير ، واُستعملوا كوسائل من خلالها يعاقب آباؤهم المطالبون بالحرية ، إنّ زجّ الأطفال في أتون الصّراع الدّائر – الذي رمى بآثاره السلبيّة على حياتهم اليوميّة – أدّى إلى خلق مشاكل تعليميّة واجتماعيّة ونّفسيّة .
أطفال الحرب والتعليم :
يحتلُّ التّعليم أهميّة خاصّة بالنسبة للفرد ليس من أجل المستقبل فقط ، بل من أجل الحاضر أيضاً ، فهو ضرورة للفرد قبل المجتمع . وحقٌّ من حقوق كلّ طفلٍ في العالم مهما كانتِ الظروف .
يعتبر قطاع التّعليم من أوّل القطاعات الّتي أُهملتْ في زمن الحرب ، وتعدّدت معه الأسباب الدّافعة إلى خروج الأطفال من المنظومة التّعليميّة ، فالدّمار الذي لحق المدارس بسبب القصف الممنهج للنّظام السّوريّ الهادف إلى تدمير كلّ أشكال الحياة والاستقرار ، إضافة إلى تحويل المدارس لمراكز اعتقالٍ وتعذيبٍ – لاسيّما في السنوات الأولى من الحرب – أو إلى مراكز إيواء للنّازحين ، وقيام الكتائب المسلحة باستعمال المدارس كمشافي ميدانيّة ، كلّ ذلك أدّى إلى تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي والتّعليميّ ، الأمر الذي جعلنا أمام أرقام صادمة عن عدد الأطفال المحرومين من حقّهم في التّعليم سواء من النازحين إلى مناطق النّظام ، أو اللاجئين في دول الجوار .
إنّ واقع الطلاب في المدارس الموجودة في مناطق سيطرة النّظام السّوري سييء للغاية ، فقد عوملوا كنازحين (وافدين) منبوذين يُنظر إليهم نظرة استهزاء نتيجة التفاوت في مستوى المعيشة الذي فرضه النزاع ، والاختلاف في اللهجات واللباس والمنهج (فالوافدون خضعوا لبرنامج التعليم الذّاتيّ) المعدّ من قبل منظمة اليونيسف بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم السّوريّة ، والذي يعتمد على تكثيف سنة دراسيّة بفصل دراسيّ واحدٍ .
الأطفال والتّعليم في مناطق المعارضة :
حاولت اللجان المحليّة والمدنية في المناطق الخارجة عن سيطرة النّظام السّوريّ فتح المدارس بجهود فردية أو جماعيّة ، فقاموا بترميم بعض المدارس ، أو اتخذوا من الأقبية و الخيام أماكن للدراسة ، لكنّ التعليم في هذه المناطق لم يحقّق المستوى المرجوّ بسبب استمرار القصف من جهة ، وهجرة المدرسين من جهة أخرى ، ممّا أدّى إلى سيطرة أشخاص غير أكفاء على العمليّة التعليميّة ، فاستلموا زمام المبادرة ، وأبعدوا الجيدين وهمّشوا التعليم وجيشوه لخدمة أجندات خاصّة بهم .
إنّ قلّة الدّعم الماديّ وصعوبة المواصلات للتلاميذ والمعلمين (المتطوعين في أغلب الأحيان) جعل التزام الطلاب في تلك المدارس أمراً صعباً .
الأطفال والتّعليم في دول الجوار(لبنان وتركيا والأردن) :
لم يتمكن معظم اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء من إدخال أبنائهم إلى المدارس ، وذلك يعزى لأسباب منها صعوبة التكيف مع المناهج الدّراسيّة ، وارتفاع التكاليف المرتبطة بالتعليم في ظلّ التضييق عليهم (لبنان مثالاً) .
أمّا في تركيا فيظلّ حاجز اللّغة العائق الأصعب أمام الأطفال لدخول المدارس ، إضافة إلى انعدام الأوراق الثبوتيّة لدى معظمهم ، ممّا دفع الكثيرين منهم تفضيل إمّا خيار الهجرة غير الشرعيّة إلى أوروبا ، أو إرسال أطفالهم إلى العمل لمساعدتهم على تأمين الحياة المعيشيّة .
إنّ بناء نظام تعليميّ يقوم على تعزيز قيم المساواة واحترام الآخر وتقبلّه مرتبط بوقف آلة الحرب وإعادة هيكلة التّعليم وفق بيئة سلميّة غير عنيفة ، فالتعليم يمنح الاستقرار الماديّ والاجتماعي للأفراد ، ومن هنا لابدّ من القول إنّ تداعيات خطيرة تنتظر شكل المجتمع السّوري في المستقبل بين فئة من الأطفال تلقوا تعليماً ، وفئة عاشت في مناطق الحصار محرومة منه .
الواقعُ الاجتماعيّ للطفل السّوريّ في الحرب وأثره النّفسيّ عليه :
يكبرُ آلاف الأطفال السوريون ممن عايشوا القتل والدّمار والتشرد والعنف بندوبٍ محفورةٍ في أرواحهم دون أن يتذوقوا طعم الطّفولة ، بعد أن سرقتهم من أحلامهم البريئة أصوات الطّائرات والبراميل المتفجرة وسيوف الحقد والكراهية ، حيث شاهدوا بعيونهم دمار بلدهم وقتل أحبائهم ، واعتقال ذويهم ، ورحيلهم المفاجئ عن بيوتٍ استقبلت صرخاتهم الأولى إبان خروجهم للحياة .
لقد شكّلتِ الحرب لهؤلاء الأطفال ذاكرة ليس من السهل محو آثارها المدمرة التي ستظهر نتائجها الكارثيّة وستبقى لعقودٍ ،
وماالاضطرابات الانفعاليّة الحادّة التي تتجلّى في الخوف الشّديد وحالات الاكتئاب والتبول اللاإراديّ في بعض الحالات ، وسيطرة السلوك العدواني عند معظمهم إلّا انعكاساً لهذه النتائج .
أدّى التّدهور الاقتصاديّ وسوء المعيشة وارتفاع الأسعار والتفكك الأسريّ لدى الكثير من العائلات السوريّة لدفع الأطفال إلى سوق العمل رغم صغر سنّهم ، فعملوا في أعمال شتّى لاتتناسب وتكوينهم الجسمانيّ كالعمل في المخابز، أو المعامل أو كبائعين متجولين أو متسولين في الشّوارع .
إنّ عمالة الأطفال (التي زادت بسبب الهجرة الداخليّة والخارجيّة) رمت آثاراً سلبيّة عليهم ، فالعمل يؤثر في صحتهم فيفقد جسدهم القوّة والتّناسق العضويّ ، كما يعرضهم إلى الاستغلال والغبن في الأجور، وسوء المعاملة ، واكتساب عادات سيئة كالتدخين وتعاطي المخدرات ، إضافة إلى الآثار النّفسيّة كانعدام الشعور بالأمان ، وعدم القدرة على الاندماج الاجتماعيّ ، فيسيطر عليهم شعور بأنهم أقلّ من غيرهم . أمّا في مناطق الصّراع الدّائر فقد حرصت الأطراف المتناحرة على تجنيد الأطفال للقتال في سنٍّ مبكرة بعد تجييشهم عقائديّاً ، فهم خزانٌ احتياطيٌّ ، وهذا ماعرّضهم للإيذاء الجسديّ والنّفسيّ .
كذلك ارتفعت معدلات زواج القاصرات (داخل سورية وخارجها وخاصة في مخيمات اللجوء) ظنّاً من أهاليهنَّ أنّ ذلك يحميهنَّ من الاستغلال ويبعدهنَّ عن الوقوع في براثن الفقر .
يتحمّل النظام الحاكم في دمشق (الذي يرتكب الجرائم المروّعة بحقّ أطفال سوريّة) ، وكلّ من يشاركه أوزار هذه الجرائم والتي تعمل على تضييع الجهود المبذولة لإنقاذ هؤلاء الأطفال وتأمين فرص بقائهم ونموّهم ، حيثُ إنّ الدّعم النّفسيّ الاجتماعيّ يكون بتوفير احتياجات الأطفال الأساسيّة من مكان آمن وغذاء ومرافق صحيّة . عندها يصبح سهلاً تقديم الدّعم الاجتماعيّ للفرد والمجتمع ، فانعدام الوسط البيئيّ السّويّ (كما في النزوح الدّاخليّ) سيبقيهم عرضة لمواجهةِ العدوانيّة .
خاتمة :
لن يشفى أطفال الحرب السوريون ما لم يتمَّ إيجاد حلولٍ ناجعةٍ كفيلةٍ بإحلال السّلام ، والعمل على المتابعة النّفسيّة والتربويّة تقوم بها منظمات دوليّة من خلال برامج يساهم فيها متخصّصون وبمساعدة الدّول المضيفة لإحداث مراكز مؤهلة ومدعومة ماديّاً للعمل على إصلاح مادمرته الحرب واستيعاب الأعداد الهائلة من الأطفال من أجل تعليميهم وتعافيهم نفسيّاً.